ضربة إيران تمنح نتنياهو مبررات استمرار الحرب على غزة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: أحمد جمال

جاءت الضربة الإيرانية المرسومة مسبقًا من جانب إيران على إسرائيل لتؤكد على مجموعة حقائق مفادها أن الاحتلال وإن سعى لتوسيع دائرة الصراع فى المنطقة لإنقاذ رأس رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فإنه لن يتراجع عن مخططات تدمير قطاع غزة والسعى لتهجير أبنائه، كما أنها برهنت على أن القوى العظمى غير مستعدة للانخراط فى صراعات أكبر مع تجاهل جرائم إسرائيل المرتكبة بحق الشعب الفلسطينى الأعزل، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد فى غزة خلال الأيام المقبلة مع اتهام إسرائيل لحركة حماس بإفشال مفاوضات الهدنة التى لم يتم التوصل إليها بعد بين الطرفين.

◄ توافق دولى على إمكانية استمرار حرب غزة وفق ضوابط

◄ إيران شاركت فى «تبييض» وجه تل أبيب

لم يكن ما حدث ليل السبت الماضى وصباح الأحد سوى تأكيد على أن هناك تغييرًا قد يحدث على قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران فى المنطقة، وأن الضربات التى كانت تتم بالوكالة أضحت الآن بشكل مباشر بين البلدين، لكن دون أن ينعكس ذلك على أى تغييرات فى طبيعة المشهد بالنسبة للحرب الدائرة فى قطاع غزة للشهر السابع على التوالى، ودون أن يغير ذلك من أولويات دولة الاحتلال التى تتذرع بأنها مطالبة بالقضاء على أحد أذرع إيران فى قطاع غزة وهى حركة حماس، وبالتالى يبقى المدنيون الأبرياء هم من يدفعون الثمن.

◄ المسرحية
وبدا واضحا أن هناك توافقا دوليا على إمكانية استمرار الحرب فى قطاع غزة دون أن يقود ذلك لحرب عالمية جديدة تجد فيه القوى الكبرى وفى القلب منها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا والصين أنفسهم فى حرب مباشرة، وهو ما يعزز من استغلال إسرائيل لتلك المواقف من أجل استمرار حربها فى غزة، وتدمير ما تبقى من بنى تحتية ولن يكون مستبعدًا أنها قد تلجأ إلى مقايضة الولايات المتحدة بين عدم الرد على الضربة الإيرانية فى مقابل دعمها لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية.

ويتفق سياسيون على أن التصعيد الإسرائيلى الإيرانى يأتى فى سياق العدوان على قطاع غزة إذ إن إيران وأذرعها تشارك بشكل غير مباشر وفق استراتيجية وحدة الساحات، وبالتالى فإن نتنياهو بعدم رده على الضربة التى يمكن وصفها بأنها «مسرحية» سوف يستعيد قدرا من صورته التى تشوهت أمام العالم بما يجعله أكثر ارتياحية فى استكمال عدوانه على غزة، وليس من المستبعد أن يطلب ضوءًا أخضر من الولايات المتحدة لاجتياح رفح، وبخاصة أنه مع الرد الإيرانى الضعيف سوف يقوى شوكة إسرائيل التى أضحت على قناعة بأن طهران غير قادرة على التصدى لضربتها القوية فى القنصلية الإيرانية فى سوريا وأن الردع الإيرانى لا تأثير له على أرض الواقع.

نفذت إيران هجومًا بمسيرات وصواريخ ليل السبت والأحد أعلنت إسرائيل «إحباطه»، فى أول عملية مباشرة من هذا النوع تشنها طهران ضد دولة الاحتلال، بعد حوالى أسبوعين على قصف القنصليّة الإيرانية فى دمشق، وأعلن جيش الاحتلال اعتراض معظم الصواريخ خارج حدود إسرائيل، مشيرا إلى أن بعض الطائرات ألحقت أضرارا طفيفة بمنشأة عسكرية إسرائيلية، فى حين أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقرى الأحد أن الهجوم «حقق كل أهدافه».

وأكد الحرس الثورى الإيرانى شن هجوماً «بمسيرات وصواريخ» على إسرائيل ردا على القصف الذى نُسب إلى الدولة العبرية فى الأول من أبريل، وأدى إلى تدمير مبنى قنصلية طهران فى العاصمة السورية، ومقتل 16 شخصا بينهم قياديون وعناصر فى الحرس.

◄ تبادل القصف
وفى وقت مبكر الأحد، أعلن حزب الله اللبنانى الذى يتبادل القصف يوميا مع إسرائيل منذ أكثر من ستة أشهر، أنه استهدف بصواريخ الكاتيوشا، قاعدة عسكرية للجيش الإسرائيلى فى هضبة الجولان المحتلة، للمرة الثانية خلال ساعات قليلة. 

