أحمد الزناتى يكتب : أذكار فى أوانها جاكوب نيديلمان وتأملات عن المعنى والمسؤولية

جاكوب نيديلمان
جاكوب نيديلمان

عندما كنت أعمل على ترجمة السيرة الذاتية لعالم النفس النمساوى  فيكتور فرانكل صادفت اسم فيلسوف ومفكر أميركى يدعى جاكوب نيديلمان (1934-2022)، كان صديقًا مقربًا من د. فرانكل وزوجته. تلقى تعليمه فى جامعة هارفارد وجامعة فرايبورج بألمانيا، وانخرط بشكل أساسى فى دراسة وشرح نصوص جوردييف، ثم انتقل إلى تدريس فلسفة الأديان واللاهوت.

وبمحض المصادفة مـرَّت عينى باقتباس على منصة X من كتابيه?What is God وكتاب I Am Not I. بقليل من البحث وعلى ضوء إشادة د. فرانكل بذكره ، اطلعت على مدار الفترة الماضية على شيء من أعماله، ووجدتُ فيها ميزة أساسية، وهى سهولة الأسلوب والابتعاد عن التكلّف، فلغته الإنجليزية يسيرة، فى متناول القارئ العادى (سواء القاريء الغربى أم القاريء العربى الذى يجيد شيئًا من الإنجليزية) وتتوجّه فى المقام الأول إلى جمهور الشباب المتعطّش إلى من يمدّ إليه يد العون. لِنيديلمان كتب مهمّة، أبرزها: (?What is God)، وفيه يقدّم صورة بانورامية لتصورات الخبرة الدينية من العصور القديمة وصولًا إلى اليوم انطلاقًا من واقع خبراته الشخصية (بصمة وليام جيمس واضحة طبعًا)، وكتاب ثانٍ صدر قبل وفاته بفترة وجيزة اسمه: (I Am Not I )، وهو كتاب صغير الحجم يُقرأ فى جلسة، يتوسّل بطريقة جديدة (نسبيًا) لعرض أفكاره.

حوار بين شيخ فى الثمانين وصبى أصغر سنًا يمثّل ذات المؤلف فى طور الصبا. قوام الكتاب أسئلة بسيطة وحوارات قصيرة مُتبادلة بين المُتحدثيْن. ومن خلال هذا التأمّل/الحوار المفتوح حول العلاقة بين الذات فى شيخوختها والطفل الداخلي، يقدِّم إلينا نيديلمان أفكارًا نابعة من تجاربه الذاتية.

اقرأ أيضاً | منصورة عز الدين تكتب :تونى موريسون كمحررة أدبية

نسج نيدلمان كتابَه على منوال المحاورات الأفلاطونية، لكنه حدَّث النموذج ونفخ فيه الروح من خلال التطوير الخيالى المتمثل فى إجراء محادثة بين نفسه فى سنوات طفولته (شخصية جيري) وشخصيته الحالية (جاكوب البالغ من العمر 80 عامًا).

يحكى نيديلمان أنه واجه سؤال الهوية عندما كان فى الحادية عشرة من عمره بفضل صبى فى الحى يدعى إلياس بارخورديان، صار بعد فترة وجيزة أعزّ أصدقاء طفولته وتوأمه الفكري.

وكان الصبيان يجلسان معًا بعد المدرسة مدة ساعات متواصلة، يناقشان علم الفلك والأسئلة الروحانية المتصلة بالله والخلود والقَدَر، بيد أنّ وفاة الصبى إلياس المفاجئة هى التى دفعت تساؤلات نيدلمان الوجودية إلى ارتياد آفاق جديدة من فهم الحياة. يقول نيديلمان عن نقطة التحوّل فى حياته: «قضى إلياس نحبه بسبب مضاعفات مرض سرطان الدم، وكان مرضًا عضالًا لا شفاء منه وقتذاك قبل عيد ميلاده الرابع عشر مباشرة، وفى الأشهر التى تلت إصابته بالمرض كنت ألتقيه فى غرفة الموسيقى الهادئة الكائنة فى الجزء الخلفى من منزله، وكنا نجلس فى حديقة كبيرة مشمولة بالعناية، ومغمورة على الدوام بأشعة الشمس.

