التسامح.. الفريضة الغائبة للراحة النفسية

النائب علاء عابد
النائب علاء عابد

قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وقال: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).

وقال سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رحِيمٌ).

هذه الآيات الكريمة وغيرها تؤكد أهمية قيمة "التّسامح" النفسية التى تساعد على الشعور بالسلام الداخلي، وتعطى لأفراد المجتمع دفعة قوية للإحساس بالأمل وتجديد الشعور بالحب والخير. 

لمّا فتح الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مكة ودخلها نهارا بعد أن خرج منها ليلاً، وحطم الأصنام بيده، وقف أهل مكة يرقبون العقاب الذى سينزله بهم الرسول جزاء ما قدموه له من إيذاء، إلا أنه قال لهم: ما تظنون أنى فاعلٌ بكم؟ قالوا خيراً، أخٌ كريمُ وابن أخٍ كريم، فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. 

قال: أقول لكم ما قاله أخى يوسف لإخوته: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين" اذهبوا فأنتم الطلقاء.

يؤكد الإسلام على خلق التسامح والتراحم بين البشر، ويرشد إلى دفع السيئة بالحسنة، وذلك هو الطريق الذى يحوّل العداوة الشديدة إلى حب شديد؛ فيتحقق الأمن والسلام فى ربوع المجتمع.

كان إيفريت ورثينجتون، أستاذ علم النفس فى جامعة فرجينيا كومنولث، يدرّس "التّسامح" لما يقرب من عقد من الزمان عندما واجه أسوأ أزمة ممكنة لوضع اهتمامه بالتسامح قيد الاختبار، لقد قُتلت والدته فى حادث سطو منزلي. 

يقول ورثينجتون إنه استغرق سنوات طويلة ليسامح القاتل، وإنه وجد أن هذه المسامحة هى أمر تُهديه لنفسك فى المقام الأول، عندما تتخلى عن مشاعر المرارة والاستياء والرغبة فى الانتقام. 

يقول بوب إنرايت، عالم نفس فى جامعة ويسكونسن-ماديسون، منذ ثلاثة عقود، إن المسامحة الحقيقية تذهب إلى أبعد من التخلى عن المشاعر السلبية، حيث تقدّم شيئاً إيجابياً، هو الشعور بالتعاطف والرحمة والتفاهم تجاه الشخص الذى آذاك، هذا العنصر يجعل التسامح فضيلة عظيمة.

تعامل النبى صلى الله عليه وسلم مع الكافرين الذين كانوا يقيمون بين المسلمين ولا يعتدون عليهم ولا يقاتلونهم ـ كان تعاملاً قائماً على التسامح والعدل، فكان يعدل معهم، ويزور مريضهم، ويحسن إلى جاره منهم، فعن أنس رضى الله عنه قال: (كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه يعوده...). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: ذُبِحتْ شاة لابن عمرو فى أهله، فقال: أهديتم لجارنا اليهوديّ؟ قالوا: لا، قال: ابعثوا إليه منها، فإنى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه).

ولقد قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فى وصف النبى صلى الله عليه وسلم: "لم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا صخاباً فى الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".

نصيحتى لكم فى الشهر الفضيل هي.. دربوا أنفسكم على التسامح، واغفروا الأشياء الصغيرة، وإذا كنتم تواجهون مشكلة فى أن تسامحوا أذىً كبيراً، فعليكم بالتدرب على التعاطف مع أنفسكم بدلاً من تأنيبها أو لومها. التسامح مع الذات من الأدوات المهمة التى يجب امتلاكها قبل محاولة التسامح مع الآخرين، فالتسامح يبدأ وينتهى عندكم أنتم، فيمكنكم أن تسامحوا بغض النظر عن وضعكم مع الطرف الآخر.
.. ورمضان كريم