تحذيرات ضد عملية رفح وحصار دبلوماسى لإنجاح الهدنة

القاهرة تحبط مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: أحمد جمال

 منذ اليوم الأول لبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة جاءت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي معبرة عن رؤية مصر للأهداف الإسرائيلية غير المعلنة من الحرب التى تشنها منذ خمسة أشهر على قطاع غزة، وفى ذلك الحين تحدث الرئيس عن مخططات التهجير ووضع خطًا فاصلاً بينها وبين «الأهداف المعلنة لإسرائيل من الحرب»، وهو ما شكل ضربة استباقية منحت الدور المصرى مزيدا من الحيوية والمرونة فى التعامل مع الألاعيب الإسرائيلية.

◄ مصر حريصة على عدم حدوث تجاوزات تهدد معاهدة السلام

◄ رؤية مصر تضغط باتجاه أفق سياسى يقوض مخطط التهجير

تصاعدت وتيرة التحذيرات المصرية من عملية رفح المزعومة من قبل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، خلال الأيام الماضية، وكانت حاضرة تقريبًا فى كافة النشاطات والاجتماعات التى شارك فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي، على المستوى الداخلي، وتحديداً خلال زيارته لأكاديمية الشرطة فجر الجمعة الماضي، أو عبر اللقاءات الدبلوماسية مع العديد من المسئولين الأجانب، خاصة أثناء زيارة رئيس وزراء هولندا مارك روتة، وبعدها لقائه مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، وأخيراً اللقاءات الثنائية التى أجراها مع وفد الاتحاد الأوروبى على هامش القمة المصرية الأوروبية.

◄ حصار دبلوماسي
ودائما ما جاءت التحذيرات المصرية من عملية رفح مقترنة بالجهود التى تبذلها مصر للتوصل لهدنة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلى يتم بمقتضاها الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لدى حماس فى غزة فى مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين على أن تمهد لوقف كامل لإطلاق النار، بما يشى بوجود حصار دبلوماسى تمارسه مصر وأطراف إقليمية ودولية أخرى على حكومة الاحتلال بما لا يقود لانفجار الأوضاع ليست فقط فى غزة ولكن فى المنطقة بأكلمها، وهو أمر توافق عليه عدد من المسئولين الأوروبيين الذين توافدوا على مصر خلال الأيام الماضية.

وتمنح التحذيرات الحاسمة إشارات عديدة على أن المغامرة الإسرائيلية فى رفح ستشكل تهديداً لأساسات تمنع الانزلاق نحو اضطراب أوضاع المنطقة، وفى حال لم يكن هناك تجاوب إيجابى فإن الاحتلال سيجد نفسه محاطًا بمزيد من الأخطار قد لا يكون قادراً على التعامل معها فى ظل تعرض قوات جيش الاحتلال للإنهاك وفى ظل الانقسام الداخلى فى إسرائيل على مستويات سياسية واجتماعية مختلفة.

وأثبتت رؤى مصر صوابها بشأن تأثير اتساع نطاق الحرب فى غزة وتأثيره على أمن الملاحة فى البحر الأحمر التى تتضرر منها العديد من الاقتصادات حول العالم، وهو ما يجعل صوت القاهرة مسموعاً من أطراف دولية عديدة تنصت إليها بما لدى مصر من خبرات كبيرة للتعامل مع أزمات المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التى ساهمت فى وصول شرارة الصراعات إلى بقاع مختلفة.

◄ التهديد قائم
وقال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن تحذيرات الرئيس تأخذ منحى أشمل وأكبر من مسألة عملية رفح وأن الرؤية المصرية تتحرك باتجاه دعوة الأطراف الدولية للضغط على إسرائيل لإنهاء القتال والبحث عن أفق سياسى يقوض مخطط التهجير القسرى وهو تهديد مازال قائمًا حتى هذه اللحظة، والتى تحذر مصر من تداعياته على المنطقة بأكملها منذ اندلاع الحرب، وأن حديث الموضوع المتكرر عن هذا الموضوع يأتى للتأكيد على أن مصر لن تقبل بأن تتوجه إسرائيل لاقتحام رفح، ما يؤدى لوقوع كارثة إنسانية.

وأوضح أن التحذيرات ولهجتها القوية تؤكد أن المخاطر من تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة مازالت تنذر بمزيد من التهديدات على المشهد الدولى والإقليمي، وهو ما يهدف لمنح الفرصة أمام المباحثات السياسية التى تجريها القاهرة والدوحة للوصول لهدنة، وجمع أكبر حشد إقليمى ودولى يحث إسرائيل على الاتجاه نحو الهدنة التى تسمح بالإفراج عن بعض الأسرى وإدخال المساعدات ووصولاً للأفق السياسى المنشود وأن المؤشرات تشى بوجود بوادر إيجابية.

ولفت إلى أن مصر تحاول بشتى الطرق احتواء تمدد الصراع الإقليمى الذى وصل إلى الحوثى فى اليمن وحزب الله فى لبنان والمجموعات الأخرى فى سوريا والعراق، وتؤكد أن ما يحدث الآن من استهدافات متبادلة هو مقدمة لخطر إقليمى أكبر، وأن الخطر لا يكمن فقط فى الملاحة البحرية بقناة السويس، بل يمتد للبحر الأحمر بأكمله كما يطال المضايق المائية الأخرى التى ستكون عرضة للتهديد جراء الأعمال العدائية الآخذة فى التوسع كما يصل أثرها للمحيط الهندى وتهدد أمن دول الخليج وكثيرا من دول الاتحاد الأوروبي.

