عبدالحليم محمود شيخ الأزهر.. عرف بولعه بالتصوف

عبدالحليم محمود
عبدالحليم محمود

برقية إلى الرئيس المصرى أنور السادات وبشره بنصر أكتوبر، قائلا أوصيك باتخاذ قرار الحرب لأننا سننتصر، فقد رأيت فى المنام النبى محمدا صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس ومعه عدد من علماء المسلمين وجنود القوات المسلحة يكبرون.

استبشر السادات بهذه الرؤيا ويقال إنها كانت ضمن عوامل عدة حسمت قرار حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وهى القصة المتناقلة عن شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود.

اقرأ أيضًا| حوار | د. محمد الضوينى.. وكيل الأزهر الشريف دور الأزهر الوطنى لا يخفى على أحد ودعم كبير للمبادرات الرئاسية

وعلى منبر الجامع الأزهر وقف الشيخ داعيا للاستشهاد فى سبيل الله خلال الحرب، وكان معروفا عنه أنه يزور الجنود على الجبهة، وأنه كان أقرب إلى أن يكون قائد التعبئة الروحية قبل الحرب.

مسيرته
ولد شيخ الأزهر عبد الحليم محمود فى 12 مايو/ أيار 1910 فى قرية أبو أحمد التابعة لمدينة بلبيس فى محافظة الشرقية، ولأن والده لم يكن قد تمكن من إكمال تعليمه فى الأزهر، فقد أراد لابنه أن يستكمل ما بدأه، وكان حريصا على أن يزرع فيه حب العلم ويحفظه القرآن كاملا فى الصغر.

التحق محمود بالأزهر الشريف، حتى تخرج فيه طالبا ثم صار أستاذا، وحصل على درجة العالمية عام 1932، وسافر إلى فرنسا وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون بمرتبة الشرف فى الفلسفة الإسلامية عام 1940.

عاد إلى مصر ليكون أستاذا لعلم النفس فى كلية اللغة العربية بالأزهر، ثم أستاذا للفلسفة بكلية أصول الدين ثم عميدا للكلية حتى صار وكيلا للأزهر.

أبو المتصوفين
بلغ عدد مؤلفاته نحو 100 كتاب، ووضع الشيخ أهم كتبه فى الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، وكان أول ما نشره ترجمته لرواية عن الفرنسية من تأليف الأديب الفرنسى أندريه موروا عام 1946.

يعرف عنه ولعه بالتصوف الإسلامي، وأنه قام بتنقية التصوف من الشوائب التى علقت به، مما جعله يواجه نقدا من بعض المتصوفين، ومن أهم كتبه «قضية التصوف: المنقذ من الضلال» عن نشأة التصوف، وعلاقته بالمعرفة والشريعة، حيث عرض منهج أبو حامد الغزالى فى التصوف، وترجم لعشرات الأعلام الصوفيين مثل سفيان الثورى وأبى الحسن الشاذلي، حتى لقب الشيخ بـ «غزالى مصر»، و»أبى المتصوفين».

فى كتابه «التفكير الفلسفى فى الإسلام» تناول علم الفلسفة وأرخ للفكر الفلسفى فى الإسلام، مستعرضا تيارات مذهبية مختلفة بين أوروبا والعالم العربي، من سقراط إلى ابن سينا، ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية وسبقها لفلسفة الغرب فى كثير من طرق التفكير.

ورفض الشيخ رأى البعض بأن التفكير الإسلامى منتخب من عقائد وفلسفة اليونان، وأشار إلى أن النزعة الغربية حاولت منذ زمن بعيد اتهام الشرقيين بأنهم أقل من الغربيين فى جميع ميادين الحضارة.

وردا على كتاب اللورد هيدلى «إيقاظ الغرب للإسلام»، ألف الشيخ كتابه «أوروبا والإسلام» ليضع ميزانا عقلانيا للتعامل الغربى مع الإسلام، وما يراه المنهجية المثلى للحكم على منهج الغرب فى تعامله مع هذا الدين.

مع عبد الناصر والسادات اشتهر الشيخ بمواقفه فى الدفاع عن مؤسسة الأزهر وعما يراه حقا، وبأنه لا يخشى فى الله لومة لائم.

تدرج الرجل فى المناصب من أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزيرا للأوقاف، ثم عينه السادات شيخا للأزهر فى 27 مارس/آذار 1973، ليكون فى مهمة صعبة وهى إعداد قاعدة كبيرة من المعاهد الدينية لتمد جامعة الأزهر بأعداد كافية من الطلبة تغذى كلياتها الـ20، وانتشر فى عهده التعليم الدينى والأزهري.

جاء الصدام الأشهر بين الأزهر والسادات فى يوليو/تموز 1974، بعد عام من توليه مشيخة الأزهر، عندما صدر قرار جمهورى بتنظيم شؤون الأزهر وتحديد مسؤولياته، ليكون الأزهر تابعا لمسؤولية وزير شؤون الأزهر، وتقليص صلاحيته لصالح وزير الأوقاف، مما يفقده استقلاله.

إثر ذلك استقال عبد الحليم محمود من منصبه ورفض الذهاب للمشيخة كما امتنع عن تقاضى راتبه، حتى صدر قرار بمساواة شيخ الأزهر بالوزير فى راتبه ومعاشه، ثم صدر قرار آخر بمساواته برئيس الوزراء، فدعاه السادات وقال له لك ما طلبت، وعاد الشيخ لمنصبه.

وفاته
توفى شيخ الأزهر عبد الحليم محمود إثر عملية جراحية بعد عودته من الحج فى 17 أكتوبر/تشرين الأول 1978، تاركا كنزا من أهم ما كتب عن الفلسفة والتصوف فى الإسلام، ومواقف إنسانية ووطنية دفاعا عن الحق ودور الأزهر.