خالد محمود يكتب ..« لحظة غضب » صبا مبارك .. دراما تانية

خالد محمود
خالد محمود

تأتي‭ ‬نهاية‭ ‬مسلسل‭ ‬“لحظة‭ ‬غضب”‮ ‬المثيرة‭ ‬والمدهشة،‭ ‬لتتوج‭ ‬إحساسا‭ ‬بدراما‭ ‬ثرية‭ ‬ونظرة‭ ‬إعجاب‭ ‬ولدت‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل،‭ ‬جاء‭ ‬ملفتا‭ ‬برؤيته‭ ‬ونهجة‭ ‬وأسلوب‭ ‬سرده،‭ ‬وتركيبة‭ ‬شخصياته،‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬التقمص‭ ‬وكأنهم‭ ‬يبحرون‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تانية‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ .‬

وبمجرد‭ ‬إنتهاء‭ ‬الأحداث‭ ‬ووصولها‭ ‬بالحكم‭ ‬على‭ ‬بطلتنا‭ ‬المتهمة‭ ‬بقتل‭ ‬الزوج‭ ‬بالحبس‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬تذهب‭ ‬إليها‭ - ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬مفاجئ للمشاهدين‭ - ‬بعض‭ ‬النساء ليخبروها‭ ‬بأنهم‭ ‬يريدون‭ ‬مساعدتها‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬أزواجهم،‭ ‬وتعلو‭ ‬وجه‭ ‬المتهمة‭ ‬ابتسامة‭ ‬شاردة‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬عديدة‭.. ‬تلك‭ ‬النهاية‭ ‬قفزت‭ ‬على‭ ‬المتوقع،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرت‭ ‬رمزاً‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬مثلها،‭ ‬وقد‭ ‬تعرضوا‭ ‬لعنف‭ ‬من‭ ‬أزواجهم‭.‬

يعكس‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬النساء،‭ ‬ويبرز‭ ‬دور‭ ‬الجانية‭ ‬كرمز‭ ‬للوقوف‭ ‬ضد‭ ‬التسلط‭ ‬الذكوري‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يفتقد‭ ‬حياة‭ ‬سوية‭ .‬

مع‭ ‬تلك‭ ‬النهاية‭ ‬أعود‭ ‬بكم‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬الحكاية،‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬الطاهية‭ ‬الماهرة‭ ‬يمنى‭ (‬صبا‭ ‬مبارك‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬جفاء‭ ‬وقسوة‭ ‬وسيطرة زوجها‭ ‬شريف‭ (‬محمد‭ ‬فراج‭)‬،‭ ‬وتحكمه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وتتطور‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬علاقتهما‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإنهيار،‭ ‬فتقرر‭ ‬اتخاذ‭ ‬منعطف‭ ‬آخر‭ ‬لحياتها،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لحياتها‭ ‬التعيسة،‭ ‬وفي‭ ‬ليلة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬ميلادها،‭ ‬تفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وتُسقط‭ ‬شريف‭ ‬أرضًا‭ ‬بضربة‭ ‬على‭ ‬رأسه،‭ ‬ثم‭ ‬تخفي‭ ‬آثار‭ ‬الجريمة‭ ‬وتخبئ‭ ‬الجثة‭ ‬بالمطبخ،‭ ‬ثم تلقيها‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬وتوهم‭ ‬عائلة‭ ‬شريف‭ ‬بتركه‭ ‬المنزل،‭ ‬وأثناء‭ ‬الاحتفال،‭ ‬يرى‭ ‬الطفل‭ ‬مروان‭ ‬الجثة،‭ ‬بينما‭ ‬يشك‭ ‬شقيقه‭ ‬مصطفى‭ (‬محمد‭ ‬شاهين‭) ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬محيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬يمنى‭ ‬بأنها‭ ‬قتلته‭ ‬فتضربه‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬رأسه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يمت،‭ ‬وتذهب‭ ‬لتعترف‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ .‬

