إسرائيل تقبل هدايا إيران المجانية

أفراد عائلة ينعون أقاربهم الذين قتلوا فى رفح بغزة
أفراد عائلة ينعون أقاربهم الذين قتلوا فى رفح بغزة

■ كتبت: دينا توفيق

ضغوط يمارسها الرئيس الأمريكى «جو بايدن» ظاهريًا على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، ولكن لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» فى عجلة من أمره، ويعتقد البعض أن لديه أسبابًا سياسية لتمديد حالة الركود. ما زالت الحرب الإسرائيلية فى غزة مستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، وكذلك الحال بالنسبة لولاية نتنياهو، سخط مجتمعى داخلى وعالمى بسبب إدارته الشائنة للأزمة مع استمرار نزيف الدماء، ومطالبة بمساءلته فى حالة إجراء انتخابات جديدة. يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تدفع إيران إلى الرد العسكرى لصرف الانتباه عن المذبحة والمجاعة فى غزة واستكمال عمليتها فى رفح وإيقاع الولايات المتحدة فى فخ للانضمام إلى القتال.

◄ رد إيران يساهم فى استعادة التعاطف الدولي لإسرائيل

◄ الهجوم على طهران  بداية لحرب جديدة في المنطقة 

وفى تصعيد خطير وغير مسبوق، استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية فى دمشق مطلع الشهر الحالي. وردًا على ذلك، شنت إيران هجومًا على إسرائيل باستخدام عشرات الطائرات المسيرة، وفقًا لما أكده موقع أكسيوس. يصر نتنياهو على مواصلة الحرب، ويسعى إلى خلق حرب أكبر لصرف الانتباه عن مشاكله الداخلية واستكمال عدوانه على رفح الفلسطينية. وكانت الضربة المحسوبة التى قام بها على القنصلية الإيرانية هى خطوته الأولى لإبعاد التركيز عن غزة، وإشراك الولايات المتحدة فى صراع مع إيران، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». وعلى الرغم من تحذير بايدن لإسرائيل من أن واشنطن لا تريد أن تتطور الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى إلى صراع إقليمى سيشمل الولايات المتحدة، باعتبارها الراعى العسكرى لإسرائيل، وسيدعم الكونجرس واللوبى الصهيونى ذلك، حتى لو كانت إدارة بايدن مترددة. 

■ ضرب سيارة للأمم المتحدة و مقتل سبعة من عمال الإغاثة

◄ الهدف الحقيقى!
وكان بايدن يطالب نتنياهو بإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن نتنياهو رفض ذلك رفضًا قاطعًا. كما أخبر الرئيس الأمريكى نتنياهو أن الدخول إلى رفح هو «خط أحمر»، لكن نتنياهو رفض تغيير خططه العسكرية. جاء تحرك بايدن بعد تراجع شعبيته ألقى اللوم على واشنطن فى مجازر الإبادة الجماعية فى حق الفلسطينيين. مكالمة هاتفية بين بايدن ونتنياهو كانت ستضع الأسس لاتفاق من شأنه أن يفيد كلا الزعيمين، ويتكون من انسحاب كامل للجيش الإسرائيلى من غزة التى ستبقى منطقة منزوعة السلاح تحت سيطرة قوات خاصة تابعة للأمم المتحدة، بعد ذلك يصبح لبنان وإيران هدفًا لإسرائيل والبنتاجون الذى سيشرع فى زعزعة استقرارهما بأساليب سريعة، مما يعنى بداية صراع إقليمى كبير سيحدد مستقبل المنطقة فى السنوات القادمة.

وبعد العقوبات التى فرضتها إسرائيل فى غزة، أفادت التقارير أن جميع البنية التحتية و90% من المبانى قد دمرت بسبب القصف الذى أدى إلى سقوط أكثر من 34 ألفاً من الفلسطينيين وآلاف آخرين تحت الأنقاض. كان الهدف الحقيقى للحملة العسكرية على غزة هو إثارة نكبة ثانية أجبر فيها 1.5 مليون فلسطينى على مغادرة القطاع، والبقاء محاصرين فى مخيمات فى رفح الفلسطينية، والذى وصفه مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان، «فولكر تورك»، بالمروع بينما حذر «من تزايد خطر الإبادة الجماعية».

