حوار | د. محمد الضوينى.. وكيل الأزهر الشريف دور الأزهر الوطنى لا يخفى على أحد ودعم كبير للمبادرات الرئاسية

د. محمد الضويني
د. محمد الضويني

أكد د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن وثيقة الأخوة الإنسانية خرجت إلى النور فى وقت كانت تعانى فيه المجتمعات من حالة الانحدار الثقافى والأخلاقى الذى يعارض القيم والثوابت، وتسبب فى سيل الدماء غير المبرر بين الشعوب، لتكون بمثابة دعوة إلى إرساء ثقافة التسامح والتعايش السلمى بين اصحاب الديانات المختلفة، مشيرا إلى أن رسالة الوثيقة ما زالت موجهة إلى الجميع لوقف حالة الاعتداءات المباشرة وغير المباشرة بين الدول، بعيدا عن المساومة على المعتقدات الدينية.

وأكد الضوينى أن الأزهر إلى جانب دوره التثقيفى والتنويرى يضطلع بدور مهم للغاية فى دعم جهود الدولة ومد يد العون لكل ما تعلنه من مشروعات قومية ومبادرات لخدمة الشعب المصري، على رأسها مبادرة «حياة كريمة»، التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسخر لها الأزهر الشريف بتوجيهات مباشرة من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، جميع إمكاناته لتحقيق أهدافها للمساهمة فى تنمية المجتمع المصري.

ونوه إلى الجهود التى بذلت فى القضاء على التطرف داخل مصر والوطن العربي، مؤكدا أن ذلك يأتى فى إطار دور الأزهر العالمى والمحلي، ورسالته الإنسانية السامية، التى ترفض بشكل قاطع الأفعال الإجرامية الشاذة تحت اسم الدين بهدف النيل من سماحة الإسلام.

وحذر الشباب من خطر اعتناق المفاهيم المغلوطة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، التى يتم استغلالها بشكل خاطئ، داعيهم إلى ضرورة تحمل المسئولية فى بناء الوطن والبعد عن كل ما يزعزع أمنه واستقراره.

وإلى نص الحوار:

هل حققت وثيقة الأخوة الإنسانية أهدافها.. وأهم القيم التى دعت إليها؟
وثيقة الأخوة الإنسانية، ولدت من فكر أزهرى مستنير، واحتضنتها أرض الإمارات، لتكون موجهة إلى العالم كله، بدءا بقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصادية العالمية، من أجل وقف الحروب وسيل الدماء غير المبرر، ونشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، وتقف بما فيها من مبادئ فى وجه هذا الانحدار الثقافى والأخلاقى الذى يعارض القيم والثوابت.

وقد تضمنت قيما نبيلة نصت عليها الشرائع السماوية كافة، فأكدت حق الإنسان فى الحرية المسؤولة، سواء فى العقيدة أو الفكر أو التعبير أو الممارسة، وأرست آداب التعامل فى ظل التعددية والاختلاف فى الدين واللون والجنس والعرق واللغة، ونادت بالحوار المبنى على التسامح وقبول الآخر، وبإقامة العدل المبنى على الرحمة، وبغير ذلك من مبادئ التى تضمن لبنى الإنسان مقومات الحياة الكريمة، وتقدر فى حال الالتزام باتباعها على تخليص الناس من المنغصات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية التى تفسد عليهم بهجة الحياة.

فالعالم ما يزال يشهد توترات غير مبررة، بسبب اعتداءات مباشرة من دول على دول أخرى، أو من جماعات قلقة على دول آمنة، أو بسبب اعتداءات غير مباشرة بتدخل بعض الدول فى شئون بعض، أو بسعى بعض الدول فى سلب حقوق بعض، أو بعدم جهر الدول بالحق فى الموطن الذى يجب، إلى آخر هذه الصور التى تظهر المعادن الأصيلة من الزائفة، وهذه التوترات وأمثالها تؤدى بلا شك إلى ضياع السلام والأمن، وتشيع الدمار والفزع.

والأخوة الإنسانية تنادى على الناس بقيم التعارف والتعايش، والتواصل والحوار، وإقرار هذه المبادئ لا يعنى أبدا التفريط فى الحقوق، ولا الاعتداء على الخصوصيات، ولا مسخ الهويات، ولا الإساءة إلى المعتقدات، كما يظن البعض، فالعقيدة ليست مجالا للمساومات ولا المفاوضات، كما أن الأخوة الإنسانية، لا تفرق بين الشعوب، فليس لشعب حق فى الحياة دون شعب، ولا تفاضل بين الأمم، فليس لأمة حق فى الأمن دون أمة.