أحد‭ ‬أجمل‭ ‬ميزات‭ ‬المسلسل‭ ‬أداء‭ ‬الممثلين،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬جسدتها‭ ‬بإقناع‭ ‬صبا‭ ‬مبارك،‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لتعنيف‭ ‬من‭ ‬زوجها،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬عيش‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقها‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وعندما‭ ‬تنفجر‭ ‬في‭ ‬‮«‬لحظة‭ ‬غضب‮»‬‭ ‬وتقتله،‭ ‬تنتقل‭ ‬في‭ ‬تحولاتها‭ ‬وانفعالاتها‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬ضعيفة‭ ‬ساذجة‭ ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬قوية‭ ‬تتصدى‭ ‬لمن‭ ‬يضايقها‭ ‬واثقة‭ ‬بنفسها‭ ‬لا‭ ‬تخاف‭ ‬أحداً،‭ ‬صورة‭ ‬يمنى‭ ‬وطبقة‭ ‬الصوت‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬بها‭ ‬تضع‭ ‬صبا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬جهدها‭ ‬وجهد المخرج‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬النجار،‮ ‬إظهارها‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬النهائية‭ ‬بتفاصيل‭ ‬شديدة‭ ‬الخصوصية،‭ ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تخطفنا‭ ‬بتجسيدها‭ ‬الصادق‭ ‬والمقنع،‭ ‬خلقَ‭ ‬حالة‭ ‬غريبة عاش‭ ‬معها‭ ‬الجمهور‭ ‬لحظات‭ ‬مليئة‭ ‬بالتوتر‭ ‬والتشويق،‭ ‬بعدما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬شخصية‭ ‬يمنى‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬يختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬شاهدوه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تعرفهم‭ ‬عليها،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬تطوراً‭ ‬وتحولاً‭ ‬درامياً‭ ‬كبيراً،‭ ‬فبفضل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الشجاعة‭ ‬والمصيرية،‭ ‬استطاعت‭ ‬يمنى‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬لنفسها‭ ‬الطريق‭ ‬الأسلم‭ ‬والأكثر‭ ‬تحديًا،‭ ‬حيث‭ ‬قررت‭ ‬تسليم‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬الشرطة‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬وثبات،‭ ‬لتلقى‭ ‬عقوبتها‭ ‬التي‭ ‬تستحق،‭ ‬ونجحت‭ ‬صبا‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬يمنى،‭ ‬بفضل‭ ‬قدرتها‭ ‬الاستثنائية‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الشخصية،‭ ‬حيث‭ ‬استطاعت‭ ‬إظهار‭ ‬الصعوبات‭ ‬النفسية‭ ‬وحالات‭ ‬القلق‭ ‬والخوف‭ ‬والتردد‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬يمنى،‭ ‬بسبب‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬المستمر‭ ‬بين‭ ‬الشعور‭ ‬بالندم‭ ‬على‭ ‬أفعالها‭ ‬والحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬نفسها‭.‬

بالقطع‭ ‬كان‭ ‬لحبكة‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬مهاب‭ ‬طارق‭ ‬بتتابع‭ ‬مشوق‭ ‬للأحداث‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬التفاصيل‭ ‬بنعومة‭ ‬شديدة‭ ‬رغم‭ ‬أجواء‭ ‬الجريمة،‭ ‬ليربح‭ ‬الرهان‭ ‬مع‭ ‬المخرج‭ ‬الذي‭ ‬أبهرنا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬تصويره‭ ‬يمنى‭ ‬وهي‭ ‬جاهدة‭ ‬للبقاء‭ ‬غير‭ ‬منكشفة،‭ ‬خلال‭ ‬بعض الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬بأسلوب‭ ‬“One Shot”،‭ ‬وهو‭ ‬ما أضفى واقعية‭ ‬شديدة،‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬نشعر‭ ‬وكأننا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬ونعيش‭ ‬الأجواء‭ ‬المتوترة‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات‭.‬

أيضا‭ ‬أجاد‭ ‬محمد‭ ‬شاهين‭ ‬صاحب‭ ‬كتلة‭ ‬مشاعر‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬الدرامي،‭ ‬وعلي‭ ‬قاسم‭ ‬الجار‭ ‬الغامض‭ ‬ذو‭ ‬الأداء‭ ‬الهادئ‭ ‬الرزين‭.‬

;