◄ في مصلحة إسرائيل
واستكمالًا للتطهير العرقي، قال نتنياهو علنًا إنه يعتزم غزو رفح، لكن بعض المحللين يقولون إنه ليس فى عجلة من أمره للسيطرة على المدينة، الأمر الذى قد يشير إلى نهاية الحرب، مما يزيد من الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة وكذلك إجراء تحقيقات حكومية فى مسؤولية الحكومة الإسرائيلية عن هجوم 7 أكتوبر. ووفقًا للمحلل السياسى الألمانى «جيرمان جورايز لوبيز»، فإن مثل هذه العملية العسكرية كانت الولايات المتحدة ستمنعه منها ليقينها أنها ستؤدى إلى مذبحة جديدة للمدنيين لا يمكن تحملها، من قبل الرأى العام العالمي. وبالتالي، سيكون نتنياهو محاصرًا بإدانة المجتمع الدولى للانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان فى غزة، مع مواصلة الإبادة الجماعية لسكان القطاع باستخدام المجاعة ونقص الإمدادات الطبية كأسلحة حرب فى مواجهة سلبية الولايات المتحدة وأوروبا. ومع استمرار الحرب لفترة طويلة، أصبحت الآن هى الأطول التى شارك فيها جيش الاحتلال منذ أكثر من أربعة عقود، مع تداعيات تتجاوز حدود غزة. لذا فإن ما حدث من رد إيران على استهداف إسرائيل قنصليتها فى دمشق، يساهم فى استعادة إسرائيل التعاطف الدولى وإعطائها الشرعية للدفاع عن نفسها.

بعد أن أخرجت حرب غزة الجهود التى تقودها واشنطن لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية عن مسارها؛ وأثار الاحتجاجات والاضطرابات فى الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل الأردن، وهددت بالتطور إلى صراع إقليمي؛ أدى كل ذلك إلى زيادة الضغط الداخلى على بايدن، الذى يستمر فى توريد الأسلحة إلى إسرائيل حتى فى الوقت الذى يعرب فيه عن قلقه الأكبر بشأن أفعالها.

◄ اقرأ أيضًا | كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية

◄ الاتجاه الخاطئ
ومع الهجوم الإسرائيلى الأخير على القنصلية الإيرانية فى دمشق، والذى أسفر عن مقتل ثلاثة من كبار قادة الحرس الثورى الإيراني، من بينهم محمد رضا زاهدي، إلى جانب الهجمات الأخيرة فى لبنان ضد قادة حماس، والتى من شأنها أن تكون الطعم الإسرائيلى للتحريض على دخول الصراع بين حزب الله وإيران. وبحسب ما نشره موقع «أكسيوس» الأمريكي، تعهد بايدن مرة أخرى بتقديم دعم أمريكى قوى للكيان الصهيونى فى حالة التصعيد من الجانب الإيراني، وأفادت التقارير أن قائد القيادة المركزية، الجنرال «مايكل إريك كوريلا»، توجه إلى إسرائيل للتنسيق مع قادتها ضد أى هجوم إيراني. وافتتحت إسرائيل والولايات المتحدة أول قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضى الإسرائيلية مؤخرًا، والتى ستخدم عشرات الجنود الذين يقومون بتشغيل نظام الدفاع الصاروخي. وذكر التقرير أيضًا أن «القاعدة تقع ضمن قاعدة جوية إسرائيلية قائمة وستعمل بموجب توجيهات عسكرية إسرائيلية».

ويرى الخبير فى الشؤون العسكرية الأمريكية «دانيال لارسون» فى مقاله بموقع «Responsible Statecraft» الأمريكي، أن الإدارة تتحرك فى الاتجاه الخاطئ، ويجب على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن الهجوم الإسرائيلى غير القانوني، إلا أن إدارة بايدن تتحرك لحماية إسرائيل من عواقب أفعالها. ويوضح لارسون قائلًا إن الهجوم على القنصلية الإيرانية كان بمثابة تصعيد كبير سواء من حيث الموقع أو رتبة الضباط الإيرانيين الذين قتلوا، ويبدو أن نتنياهو يريد دفع إيران إلى الرد العسكرى لصرف الانتباه عن المذبحة والمجاعة فى غزة وإيقاع الولايات المتحدة فى فخ للانضمام إلى القتال. لقد سهّل بايدن الأمر كثيرًا على نتنياهو من خلال التطوع للسير فى الفخ.

إن واشنطن معرضة لخطر كبير بالتورط فى صراع مباشر مع إيران بفضل التصرفات المتهورة من جانب حكومة نتنياهو والدعم المستمر من بايدن، وهذا لا يخدم المصالح الأمنية المشروعة للولايات المتحدة.

ولا تستطيع واشنطن أن تتحمل صراعًا آخر فى الشرق الأوسط، والوقوف إلى جانب إسرائيل يعرض القوات الأمريكية لمخاطر كبيرة غير ضرورية. لقد تعرضت واشنطن للهجوم بسبب دعمها للحرب فى غزة. لقد كان رد الإدارة على الحرب خلال الأشهر الستة الماضية ضارًا بمصالح الولايات المتحدة وبسمعتها. إن هذا الالتزام الأخير بحماية إسرائيل بينما تستمر الحرب فى غزة يفاقم هذه الأخطاء السابقة ويلحق المزيد من الضرر بصورتها العالمية. من المحتمل أن تقوم إسرائيل والولايات المتحدة بهجوم مضاد، ويكون هناك ضربات تشمل لبنان وسوريا واستمرار حرب غزة، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار النفط فى مشهد اقتصادى عالمى غير مستقر.