بوتين يفوز .. وماكرون يدفع بانخراط غربي أكثر في حرب أوكرانيا

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين

سمح الفوز غير المفاجئ لسيد الكرملين فلاديمير بوتين فى الانتخابات الرئاسية الروسية، التى جرت قبل أسبوع، بإضافة ست سنوات جديدة إلى رصيد حكمه للبلاد. 
لكن ماذا سيفعل بوتين بنسبة 87٪ التى حصل عليها؟ وكيف ستبدو ولايته الخامسة؟

قد لا يختلف بوتين فى الولاية الخامسة عن الولاية السابقة، فمن المحتمل أن يستمر بوتين فى مساره الحالي. وبالنظر إلى المستقبل، فلربما يعنى هذا استمرار الحرب فى أوكرانيا ــ والمواجهة مع الغرب ــ بالإضافة إلى حملة أيديولوجية على الجبهة الداخلية، فى حين يواصل بوتين جهوده الرامية إلى تحويل روسيا إلى مجتمع عسكرى على نحو متزايد. أما بالنسبة للمجتمع المدنى الروسي، فهو يتعرض لضغوط شديدة. وقد يشتدّ ذلك.

نتيجة الانتخابات لن تقنع الزعماء الغربيين بأنها انعكاس حقيقى لمستوى شعبية بوتين الحالي. لكن على المستوى الداخلي، تسمح هذه النسبة للكرملين بالقول إن الأمة بأكملها متحدة حول بوتين، وأنه يحظى بالدعم الكامل من شعبه، ويتمتع بتفويض شعبى لحربه فى أوكرانيا والاتجاه الذى يقود روسيا فيه.

ويعتبر هذا الأمر مهما بالنسبة لبوتين، بعد أقل من عام على التمرد القصير والمثير الذى قامت به مجموعة مرتزقة فاجنر وشكلت تلك الانتفاضة، التى قادها يفجينى بريجوزين، تحديًا مباشرًا لسلطة بوتين.

وتزامنا مع فوز بوتين،  يستعد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لدوره الجديد باعتباره المُقاوم الرئيسى فى القارة لفلاديمير بوتين. فما الذى دفع ماكرون إلى أن يتحول من مهادن إلى داعية للحرب فى مسألة روسيا وأوكرانيا؟

وتُرجع بعض الدول، دول البلطيق وبولندا، تحول الرئيس ماكرون الواضح إلى تقييمه «الواقعي» لتهديد موسكو، وهى ترحب بهذا التحول. فيما يشعر آخرون، وأبرزهم المستشار الألمانى أولاف شولتز، بالذعر، إزاء هذه الروح الفرنسية الجديدة.

وفى الواقع بات الجميع مرتبكين وغير متأكدين من مدى صدق ماكرون «الجديد»،  فهل رفضه الأخير استبعاد خيار إرسال قوات إلى أوكرانيا مجرد مفاجأة أخرى من مفاجآته؟ وإلى أى مدى يعتبر موقفه الجديد سياسياً بحتاً؟

فالانتخابات الأوروبية تقترب، ويبدو أن اليمين المتشدد بزعامة مارين لوبان وغوردان بارديلا بصدد إيقاع الهزيمة بالماكرونيين.

فهل يستخدم إيمانويل ماكرون أوكرانيا لرأب الصدع بين حزبه والمعارضة، ووضع تناقض بين عدوانيته الواضحة إزاء الغزو الروسى وتواطؤ لوبان فى الماضى مع موسكو؟
ولم يكن الرئيس محرجاً على الإطلاق من «تحوله» من معسكر الحمائم إلى معسكر الصقور، وكانت وجهة نظره هى أن أحد الموقفين لابد أن يسبق الآخر حتماً. وقال إنه بعد استنفاد كل الجهود المبذولة للتواصل مع الخصم، يمكن القول بشكل قاطع إن هذا الخصم قد تجاوز الحدود. وعلاوة على ذلك، وهو الجزء الثانى من تبريره الذاتي، قال إن الروس قد دفعوا الآن عدوانهم إلى مستوى جديد تماماً.

وأوضح ماكرون قائلاً إن الكرملين أصبح فى الأشهر الأخيرة «أكثر تشدداً بشكل ملحوظ» مما وضع الاقتصاد الروسى فى حالة حرب دائمة، كما زاد قمع المعارضة الداخلية فضلاً عن تصاعد الهجمات الإلكترونية على فرنسا ودول أخرى.

ومع أن أوكرانيا تبدو محاصرة على نحو متزايد، ولم يعد بالإمكان الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف، فإن أوروبا تدخل عالما جديدا، وقال ماكرون: «عالم يحدث فيه بالفعل ما كنا نظن أنه لا يمكن تصوره».

لهذا السبب، وفقا لمبدأ ماكرون الجديد، فإن فرنسا وأوروبا بحاجة إلى الاستعداد للحرب من أجل الحفاظ على السلام. 

وفى هذه القضية، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الآخرون سوف يتبعونه. والعلامة الأكثر وضوحاً هى الصدع الذى يفصل بين الزعيم الفرنسى والرجل الذى من المفترض أن يكون أقرب حليف له فى أوروبا، وهو المستشار الألمانى أولاف شولتز. ولكن لا يمكن إخفاء الخلاف الأساسي، ذلك الخلاف الذى يتمثل فى اتهام فرنسا لألمانيا بالتباطؤ فى تقديم المساعدات لأوكرانيا، والعمى المتعمد المُتمثل فى التشبث بدوام المظلة الأمنية الأمريكية. ومن جانبها، تتهم ألمانيا فرنسا بالعدوانية المتهورة، والنفاق (حيث إن شحنات الأسلحة التى تسلّمها فى الواقع متأخرة كثيراً عن تسليمات ألمانيا)، والأساليب الماكرونية الاستعراضية للفت الانتباه. لكن على المستوى الداخلى أيضاً، فإن الدعم الذى يحظى به إيمانويل ماكرون فيما يتعلق بأوكرانيا أقل مما يتصور.

وتشير استطلاعات الرأى إلى أن أغلبية كبيرة ـ نحو 68 فى المائة ـ تعارض موقفه بشأن إرسال قوات غربية. وفى حين أن معظم الناس يعارضون روسيا بشكل واضح، فإن شركة إيفوب لاستطلاعات الرأى تشير إلى «تآكل تدريجى فى الدعم للقضية الأوكرانية».