شيخ الأزهر يدعو لوحدة تجمع رموز ‏الإسلام وتغلق ‏‏الباب ‏أمام الاختلافات

ما يحدث تجاه شعب غزة «إبادة ومحرقة جماعية»‏ والتاريخ ‏سيكتبه دمًا ودموعًا

الرئيس عبد ‏الفتاح السيسى يتلقى مصحفًا شريفًا من الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
الرئيس عبد ‏الفتاح السيسى يتلقى مصحفًا شريفًا من الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف

قدم الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، التهنئة إلى الرئيس عبد ‏الفتاح السيسى، ‏ولشعب مصر الأبى الكريم، ولعالمنا العربى والإسلامى ‏بأجمل التهانى وأخلص الأمانى بمناسبة الاحتفال بليلة ‏القدر، الليلة التى بدأ فيها نزول القرآن ‏على قلب نبينا محمد ، ‏نورا يهدى به الله من يشاء من عباده، ويخرجهم به من الظلمات ‏إلى ‏النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم.‏

وأكد شيخ الأزهر- خلال كلمته أمس باحتفالية ليلة القدر- أن الله تعالى وصف القرآن بأنه: ‏«الكتابُ الحكيم»، وأنَّه: «الكتابُ ‏المبين»، وأنَّه: «الحقُّ»، وأنَّه: ‏‏«تبيانٌ لكلِّ شيء»، وأنَّه: «هُدًى ورحمة»، وأنَّه: «لا ريبَ ‏فيه»، ‏وأنَّه: الكتاب الذي: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ ‏‏«فُصِّلَتْ: 42»، أنزله الله ‏‏«بالحقِّ والميزان ليَحكُمَ بين النَّاس»، إلى صفات أخرى كثيرة من ‏صفات الجلال والجمال ‏والكمال التى قدمت هذا الكتاب الكريم ‏للناس، وأغرتهم بتلاوة ألفاظه وتدبر معانيه، وكيف لا! ‏والمتكلم به ‏هو الله -سبحانه وتعالى- ‏﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ «النِّساء: 87»، ‏﴿‏وَمَنْ أَصْدَقُ ‏مِنَ اللّهِ ‏قِيلاً‏﴾‏، ومبلغه هو أفصح ‏الناس وأبلغهم، وأعلمهم بمرامى كلامه، وأسرار فصاحته ‏وبيانه.. ‏

وشدد على أن الأحداث القاسية التى نعيشها صباح مساء، تثبت -دون ‏أدنى ريب- أن الإنسانية ‏لم تكن فى عصر من عصورها بحاجة إلى ‏هدى القرآن الكريم، وهدى أمثاله، من الكتب ‏المنزلة- بمثل ما هى ‏عليه اليوم، فقد أصبح واضحًا أن عالمنا المعاصر فقد القيادة ‏الرشيدة ‏الحكيمة، وراح يخبط خبط عشواء، بلا عقل ولا حكمة ولا ‏قانون دولى، وبات يندفع -بلا ‏كوابح- نحو هاوية لا يعرف التاريخ ‏لها مثيلاً من قبل.‏

‏وتحدث شيخ الأزهر عن عقود من علاقات الحوار الحضارى بين الأمم ‏والشعوب، وأنه من ‏المؤسف أننا استبدلنا بها -وعلى نحو متسارع غريب- علاقات ‏الصدام والصراع، وسرعان ما ‏تحول هذا الوضع البائس إلى ‏علاقات صراع مسلح تطور أخيرًا إلى صورة بالغة الغرابة ‏والشذوذ فى تاريخ الحروب والصراعات المسلحة.. أبطال هذه ‏الصورة قادة سياسيون ‏وعسكريون، من ذوى القلوب الغليظة التى ‏نزع الله الرحمة من جميع أقطارها، يقودون فيها ‏جيشًا مدججًا ‏بأحدث ما تقذف به مصانع أوروبا وأمريكا من أسلحة القتل ‏والدمار الشامل، ‏ويواجهون به شعبًا مدنيًّا أعزل، لا يدرى ما القتل ولا القتال، وليس له عهد من قبل بسفك ‏الدماء، ولا بمرأى جثث الأطفال والنساء والرجال ‏والمرضى، وهى ملقاة على قوارع الطرقات ‏أو مغيبة تحت أنقاض ‏ومبان مهدمة فى الأزقة والحواري.‏

