منصورة عز الدين تكتب :تونى موريسون كمحررة أدبية

منصورة عز الدين تكتب :تونى موريسون كمحررة أدبية
منصورة عز الدين تكتب :تونى موريسون كمحررة أدبية

يرى كثيرون أن مقتضيات الإبداع ومتطلبات سوق النشر على طرفي نقيض. وقد يكون هذا صحيحًا بالنظر إلى أن الوضع المثالي للإنتاج الأدبي أن يكتب المبدع دون أن يشغل نفسه سوى بأسئلته الفنية والجمالية، وأن يتجلى اهتمامه بالقارئ في تجويد عمله فنيًا قدر الإمكان، بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة بالمعنى المادي الضيق.

في حين يهدف الناشرون، خاصة في أسواق النشر شديدة التنافسية، إلى الربح في المقام الأول، وهذا أمر يمكن تفهمه، إذ بدون النجاح المادي لن تقدر دور النشر على مواصلة عملها. لكن كيف يمكن التوفيق بين الطرفين؟ أو لو شئنا الدقة؛ ماذا لو وجد مبدع متميز نفسه في موضع يضطر فيه إلى تقييم الأعمال الإبداعية وفق معايير النشر التجاري أو على الأقل دون إغفال هذه المعايير في تقييمه؟ سيختلف الأمر من مبدع لآخر، بطبيعة الحال. قد يبرع البعض في عملية تفاوض يبلغ عبرها نقطة تصالح ما بين الطرفين المتباعدين، في حين قد ينزلق آخرون إلى فخ الحسابات التجارية البحتة.

اقرأ أيضاً | صقلية .. الحلقة المفقودة فى تطور عمارة القاهرة

أما الروائية الأمريكية توني موريس، التي عملت كمحررة بدار راندوم هاوس لسنوات، فكانت لها طريقتها الخاصة، وحلولها التي تمكنت بها من دعم مَن ترى أنهم مستحقون للدعم حتى وهي تخبرهم برفض نشر أعمالهم في الدار الكبرى.قبل أيام، أطلت ميلينا مو بالقراء على عالم موريسون كمحررة في راندوم هاوس، عبر ما كتبته في «لوس أنجلوس ريفيو أوف بوكس» اعتمادًا على أرشيف راندوم هاوس المحفوظ بمكتبة الكتب النادرة والمخطوطات في جامعة كولومبيا، والذي يضم مراسلات صاحبة «محبوبة».

أهم ما تلاحظه ملينا مو أن خطابات الرفض المرسلة من موريسون تميل لكونها طويلة وسخية بمقترحاتها ومباشرة في نقدها. إذ لم تبخل الكاتبة الكبيرة بنصائحها لتطوير المسودات أو لوضع يد الكاتب على مواطن الضعف في عمله وكيفية تلافيها، رغم أن هذا ليس دورها بما أن العمل المقدم لن يُنشَر في راندوم هاوس، حيث تعمل، على أية حال.

وتُظهِر الخطابات أيضًا وعي كاتبتها بنواقص سوق النشر، وميل اللاعبين الأساسيين فيها إلى عدم المخاطرة، وإقرارها بعدم تفضيل دور النشر الأمريكية الكبرى نشر الشعر أو القصص القصيرة -إلّا في حالة الكتاب المشهورين- لأن نوادي القراءة والدور المتخصصة في الطبعات الورقية الشعبية تفضل عليها الروايات.

وبناءً على هذا، تخبر أحد الكتاب مثلًا أنها لا يسعها سوى أن تكون أمينة معه وأن عليه أن يواصل نشر قصصه في المجلات، وإن حدث وقرر كتابة رواية، فسوف يسرها الاطلاع عليها.

لكن من ناحية أخرى، تكشف المراسلات أنها أنهت بعض خطابات الرفض بتوجيه الكاتب إلى وكيل أدبي ما مع ذكر أن بإمكانه إخبار هذا الوكيل «أنني رغم رفضي للمخطوط، قد أحببته للغاية، وأنني على استعداد لكتابة هذا».

أو بتقديم الكاتب إلى محرر معروف من أصدقائها بإمكانه مساعدته.ما يمكن استخلاصه مما كتبته ميلينا مو أن مقولة توني موريسون الشهيرة «لو كنت حرًا، فعليك تحرير شخص آخر. لو تمتلك بعض السلطة، عليك إذن تمكين شخص آخر»، ليست مجرد كلام مرسل، ولكنها بالأحرى منهج حياة.