ويجب التنويه إلى أن إطلاق التحالف الدولى للتسامح على أرض الإمارات دليل واضح على حصافة قادة الإمارات العربية المتحدة، ونبل مقصدهم فى تعزيز التسامح والتعايش فى ربوع العالم، والقضاء على الأكاذيب والشعارات، والخلاص من العنف وقهر الضعفاء، واغتصاب أرض الشعوب وسرقة مقدراتهم، وتدخل بعض الدول فى شئون بعض، أو صمت بعض الدول حين يجب عليها الكلام، لأن رسالة الوثيقة ما زالت موجهة إلى الجميع: سياسيين ومفكرين وفلاسفة ورجال دين وفنانين وإعلاميين بضرورة العمل على تفعيل هذه المبادئ المشرقة.

كيف يدعم الأزهر جهود الدولة فى مشروعاتها القومية مثل حياة كريمة؟
لا يدخر الأزهر الشريف جهداً فى مد يد العون لكل ما تعلنه الدولة من مشروعات قومية ومبادرات تهدف إلى خدمة الشعب المصري، وعلى رأس هذه المشروعات والمبادرات مبادرة «حياة كريمة»، التى أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد سخر الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، جميع إمكاناته لدعم هذه المبادرة الكريمة، فكانت هناك حالة من الاستنفار بمختلف قطاعات الأزهر الشريف، وعلى رأسها جامعة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، وبيت العائلة المصرية، والمنظمة العالمية لخريجى الأزهر لإطلاق القوافل الطبية والتنموية للكثير من محافظات مصر وتنظيم الفعاليات والمؤتمرات الداعمة لمبادرة حياة كريمة، ومنها على سبيل المثال قافلة جامعة الأزهر إلى حلايب وشلاتين ، وقافلة جامعة الأزهر الشاملة إلى أسوان ، والقافلة التنموية الشاملة إلى محافظة مطروح ، وقافلة جامعة الأزهر الطبية إلى مدينة شلاتين فى شهر مارس الحالى، وكان آخرها قوافل بيت زكاة المال وجامعة الأزهر إلى معبر رفح لدعم الأشقاء الفلسطينين جراء الأحداث الجارية.

كما كان لبيت الزكاة والصدقات المصرى إسهاماته الواضحة فى دعم مشروعات ومبادرات الدولة المصرية، والتى تمثلت فى المشاركة بتمويل مبادرة حياة كريمة، بالإضافة لدعمه المتواصل للمشروعات التنموية للدولة المصرية من خلال إقامة عدد من المشروعات التنموية بمحافظة شمال سيناء، وتمويل مشروع المرأة المنتجة، وذلك فى إطار تمكين المرأة اقتصاديا وتحقيق التنمية المستدامة وتحويل المرأة المعيلة إلى منتجة، إسهاما من البيت فى دعم الدولة المصرية لتحقيق خطة التنمية المستدامة.

بماذا تنصح الشباب وهو المستهدف الأول من وراء الفتاوى المضللة التى تحاول النيل من عقيدة الشباب لإثارة الإضطرابات فى المجتمع؟
الشباب عليهم مسئولية كبيرة ويجب أن يتحملوا واجبهم فى بناء الأوطان والمجتمعات، ويحافظوا على أداء مهامهم التى كلفهم الله بها سعيا لتعمير الأرض تعليما وعملا وإعمارا للكون، لأنهم إن تكاسلوا عن أداء أدوارهم، سينعكس ذلك على حاضرهم ومستقبلهم، فإذا نجح الشاب فى ذلك تتحق طاعة الله فى أرضه ويعم الخير فى ميادين الحياة المختلفة فى الطب والتعليم والهندسة والرياضة وتتحقق الريادة.

وعليهم أن يفهموا حقيقة الدور المنوط به فى هذه الحياة ودوره فى إعمار الكون وأن يفخر بأنه المستخلف فى هذه الأرض وعليه دور وأمانة سيحاسبه الله عليها .
وعلى الشباب أن يحذروا فهناك من يريد أن يغرقهم فى مفاهيم مغلوطة وثقافات عبر وسائل حديثة على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما فطن إليه الأزهر الشريف بتبنيه استراتيجيات وخطط وبرامج لحماية وإنقاذ لقيم الشباب ومعالجة مشكلاتهم، وتعاون الأزهر مع جميع مؤسسات الدولة من أجل الوقاية والتحصين للشباب.