وأضاف أن كل ما يعرفه شعب غزة ‏البريء البسيط، هو أن أقداره شاءت أن يلقى ربه ‏شهيدا، وشاهدا ‏على جرائم الإبادة والمحرقة الجماعية، من طغاة القرن الواحد ‏والعشرين بعد ‏الميلاد، والذى بشرونا بأنه: قرن العلم والتقدم ‏والرقي، وقرن الأخلاق الإنسانية والحرية ‏والديموقراطية وحقوق ‏الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل التى انطلت على ‏كثيرين ‏منا، وحسبوها حقائق ثابتة من حقائق الأذهان والأعيان؛ ‏فإذا هى اليوم، وكما يقول القرآن ‏الكريم: ‏﴿‏كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا‏﴾‏ «النور: 39».‏

وذكر أن المؤسسات الدولية والمواثيق العالمية، ‏وفى ‏مقدمتها: مؤسسة الأمم المتحدة، والإعلان العالمى لحقوق ‏الإنسان، وغيرهما من المنظمات التى ‏تتعهد موادها الأولى فى قوانينها ومواثيقها بحفظ ‏السلام والأمن الدوليين، ومبدأ المساواة بين ‏الدول الأعضاء، ‏وتحريم استخدام القوة، بل تحريم مجرد التهديد بها فى العلاقات ‏الدولية، ‏والامتناع التام عن التدخل فى الشؤون الداخلية للدول..

‏هذه المؤسسات تقف اليوم عاجزة، بل ‏مشلولة شللا رباعيا أقعدها ‏عن تنفيذ بند واحد مما تعهدت بتنفيذه، ولطالما غلبت على أمرها، ‏‏وعلى إرادتها وقراراتها التى تحظى بأغلبية ساحقة من الدول ‏الأعضاء، بعدما تجهضها ‏تدخلات سافرة من قوى مستبدة، مدربة ‏على كتمان الحق حينا، وإلباسه ثوب الباطل حيناً آخر، ‏والغطرسة ‏والجفوة والعجرفة أحياناً كثيرة.‏

واستنكر شيخ الأزهر تدخل القوى الكبرى ‏شريكًا ‏داعمًا بمالها الوفير وأسلحتها الفتاكة لقوة غاشمة، وهى تعلم ‏علم اليقين أنها ستسحق به الضعفاء ‏والمستضعفين من الرجال ‏والنساء والأطفال والمرضى، وتجيعهم وتحيطهم بضغوط لا قبل ‏لهم ‏بها، حتى إذا ما خرجوا من ديارهم وأموالهم، وهاموا على ‏وجوههم فى الطرقات صبوا فوق ‏رؤوسهم من عذاب الجحيم ما ‏سيكتبه التاريخ دمًا ودموعًا فى أسود صفحاته وأحلكها ظلما ‏‏وظلاما.‏

وأكد أن حالة التنازع والتفرق التى ‏درج عليها أبناء أمتنا العربية ‏منذ أمد بعيد، قد أصابت الجميع بما يشبه حالة «فقدان التوازن» ‏‏وهو يتصدى لعظائم الأمور، وأعجزته عن مواجهة أزماتهم ‏المتلاحقة مواجهة دقيقة، ومن يدقق ‏النظر فى خارطة وطننا ‏العربى والإسلامى يأسى كثيرا وطويلا، لما آل إليه الحال فى ‏‏فلسطين، وغيرها من دول عزيزة على قلوبنا، وسرعان ما يخلص ‏إلى يقين لا يقبل النقيض، ‏هو: أننا لن نستعيد قدرتنا على النهوض ‏والتقدم ومواجهة أزماتنا مواجهة مسؤولة، وتجاوزها ‏إلا بتحقيق ‏وحدة العرب، وتطبيق سياسة التكامل الاقتصادي، وتغليب ‏المصالح العامة، والاتفاق ‏على رؤى مستقبلية، وخطط مشتركة ‏مدروسة وقابلة للتنفيذ.‏

ودعا شيخ الأزهر إلى ضرورة التنبه إلى مستوى التعامل العربى تجاه ما يحدث فى ‏فلسطين، وقال إن «تعاملنا مع قضية فلسطين والقدس ‏الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به ‏علينا من ثروات بشرية ‏وطبيعية هائلة، ومن طاقات جبارة لا تنفذ، ومن عقول خلاقة فى ‏كل ‏ميادين الحياة المعاصرة: العلمية والاجتماعية والسياسية ‏والاقتصادية، وقبل كل ذلك: من إيمان ‏راسخ بالله تعالى وثقة لا ‏تهتز فى رحمته بالضعفاء والمستضعفين.. وأنه بالمرصاد ‏للجبارين ‏والمتكبرين، وأنه ليس بغافل عنهم، وأنه يمهلهم ويمد لهم ‏حتى إذا ما أخذهم فإنه لا يفلتهم.‏