ومع تدهوّر حالته ووهن جسده تعمق شعورى تجاه رجاحة عقله. تحدث بصراحة عن مصيره المحتوم، لكنه شعر بأسف بالغ لأنه لن يعمِّر طويلًا ليفهم كل ما كان يرغب فهمه. بوجه من الأوجـه أشاعتْ وفاةُ صديقى اللاحقة فى نفسى أملًا يتجاوز الحزن، ذلك الأمل الذى ينبثق من صوت الوعى المقدّس داخلنا». يعلّق نيديلمان على هذه الفقرة بقوله: « أرى أن هذه اللحظة هى صورة الأمل الذى طالما حاولتُ إشاعته فى نفسى وفى نفوس طلابى وقُرائى فى مواجهة التشاؤم المحتوم الذى يدمغ عصرنا».

فى العمل يطالب الشيخُ الصبيَّ بأن يسأل نفسه أولًا: ما طبيعة فمهمه للأحداث ذات التأثير القوى فينا؟ وما فهمه لآلية السنن الحاكمة للطبيعة، ورؤيته لتعاليم الدين، وفكرة الإيمان، وطاعة العليّ القدير، والأهم ما مدى فهمه لفكرة تحمّل المسؤولية إزاء نفسه والآخرين؟ يطالبه بأن يسأل نفسه عن وظيفة ومعنى الألم واللذة، لكل شيء معنى. يقول نيديلمان:»  أقول لكَ من خلال التفكير بهذه الطريقة واتخاذ موقف جادّ عماده الصدق مع نفسك، لن تعتريك خيبة الأمل فقط من حجم اليقين الزائف الذى يسكنك، وإنما سيخيب أملك بسبب بنية عقلك، ستدرك أنك غير محتاج إلى معتقدات جديدة ومعلومات جديدة ونظريات جديدة، بل إلى بصيرة جديدة. الأفكار الحقيقية تفتح العقلَ على القلب، وتفتحه على قلب العقل [البصيرة؟]، تفتحه على آفاق مستوى آخر من الواقع يسكن أنفسنا، وهذا هو طعم الحرية الداخلية وبداية الإحساس بمذاقها، فالأغبياء وحدهم هم من يظنّون أن معنى الحرية هو تحصيل كل ما يرغب فيه المرء، تبدأ الحرية الحقيقية بالتسليم لتأثير أعلى، لقوّة أعلى وأسمى داخل النفس. ولكن ما العنصر الأسمى داخل نفسك؟ إن طريقتك فى التفكير هى بداية الطريق نحو الإجابة، لكنك لن تجد الإجابة فى صورة فكرة، بل فى صورة تجربة».

نلاحظ هنا أن نيديلمان ينتصر للتجربة على حساب التأمل الفلسفي، حيث يقول فى البداية إنه يعزو رؤيته فى العمل إلى تجاربه الأولى وفقد صديقه بسبب السرطان، وبعد تقدمه فى السن بسبب تجاربه مع طلابه فى الجامعة، حيث انزعج من رؤية أن الحضارة المعاصرة تختزل أسمى خصائص الجنس البشرى ومنجزاته كالحب والفن والشعور الدينى إلى آليات مادية، تخدم أغراضًا استهلاكية صرفة مهمتها التكريس للمتعة والاستهلاك فقط.

يقول نيديلمان نصًا: «داهمنى قلق بالغ بشأن كيفية تأثير هذا الوضع على تعليم جيل الشباب من طلابى فى الجامعة وتنمية تفكيرهم. فهو يأتون إلى قاعات الدرس وقد استولت عليهم عادات التفكير والتحليل التى تُسطِّح رؤيتهم للعالم وتُميِّع شعورهم بهويتهم. والحال هكذا وهم يقبلون على الاهتمام بالقضايا الفلسفية أو الأعمال الفنية والأدبية العظيمة أو اكتشافات العلم الحديث، وينسحب الأمر بالمثل عندما يعقدون أملًا بريئًا فى مساعدة العالَم، أو حتى فى محاولة فهم مغزى عواصف الظلم العاتية والمعاناة الإنسانية والفساد الأخلاقى الذى يضرب أطنابه فى الحضارة الإنسانية برمتها».