وقالت حركة حماس فى بيان لها: «نعتبر العملية العسكرية التى قامت بها إيران ضد الكيان الصهيونى المحتل حقا طبيعيا وردا مستحقا على جريمة استهداف القنصلية الإيرانية فى دمشق واغتيال عدد من قادة الحرس الثورى فيها، مضيفة «إننا وإذ نؤكّد على الحق الطبيعى للدول ولشعوب المنطقة فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة الاعتداءات الصهيونية، لندعو أمّتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم وقوى المقاومة فى المنطقة لمواصلة إسنادهم لطوفان الأقصى، ولحق شعبنا الفلسطينى فى الحرية والاستقلال وإقامة دولـته الفلسطينيـة وعاصـمـتها القدس».

◄ مخططات كبرى
وقال أكرم عطا الله، الكاتب والباحث السياسى الفلسطينى، إن إسرائيل تحاول استغلال واستثمار جميع التطورات الإقليمية والدولية لصالحها، وتتعامل مع حرب غزة باعتبارها جزءا من معركة كبرى رأس حربتها إيران التى تريد أن تسحقها، وهو ما يمنحها المبرر لاستمرار القتال فى غزة لهزيمة حماس التى ترى أنها ضمن محور إيرانى، وتروج لذلك أمام المجتمع الدولى لكى تحصل على مزيد من الدعم لاستهداف المدنيين الأبرياء فى القطاع.

وأوضح أن دولة الاحتلال لديها مخططات كبيرة فى غزة وهى تقوم الآن بما هو أكبر من مجرد حرب على القطاع ولدى الحكومة الحالية قناعة بأنها أمام مشروع استراتيجى وأن تطورات الأوضاع أخرجت من الأدراج جميع المشاريع الإسرائيلية المؤجلة خلال سنوات وعقود ماضية، ورغم أن الضربة الإيرانية كان من نتائجها سحب قوتها من مدينة خان يونس لكنه يعد انسحابا تكتيكيا مؤقتا وليس لديه تأثيرات على المدى البعيد، وأشار إلى أن الهدنة بالنسبة لإسرائيل هى فى مرتبة ثانية وربما ثالثة ولا تتعاطى بشكل جدى معها أو مع الوسطاء وسبق أن أفشلت منذ شهرين اتفاقًا وشيكًا لوقف إطلاق النار حينما كانت الوفود تتردد بشكل مستمر على العاصمة الفرنسية باريس، ومن ثم فإن استمرار القتال فى القطاع لفترات أطول يبقى متوقعًا.

◄ إنقاذ لإسرائيل
وقال الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن الضربة الإيرانية لن يكون لديها تأثير إيجابى على قطاع غزة لأنها تأتى فى إطار صراع ثنائى بين تل أبيب وطهران وجاءت لحفظ ماء الوجه، بل إنها لفتت الأنظار عما يجرى فى قطاع غزة والضفة الغربية من جرائم يرتكبها الاحتلال بشكل يومى، ويمكن القول إنها أنقذت إسرائيل التى واجهت ضغوطًا أخيرة من الولايات المتحدة لوقف حرب غزة، وتراجع كثير من الدول الغربية عن الدفاع عنها خوفًا أن تلتصق صورتها السلبية بها، والآن جرى تبييض وجه إسرائيل ومن خسر هو القضية الفلسطينية.

وأشار إلى أن حركة حماس كانت تضع رهاناتها على الضربة الإيرانية لكى تقوى موقف المقاومة، لكن الواقع يشير إلى أنها لم تأت فى هذا السياق، وأن الضربات الإسرائيلية لم تتوقف على القطاع حتى فى أثناء الضربة وبعدها، ورغم ذلك فإنه لن يتم فقدان الأمل فى الوصول إلى هدنة مع استمرار رؤية الوسطاء فى مصر وقطر والولايات المتحدة بضرورة التوصل إليها، وشدد على أن أهداف إسرائيل العلنية من حرب غزة تتخذها للمناورة وكسب مزيد من الوقت لكنها فى المقابل حققت أهدافها الخفية التى تمثلت فى تدمير القطاع وجعله غير قابل للحياة واستهداف أكبر عدد من النساء والأطفال وحصد أكبر عدد من الشهداء ومازال الأمل يراودها بشأن تنفيذ مخطط التهجير القسرى عبر السيطرة الكاملة على القطاع ومنع إعادة إعماره إلا وفق آليات متفق عليها معها وهو الأمر الذى قد يستغرق عشرات السنين.