كيف ساهم الأزهر الشريف فى نبذ التطرف فى مصر والوطن العربى؟
- طوال مسيرته الممتدة لأكثر من ألف عام، وفى إطار دوره العالمى والمحلي، ورسالته الإنسانية السامية، يضطلع الأزهر الشريف بمواجهة ومحاربة كل فكر متطرف إيمانا منه بخطورة تلك الآفة على الأفراد والمجتمعات.

فمواجهة التطرف بصوره المتعددة وأشكاله المتباينة واجب شرعى قبل أن يكون ضرورة إنسانية، والأزهر الشريف يقع على عاتقه المسئولية الدينية والتاريخية الرائدة تجاه وأد تلك الأفكار الشاذة والمغلوطة، ويظهر ذلك جليا فى مواقف الإمام الأكبر الواضحة فى مكافحة تيارات التشدد التى ترتكز على الرفض التام للأفعال الإجرامية الشاذة تحت اسم الدين من قبل تلك التيارات المنحرفة، التى تهدف للنيل من سماحة الإسلام.

تزامنا مع انتشار الجماعات المتطرفة في‮ ‬مجتمعاتنا العربية التي‮ ‬أساءت للإسلام‮ اتهم البعض الشريعة الإسلامية بالغلو والتشدد.. ‬كيف ترد على ذلك؟ 
وبالنظر والتأمل فى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، يتضح جليا خطأ تلك الفرية المشينة والادعاء الباطل الذى يصف الشريعة الإسلامية بالغلو والتشدد، فشريعة الإسلام السماوية جاءت صافية نقية ناشرة لأوجه السلام والحب، بريئة من تصرفات المخطئين، لأنها جاءت لتجميع الناس لا لتفريقهم، ولبناء المجتمعات وتعميرها لا لتخريبها وإفسادها.

وأحكام الشريعة الإسلامية كلها قامت على الاعتدال والوسطية، ولم يكلف الله نفسا إلا وسعها وقدر طاقتها، قال تعالى « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقال تعالى « يريد الله أن يخفف عنكم..»، وقوله « لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..»، وقوله تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطا...».

ووسطية الإسلام تعنى بتحقيق التوازن بين الدنيا والآخرة، وذم التشدد والمغالاة فى أمور الحياة والدين، وليس هناك أدل على ذلك من موقف النبى صلى الله عليه وسلم تجاه الرهط الثلاثة الذين جاءوا إلى بيته صلى الله عليه وسلم، وأعلن أحدهم أنه يصوم ولا يفطر، والثانى أنه يقوم الليل ولا يرقد، والثالث أنه لا يتزوج النساء، فأخبرهم النبى المعصوم عليه الصلاة والسلام «أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس مني.

ظن هؤلاء الرهط أنهم بتشديدهم على أنفسهم سيكونوا أكثر تدينا، وهذا مخالف للمنهج النبوى الشريف، ووسطية هذا الدين الحنيف، فهناك علاقة عكسية بين الإسلام والتشدد، فالإسلام هو دين الوسطية والاعتدال والسماحة واليسر.

وكيف يتم الرد على تصرفات هؤلاء المتطرفين؟
أعظم رد على ذلك قيام الأئمة والدعاة بدورهم فى التوعية الإيجابية بأصول هذا الدين ومحاسنه، واهتمام الأسر بالإعداد التربوى للأبناء، والتنشئة الصحيحة وإعدادهم بما يليق بعظمة الدين الإسلامى ووسطيته وسماحته، إلى جانب قيام المراكز العلمية المتخصصة بدورها فى رد الشبهات التى تثار حول الشريعة الإسلامية وأحكامها، وقيام وسائل الإعلام المختلفة بالدور المنوط بها نحو هويتها الدينية والوطنية، من خلال إتاحة الفرصة للعلماء والمفكرين الذين يقدمون حلولا للاستفسارات المتداولة لإظهار الإسلام الحقيقي، وإنتاج أعمال درامية، تبرز وسطية الدين الإسلامى وسماحته، وتفند شبهات المتطرفين، وتسلط الضوء على السلوكيات السلبية لتلك الجماعات المتشددة، والآثار السلبية لتلك الأفكار والسلوكيات فى الأفراد والمجتمعات.