يواصل نيديلمان: «طالما استشعرتُ أن معايير الفكر والإدراك لدى هؤلاء الشبان والشابات، وهى المعايير التى شكّلتها سلسلة متشابكة من الأفكار المسمومة حول الكون والطبيعة البشرية والطبيعة العظيمة نفسها، أقول طالما استشعرتُ أنّ تلك المعايير قد حَبَست عقولهم فى واقع يفتقر إلى الهواء النقي، ويخلو من الجوهر، ويعدم التفكير فى المعنى والغاية.

ربما يكون النص المُختار للقراءة هو البهاجافاد جيتا، الكتاب المقدس الأكثر توقيرًا بين شريحة واسعة من أهل الهند، فبدايةً من الصفحات الأولى يجد الطلاب أنفسهم منخرطين فى محيط غريب وسامٍ من الأفكار والصور.

هنا تُعرض عليهم رؤى للكون عرضًا يتجاوز كل ما يحمِلنا العلم الحديث على الاعتقاد به من أنّ عالمنا مجرد عالم آلى بلا قلب تمسى فيه الإنسانية والغاية من وجود الإنسان مجرد بقعٍ متلاشية فى سرمدية الزمان والمكان. فى هذا النص [أى فى البهاجافاد جيتا] يعرِضُ لنا العقلُ الهندى القديم كونًا محكومًا بغرض سامٍ عظيم، ويهيمن عليه «كيان فائق» لا تدركه الأبصار ولا يَقضى عليه الموت. أو ربما يكون النصُّ المختار هو البئر التى لا غور لها من نصوص التصوف اليهودى فى كتاب الزوهار بكل ما ينطوى عليه من مستويات نفسية وكونية أعمق من المعنى الموجود فى كتابنا المقدس المعروف.

أفكار، أفكار، أفكار! أفكار عظيمة ورؤى عظيمة تجلب معها طعم الأمل الذى يتجاوز بكثير كل الأفكار الميتة عن النجاح والشهرة والمال والمتعة الجسدية التى يقدّمها لنا العالم الراهن».

أفكار نيديلمان هى أفكار فى أوانها. حيث ينتقل كاشفًا مثالب التطور التقنى الحديث (مات الرجل السنة قبل الماضية)،    فمن بين النقاط المهمة التى يكشفها الكتاب أن العملة الجيدة قادرة على إثبات نفسها فى أى مكان. جملة ذهبية قالها الشيخ الحكيم جاكوب نيديلمان وهو يخاطب نفسه، أى يخاطب الصبيّ اليافع (جيري)، منوهًا بأنّ هذه هى المعضلة؛ معضلة الأقنعة، وهى ما تغذيها - فى رأيى - وسائل التواصل الاجتماعى حاليًا؛ حَجْب الذات الحقيقية، فالجبان يدّعى الشجاعة من وراء الشاشة، والجاهل يدّعى العلم من وراء الشاشة، والشقى يدّعى السعادة أمام الآخرين، والسعيد يدّعى الشقاء أمام الآخرين، وهو ما يسفر عن تشوّه/مسخ الشخصية، هذا ناهيك بـالزبون الدائم، مَن يجأر بالشكوى كل ثانية، ومن يُسقط خيباته أو سوء اختياراته الشخصية فى الحياة أو تواضع قدراته على أفراد بعينهم أو أشياء بعينها (الدولة، المجتمع، الآخرين، إلخ)، الشماعة المعتادة وهو يعلم يقينًا لو أنه تحرّى الصدق مع ذاته، ولو أنه نظر إلى المرآة لحظة واحدة لأدركَ على الفور أنه كـتّر خير الدنيا، وأن الحياة غير عادلة فعلًا، لأنها أجزلت له العطاء وأعطته فوق ما يستحق قياسًا بما يعطيه هو كل يوم، سواء لنفسه أم لغيره. بمجرد إغلاق الـApplication على السوشيال ميديا ينهار هذا العالَم المتوهَّم بكل ما فيه. وهنا المشكلة؛ عندما يواجه الفردُ العالَم بدون هذه المهدئات التى يستمدُّ منها قوته.

