إنها مصر

«لو» استمعوا للسادات ؟!

كرم جبر
كرم جبر

الإسرائيليون كتبوا عن الفزع والرعب الذى أصابهم فى حرب أكتوبر المجيدة أكثر مما كتبنا نحن، وفى رحاب هذا الانتصار العظيم نحيا ونعيش ونحتفل بذكرى 25 أبريل.
رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت جولدا مائير، أيقظت وزير الخارجية الأمريكى من نومه، وهى تقول مزعورة " أخشى أن تضيع سيناء "، وبعد لحظات عاود الاتصال بها وقال " بل أخشى أن تضيع إسرائيل ".
وفتحت أمريكا مخازنها لإنقاذ إسرائيل، بأسلحة ومعدات لم يستخدمها الجيش الأمريكى نفسه، بينما كانت مصر تعانى من الحصول على الأسلحة الكافية للمعركة.
وبقدرته الفائقة على التنبؤ بالأحداث، قال الرئيس السادات عبارته الشهيرة " أنا انتصرت على إسرائيل لكن مقدرش أحارب أمريكا ".. واستكمل المهمة الأكثر صعوبة من الحرب، ما أسماه " سلام الشرفاء ".
وأدركت إسرائيل أن بقاءها فى سيناء مستحيل، ولن يترك المصريون شبراً واحداً من أرضهم تحت الاحتلال، وأن خيار السلام لا بديل عنه .. الأرض مقابل السلام، وهى المعادلة التى لم تتحقق إلا على الجبهة المصرية.
وكان السادات على حق، وهو ما اعترف به خصوم السادات بعد فوات الأوان، عندما قالوا " ليتنا لحقنا طائرة السادات "، ويقصدون ذهابه إلى القدس ومواجهة الصقور الإسرائيلية فى عقر دارهم.
صوت السادات ما زال يأتينا وهو يقول فى الكنيست " لقد جئت إليكم لكى نبنى معاً السلام الدائم العادل، حتى لا تراق نقطة دماء واحدة من جسد عربى أو إسرائيلي، ومستعد أن أذهب إلى آخر العالم ".
لم يصدقوه واتهموه بالخيانة وبيع القضية، لأنه صمم على تحرير سيناء بشرف وكرامة وكبرياء، وقال لهم تعالوا معى نلحق بقطار السلام، لأنه إذا مضى فلن تلحقوا به.
كان مستحيلاً أن يترك السادات قضية بلاده رهناً للمزايدات الكلامية وحروب الشماتة واللعب بمشاعر الجماهير، فالحرب ليست لعبة ووقودها دماء وتضحيات وليس عبارات حماسية وخطابات عاطفية.
وبالنظر إلى الأوضاع الكارثية فى غزة أطرح سؤالاً مستحيلاً: ما هو الوضع لو استمعوا للسادات وخاضوا معه معارك السلام الصعبة، بدلاً من النضال الكاذب؟
هكذا الزعماء الحقيقيون، الذين يولدون من رحم الأحداث ومخزون الخبرات، ويتسلحون بالوعى واليقظة، فيلهمهم الله قرارات فى صالح دولهم وشعوبهم، دون تقدير خاطئ لقوتهم فى مواجهة الآخرين.
كانت فرحته غامرة وهو يسأل القادة الكبار فى جلسة تاريخية فى مجلس الشعب عن أحوال الجنود والضباط، وهل حافظوا على أسلحتهم، وأخذوا أجازات للعودة إلى أسرهم للاطمئنان عليهم، والقادة يؤكدون : تمام يا فندم.
فالحرب ليست استعراض عضلات، ولا أن تعرض سلامة بلدك وشعبك للخطر، وأمن الشعوب ومصالح الأوطان ليست مجالاً للمقامرة أو المغامرة، وجيشك للدفاع عن ترابك الوطنى وليس للغزوات الخارجية .
الحكمة هى القوة وليست التهور والاندفاع، وكان الرئيس السادات حكيماً وعبقرياً فى إدارة معركة الحرب والسلام، فلم يتخذ قراراً إلا لتحقيق الهدف الثابت: تحرير سيناء.