بعد 80 يومًا من ارتداء بدلة الإعدام .. لماذا أعادت محكمة النقض محاكمة قاتل بائعة خضار وسرقة مصوغاتها؟

المتهم
المتهم

الفيوم‭: ‬كامل‭ ‬درويش

  بين الحين والآخر تتنامى إلى مسامعنا جرائم دموية يتعرض لها مسنون كبار، لم تكن لتخطر على بال أحد، يتفنن مرتكبوها في أبشع وسائل القتل وإزهاق أرواح ضحاياها الذين لم يقترفوا أي ذنب يذكر إلا أن الظروف أوقعت بهم بين أنياب شياطين في هيئة بشر، كل ما يريدونه فقط هو إرضاء شهواتهم الدنيئة في بلوغ المال، حتى ولو على أنقاض الآخرين، أيضا بين الحين والآخر نرى وقائع قتل غريبة هدفها الطمع والسرقة؛ العامل المشترك فيها هو استهداف المسنين كبار السن، يستغل فيها الجاني ضعف المسن بغرض سرقة أغراضه سواء كانت أموالا أو أشياء أخرى قيمة، التي صارت أسعارها تتزايد يومًا تلو الآخر، ما أثار طمع الكثيرين من معدومي الإنسانية والضمير، ولكن في هذه الواقعة التي صدر فيها حكم اول درجة ضد المتهم بالإعدام شنقا؛ أعادت محكمة النقض بعد قبول طعنه، بإعادة محاكمته مرة أخرى؛ والسؤال لماذا جاء الحكم لصالح المتهم بإعادة محاكمته أمام دائرة جنايات أخرى رغم ارتكابه جريمة قتل؟!، ما بقي من سطور تجيب عن السؤال.

الدائرة الأولى بمحكمة النقض في الفيوم أصدرت حكمًا؛ بإلغاء حكم أول درجة بإعدام إبراهيم حسين، المتهم بقتل سالمة عبد الحميد، بائعة خضراوات وسرقتها، وإعادة محاكمته، مستندة إلى تغيير الدائرة وعدم اختصاصها وبطلان اعتراف المتهم دون محاميه أو انتداب محامي، وذلك طبقا للمادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية.

صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 1506 لسنة 2024 القضائية، برئاسة المستشار ياسر محرم، وعضوية المستشارين احمد محمد عبد الحكم، وبشوي النسر جميل، وأمانة سر ثروت حكيم، وسكرتير تنفيذ صالح كيلاني.

حيثيات الحكم

أقرت محكمة جنايات الفيوم في حيثياتها؛ بأن البين من مطالعة المفردات أن وكيل النيابة المحقق أجرى المعاينة التصويرية، واعترف المتهم في محضرها بقتل المجنى عليها، ومثل كيفية ارتكابه الجريمة، ونصت هذه المعاينة دون أن تنتدب النيابة العامة له محاميًا، ولما كان ما تقدم وكانت المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 الصادر في 18 يونيو 2006 والمعمول به اعتبارًاَ من 15 يوليو 2006 قد نصت على انه: 

«لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبًا، أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقق في المحضر».

وجاء في المادة ايضا: «وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير يكتب فى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن، أو يخطر به المحقق، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا الإعلان أو الإخطار، وإذا لم يكن للمتهم محاميا، أو لم يحضر محاميه بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه، أن يندب له محاميًا، وللمحامى أن يثبت في المحضر ما يعنى له من دفوع أو طلبات أو ملاحظ».

تفاصيل الواقعة

ولكن حق للقارئ أن يعرف تفاصيل الجريمة التي أثارت الرأي العام في الفيوم وقت حدوثها..؛

تعود تفاصيل الواقعة عندما تلقى اللواء ثروت المحلاوي مدير أمن الفيوم، إخطارًا من العميد إسلام لطيف مأمور مركز شرطة الفيوم، بورود إشارة من شرطة النجدة؛ تفيد بإبلاغ الأهالي بالعثور على جثة السيدة سالمة عبد العال علي وشهرتها أم جمال في العقد السابع من العمر وتعمل بائعة خضار، ومقيمة بقرية الزملوطي التابعة لمركز الفيوم، ملقاة في بحر سنورس ورأسها مهمشة وطافية على سطح البحر. وجرى تشكيل فريق بحث تحت إشراف اللواء حسام أنور مدير إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الفيوم، ضم العقيد معتز اللواج مفتش مباحث مركز الفيوم، والمقدم محمد هاشم مفتاح رئيس مباحث المركز، والرائد أحمد السوهاجي معاون مباحث المركز.