◄ مؤشرات إيجابية
وأشار اللواء محمد عبدالمقصود، رئيس مركز البحوث الاستراتيجية وتنمية القيم، إلى أن مدينة رفح الفلسطينية أضحت منطقة صعبة للغاية ولا يمكن تنفيذ عمليات عسكرية نتيجة الكثافة المرتفعة للنازحين فيها، وهى كثافة تزيد ستة أضعاف عن الكثافة الطبيعية للمنطقة التى يتواجد فيها الآن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، بالتالى فإن أى عملية عسكرية تعنى مزيدا من الخسائر خاصة أن جزءا كبيرا من النازحين تنقلوا بين مخيمات عديدة قبل أن يصلوا لرفح، بالتالى فإن أى إجراء عسكرى يشكل خطورة فى ظل الاستخدام المفرط للقوة من جانب الاحتلال.

ولفت إلى أن مصر حريصة على ألا يحدث أى تجاوزات إسرائيلية تهدد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى تقضى بوجود منطقة آمنة فى محور فيلادلفيا يحظر فيها وجود الدبابات والأسلحة الثقيلة، وأن تهديد الاتفاقية المستقرة منذ 40 عاماً يشكل تهديداً للأمن والاستقرار فى المنطقة، ومصر فى المقابل تمضى فى جهود التسوية السياسية وهناك مؤشرات إيجابية على قرب نجاح إبرام صفقة تكون نتيجتها الوصول لهدنة خلال أيام، وأن الردود الفلسطينية على الاشتراطات الإسرائيلية بشأنها بها قدر كبير من المرونة التى أبدتها الفصائل الفلسطينية إلى جانب حركة حماس ليكون هناك فرصة لإنجاح الهدنة.

لكنه شدد فى الوقت ذاته على أنه يخطئ من يتصور أن الجانب الفلسطينى قد يقبل بفكرة تبادل للأسرى مع هدنة مؤقتة ثم تستأنف إسرائيل عملياتها، لأنه فى تلك الحالة فإن الطرف الفلسطينى سيكون خاسراً، وأن أحد عناصر قوة المقاومة أن لديها أسرى إسرائيليين فى جنوب غزة، لافتاً إلى أن الصفقة المنتظرة تصل مرحلتها الأولى إلى ستة أسابيع ويتم فيها الإفراج عن 40 من الرهائن لدى حماس مقابل 400 أسير فلسطينى بينهم 35 من المدنيين، وخمسة مجندات مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا فترات طويلة بسجون الاحتلال وحصلوا على أحكام مؤبدة أو طويلة.

وأوضح أن تـصاعد التهديدات الإسرائيلية باقتحام رفح يعد أحد أساليب التفاوض الذى يقوم على توازن القوى بين الطرفين، فإسرائيل تهدد بالاستخدام المفرط للقوة للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن، والثانية ترى أن نقطة قوتها تتمثل فى الاحتفاظ بهم، وعمليًا فإن الموقف السياسى فى إسرائيل صعب للغاية وهناك ضغوط متصاعدة من عائلات الأسرى على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما أن علاقة الحكومة الحالية مع الولايات المتحدة تشهد توترًا، وفى كل الأحوال فإن الأجواء العامة هناك لا تسمح بخوض الاحتلال حربًا إقليمية موسعة على جبهات مختلفة  حال استمر فى مخططه.

وأشار إلى أن المرحلة الثانية من الهدنة المتوقع الوصول إليها سيكون انسحاب إسرائيل من محور صلاح الدين ومحور رشيد بما يمهد الطريق لإعادة النازحين للشمال مع استمرار نقل المساعدات الإنسانية بشكل كبير فى مختلف مناطق القطاع ثم الوصول لخطوة الوقف الدائم لإطلاق النار وإطلاق سراح باقى الجنود الإسرائيليين لدى حماس مقابل إطلاق سراح عدد من الفلسطينيين لدى السجون الإسرائيلية، لافتًا إلى أن الهدنة تجاوزت بالفعل تعنت حماس وتبقى عقبة رفض نتنياهو الذى يستهدف الحفاظ على حظوظه السياسية التى يمكن القول بأنها انتهت تقريبًا، وأنه عاجلاً أم آجلاً سوف تسقط هذه الحكومة وسيتم الدعوة لانتخابات جديدة والدخول فى شكل جديد من أشكال العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.

◄ مجازر إنسانية
ويواصل الاحتلال الإسرائيلى عدوانه على قطاع غزة، برًا وبحرًا وجوًا، منذ السابع من أكتوبر الماضي، مخلفا أكثر من 31 ألف شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 72 ألف إصابة، فى حصيلة غير نهائية، ولا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفى الطرقات، حيث يمنع الاحتلال وصول طواقم الإسعاف والدفاع المدنى إليهم.

وجراء الحرب وقيود إسرائيلية متزامنة، يواجه سكان غزة، لا سيما محافظتى غزة والشمال، مجاعة شديدة فى ظل شح شديد فى إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليونى فلسطينى من سكان القطاع الذى تحاصره إسرائيل منذ 17عامًا.

وقبل أيام زعم جيش الاحتلال الإسرائيلى أنه يعتزم توجيه جزء كبير من 1.4 مليون فلسطينى نازح يعيشون فى بلدة رفح بأقصى جنوب قطاع غزة نحو «جزر إنسانية» فى وسط القطاع قبل هجومه المرتقب فى المنطقة، فيما أصبح مصير المواطنين المتواجدين فى رفح مصدر قلق كبيرا لحلفاء إسرائيل بما فى ذلك الولايات المتحدة والمنظمات الإنسانية، التى ترى أن الهجوم على المنطقة المكتظة بالنازحين سيكون بمثابة كارثة.