اهتمَّ نيديلمان بما سيبقى. فى إحدى الفقرات يقول «على مدار هذه الرحلة [أى الحوار] عرِفَتْ الأنا أنها ستتحلل وستموت يومًا ما، لكنها عرفت كذاك أنّ قلبها الحقيقى المخفيّ، الأنا العميقة المختبئة خلفها وداخلها لا يمكن أن تموت أبدًا، لأنها خارج الزمن وداخله فى آن واحد»، ولعل نيديلمان يقصد الروح التى لا يُقضى عليها فتموت مثل النفس.

استرعى انتباهى رجوع نيديلمان إلى صوان الحكمة القديمة (بالمناسبة للمفكر الفرنسى اللامع ميشال أونفراى كتاب تُرجِم حديثًا اسمه الحكمة القديمة ربما نناقشه مستقبلًا)، فتطرّق إلى نصوص البهاجافاد جيتا أو نصوص لا وتسى أو محاورات أفلاطون أو تنويعات التجربة الدينية لوليام جيمس كنقطة انطلاق ليقدّمها إلى تلامذته، والأهم من هذا وذاك هى ربط ما يقدّمه من أفكار بتجاربه الحياتية الشخصية وتجاربه مع طُلابه فى الجامعة وتألمّه لما يراه على وجوههم وفى أسئلتهم من أمارات التشتّت والبلبلة والارتباك الفكرى والروحى وسط عالم تعصف به العواصف.

هنا تنبّه نيديلمان كأستاذ جامعى ومفكّر إلى مسؤوليته بفضل ما حصَّله من خبرات حياتية ومعرفية (وهى نقط جوهرية سأتطرق إليها فى نهاية هذه السطور)؛ فأراد أن يمـدَّ يـد العون إلى من يحتاج، أو بالأحرى إلى من يرغب فى أن يساعد نفسه، وخصوصًا طلابه الشبان المساكين ممَن يتلاعب بهم أراجوزات الميديا كل دقيقة، مؤكدًا أن كتابه يتوجه إلى من يريد مساعدة نفسه. أعتقد إذا لم تنطوِ الخبرة الفردية لكل إنسان على حافز معين يثير فيه الشعور بالحاجة إلى بلوغ الخلاص/الاهتداء/البصيرة، فلا أمل فى مساعدته.

أصالة نيديلمان وفق قرائتى راجعة إلى عنصرين؛ الأول شعوره بخواء ما تقدمه الحضارة الحديثة وضرورة العودة إلى الحكماء الأقدمين، وثانيًا شعوره بالمسؤولية كأب وأستاذ جامعى ومفكّر أمام طلابه. هذه هى أزمة مفكرى اليوم وسبب عودة الفلاسفة المحدثين الأصلاء (من أمثال أوفراى وغيره) إلى ينبوع الحكمة القديمة، وإعادة تقديمها فى ثوب جديد.

لا شكّ أنها أزمة أصالة فكرية وصدق وشعور بالمسؤولية. سـلْ رجلًا عن آرائه الحقيقية التى يعتنقها حول الله والخلود والخير والشر، لا بل أقول سَلْه عن القضايا الحياتية العادية كسُبل تحقيق العدالة الاجتماعية فى مجتمعات تستهزئ بقيمة العمل الجاد وقيمة الوقت والإخلاص فى العمل ومراعاة الضمير، وتنهشها فكرة الاستحقاق وهوس الاستهلاك، ومهمومة بتوثيق تجربتها الرمضانية اليومية مع القشطوطة، وسوف ينعقد لسانه لوهلة، متخليًا عن سمتِه الهادي، وسيعصر ذهنه لاجترار أية أطروحة خائبة عفا عليها الزمن عن تحقيق العدالة قرأها لمُنظِّـر متوسط القيمة أو سمعها من عاطل.