أكدت التحريات؛ أن وراء جريمة مقتل السيدة التي تعمل فى بيع الخضار، سائق تروسيكل يدعى إبراهيم حسين في العقد السادس من العمر، يقيم بنطاق دائرة بندر الفيوم؛ إذ كانت تثق فيه بشكل كبير، وكان ينقلها إلى الأسواق الأسبوعية في أسواق المراكز الأسبوعية بمحافظة الفيوم.

وأوضحت التحريات وقتها؛ أن السيدة طلبت من القاتل توصيلها في ساعة مبكرة، إلى سوق الثلاثاء بمدينة الفيوم، إلا أنه اصطحبها إلى مكان خالي وضربها على رأسها، وألقى جثتها فى مياه بحر سنورس بمدخل مدينة الفيوم، وسرق المشغولات الذهبية التي كانت ترتديها، حسبما أظهرت كاميرات المراقبة.

واعترف المتهم أثناء التحقيقات أمام المقدم محمد هاشم رئيس مباحث المركز بارتكابه الجريمة بغرض سرقة مشغولاتها الذهبية، وجرى تحرير محضر بالواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الحادثة والعرض على نيابة مركز الفيوم والتي تولت التحقيق وقررت النيابة بحبس المتهم 15 يوما على ذمة التحقيق إلى أن احيل المتهم إلى محكمة الجنايات وصدر الحكم وقتها بالإعدام شنقا وارتدى القاتل البدلة الحمراء، ليتنفس الصعداء مرة أخرى بعدما قبلت محكمة النقض طعنه على الحكم للأسباب التي ذكرتها هيئة المحكمة.

اضطرابات شخصية

ويحق لنا ان نسأل ونستفسر عن سلوك هذا المتهم بعد ارتكابه هذه الجريمة الشنعاء الثابتة باعترافه في محضر الشرطة وتحقيقات النيابة؟!

يجيب الدكتور محمود جمعه استشاري المخ والأعصاب والطب النفسي وخبير السلوك بجامعة الفيوم قائلا: دائما وراء أي جريمة مجموعة من العوامل وليس عامل واحد فقط، فتلك الجرائم للوهلة الأولى تجعلنا نظن أنها بغرض سرقة قرط أو خاتم أو عقد من الذهب ثمنه لا يتعدى ألفين جنيه ولكن وراء جرائم السرقة والقتل في نفس الوقت ما يشير إلى الاضطرابات الشخصية السيكوباتية المضادة للمجتمع؛ فهي شخصية تستهان بجميع الأعراف والديانات السماوية والتقاليد الشخصية وليس لديها وازع ديني أو أخلاقي ومنعدمة الضمير ولا تشعر بالذنب أو تأنيب الضمير، فهي تتلذذ بإيذاء الآخرين وتبرر جميع جرائمها بتبريرات غير منطقية ولا تبالي بالرأى الآخر أو الانتقاد ولا تطلب المساعدة ولا التغيير أو العلاج ومن هنا تكمن خطورة تلك الشخصية، وان هناك من يرتكب تلك الجرائم البشعة بحجة غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية وقلة الدخل ويبرر لنفسه تلك الجرائم بحجة سد الجوع والفقر، وهي بالطبع حجج واهية، وهناك من يرتكب الجريمة ويشعر بالرعب من افتضاح أمره فيقوم بقتل الضحية وتشويه معالمها حتى يتأكد من عدم اكتشاف جريمته ويبعد الشك عنه، وهناك من يتلذذ بالانتقام من الجثة وتشويه معالمها وهو أيضاً من الاضطرابات السيكوباتية وتشعر القاتل بالانتقام والانتصار والبطولة لصراعات نفسية لديه مترسبة منذ فترة الطفولة.

العقوبات

ويقضي القانون المصري بالحكم على فاعل جناية القتل العمد بالاعدام؛ اذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخري كما جاء بالمادة 2344 من قانون العقوبات؛ حيث أن القتل العمد لابد أن يتحقق فيه أمران وهما: سبق الإصرار وعقوبتة الإعدام، والترصد وهو تربص الجاني في مكان ما فترة معينة من الوقت وعقوبته الإعدام أيضاً وهنا يتوفر الأمران.

اقرأ  أيضا : الإعدام شنقا لعاطل وشقيقه والمؤبد لشريكهما بتهمة قتل شاب بالشرقية 

;