فيض الخاطر

الحاج برغش يطول عمره

حمدى رزق
حمدى رزق

وظل الحاج محمد برغش الشهير بالفلاح الفصيح ينفى ويؤكد فى آن واحد، ينفى خبر وفاته، ويؤكد أنه حى يرزق ولا يزال فى العمر بقية.
يطول عمره استيقظ باكرا كعادة أجدادنا الفلاحين، ليفجع فى خبر وفاته منشورا على صفحات الفيس، وقبل أن يفيق من نومه تتالت الاتصالات صاخبة ملتاعة تخشى فقدا.. وتعزى فى الفقيد الغالى.


والرجل لا يدرى من أمره شيئا، سقط من حالق فى هوة إلكترونية سحيقة، وبعد فترة عصيبة استجمع قواه، وكتب على حائطه الفيسبوكى بخط متردد، توضيح صريح: « أنا حى، والله العظيم حى»، وزيادة فى التأكيد كتب للمحبين، ما نصه: «مع خالص التقدير لسؤالكم عنى.. الذى توفاه الله هو أحد أبناء عائلة برغش من كفر الدوار.. وليس أنا شاكر لكم جميعا.. والتوقيع الحاج محمد برغش».


تشابه أسماء عكر صفو صديقى العزيز، وأحال أيامه الأخيرة قلقا، ولولا رباطة جأشه لفقد صوابه، الرجل كمن سقط فى دائرة مفرغة، كلما ينفى الخبر، ينتشر بالعدوى كالفيروس، وكل نفى يعقبه توكيد، وكأن هناك من يتعقبه بخبر الوفاة ؟!
مع افتراض حسن النوايا، أخشى أن أخبار الوفيات الإلكترونية صارت ظاهرة سوداوية، وكمْ من أحباب تأذوا بمثل هذه أخبار مزعجة، بعضهم يقابلها بسخرية، وبعضهم يتشاءم، والبعض يكتئب: «مستعجلين على موتنا كده ليه»؟!
كثير ممن أصابتهم مثل هذه الأخبار السوداء يتألمون فى صمت، مما يستتبع مشقة هائلة على أعصاب إنسان بلغ من العمر مبلغه، هذا يكلفه ما لا يحتمل.
لا أخلاقيا ولا إنسانيا أن تصحو من نومك وقبل أن تصلى وتشكر الله على نعمائه، تطالع خبر وفاتك منشورا والمعزين كثر.
اتقوا الله فى الأحياء وترحموا على الأموات.