قلما ستجد مفكرًا/ كاتبًا حقيقيًا فى عصرنا الراهن (أو على الأقل فى العقود الأربعة الأخيرة) يستمد أفكاره من تجاربه الذاتية أو من صراعه مع تقلبات نفسه بين الأفكار والمذاهب والتيارات أو من نبش الركام عن تراث الأقدمين ومناقشة أعمالهم وتقديمها إلى الشباب بطريقة ذكية تخاطب وعيهم وتسعى للإجابة عن أسئلتهم.

وهنا أرى صدق أفكار نيديلمان؛ فالمحكّ الحقيقى للمفكّر هو أسلوب تعامله مع الحياة ومشكلات الواقع، مع صنوف الأذى التى يلاقيها البشر على يد البشر، الفلسفة الحقيقية هى طريقة التعامل مع اللمسات الحانية أو الطعنات القاسية التى تطال المرء انطلاقًا صميم تجاربه المباشرة.

تبقى كلمة أخرى أوجز فيها رؤيتى للأمور، عثرتُ عليها فى صوان الحكمة القديمة مثلما فعل نيديلمان. فى الجزء الأول من الفتوحات المكية، وفى إشارته إلى واقعة مواعدة الله للنبى موسى عليه السلام عند البقعة المباركة فى سيناء، يقول ابن عربى إن التجلى الإلهى الذى يساوى تجلّى المعنى النهائى عند الفلاسفة، إنما يقع فى صور الاعتقادات وفى الحاجات.

فنبى الله موسى نُودى بينما كان يلتمس لأهله النار، أى عندما خرج ليؤدى وظيفة حياتية منوطة به، أو بِلُغتنا الحالية بوصفه رب أسرة ورجل مسؤول عن عائلة، لم يكن فى ذهن نبى الله حينما خرج لالتماس النار البحث عن الحق أو الحقيقة، إلخ، ولمن أراد الاستزادة فى هذه النقطة الرجوع إلى كتاب «الولاية» للمرحوم ميشيل شودكيفتش، بترجمة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب – المركز القومى للترجمة – 2000. 

عندها فقط، أى عندما يعى الإنسان دوره فى الحياة وينهض بواجباته دون لغو ويُسلِم قلبه يتجلّى اللطف الإلهي، أو يتجلى المعنى الأسمى بحسب يونج وكامبل وفيكتور فرانكل (انظر شروحى على نصوص ك.ج. يونج وجوزيف كامبل عن فكرة المعنى والمسؤولية - الكويت 2022، وترجمة سيرة فيكتور فرانكل الذاتية وتأويل فكرة المعنى النهائي- الرياض 2024، وكذلك شروح د. عبد الرحمن بدوى لفكرة المعنى النهائى والإنسان الكامل فى الإسلام، طبعة نهضة مصر - القاهرة 1950)، وهى كلها منسجمة بقوّة مع رؤية ابن عربى السابقة. 

يُدلّل ابن عربى على كلامه بأن القرآن الكريم ربط التجلى الإلهى فى المرتين فى سورة طـه (الآيات من 9 إلى 12)، وفى سورة القصص (الآيتين 29، 30) بالتماس نبى الله موسى النار لأهله، أى بالوعى لمسؤوليته، وهو اجتهاد جدير بالتأمل وله وجاهته. يقول ابن عربى نصًا:  «ثم ذكر موسى طلبه النار لأهله، فما تجلّى له الله إلا عندها». النقطة الثانية هى لحظة الافتقار/الإعراب عن الاحتياج إلى الله، أى الشعور بحجمكَ وحدودك وقدراتك. فى الفصل الأخير من سيرته الذاتية يسئل ك.ج.يونج: لِمَ لَمْ يعد يخاطب الله البشرَ مثلما كان فى الماضي؟ فقال: لأن أحدًا لم يعد يحنى رأسه بما فيه الكفاية.