مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية| «رمضان غزة».. صوم بلا إفطار

الجوع يهدد الصغار في غزة
الجوع يهدد الصغار في غزة

■ كتبت: دينا توفيق

يجلب شهر رمضان حالة من عدم اليقين والخوف في المسجد الأقصى بالقدس، مع غرق غزة في الظلام الدامس، الممتلئة أرضها بجثامين شهدائها، المرتوية بدمائهم.. غزة التى تستقبل رمضان بدوى المدافع والجرافات، ورائحة البارود، بدلًا من ابتهالات وتواشيح الشهر الكريم، المصلون يؤدون الصلاة فى العراء وعلى أنقاض المساجد التى دمرتها غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي..

■ تفاقم أزمة الجوع وسط الهجوم الإسرائيلي المستمر

يحين أذان المغرب والإفطار على أهل قطاع غزة، وأماكن إيوائهم باردة، وأسطوانة الغاز فارغة، ولا طعام ولا كهرباء ولا ماء للشرب؛ منهم من سقط جوعًا ومن مات ظمأً.. بينما ظل آخرون تحت وطأة الحصار، صراخ الأطفال لا يهدأ وحرق قلب الأمهات لا ينطفئ، الموت يحيط بهم من كل اتجاه.

الوضع برمته يعجز الكلام عن وصفه، حتى وإن تعالت الصرخات لن تخمد النار التى احترق بها هؤلاء وعاش فى جحيمها نساء وأطفال وشيوخ، مهما ظننت أنك تشاركهم أوجاعهم وتشعر بهم، لن تجد غير الصمت؛ ليس أصعب من فقدان الأهل وانتهاك وطن.

ومع دخول ملايين المسلمين فى شهر رمضان، هناك أطفال فى غزة يتضورون جوعًا حتى الموت، وهناك من يكافح من أجل البقاء، وفقًا لموقع «خدمة البث الخاصة» الأسترالية. تخيل أن ابنتك الصغرى، تبكى من شدة الجوع، والأسرة بأسرها لم تتناول الطعام خلال الأيام الأربعة الماضية- الطفلة تفرك يديها من شدة البرد، والكلمات تهرب من أسنانها الثرثارة.

■ طفلة تنتظر دورها للحصول على الطعام جنوب قطاع غزة

فيما أنت تنظر إلى جسدها الضعيف، وبشرتها الشاحبة التى فقدت لونها، تبحث لها عن أى شيء تأكله ولكن البيت فارغ مثل البطون، تضغط على بطون أطفالك بكيس ملىء بالرمل ليساعدهم على النوم مرة أخرى.

لم تكن هذه هى الليلة الأولى التى ينام فيها الأطفال الفلسطينيون بكيس من الرمل على بطونهم. لقد أصبح هذا أسلوبًا شائعًا لدى سكان غزة لقمع الجوع، واقع حياة يعيشه آلاف الأفراد فى غزة منذ أكثر من 150 يومًا.

◄ اقرأ أيضًا | حكايات ساعة الإفطار قبل 44 سنة

■ أطفال وسط أنقاض مسجد دمرته غارات إسرائيلية في دير البلح بقطاع غزة

◄ الجوع القاتل
حتى مع وصول شاحنات المساعدات، يستغل الكيان الصهيونى تجمع الفلسطينيين ويقتلهم مثلما حدث فى مذبحة الطحين فى 29 فبراير الماضى لآلاف الآباء والأمهات فى شمال غزة؛ حيث غمرت دماء الصغار والكبار، رجالا ونساء، أكياس الدقيق المخصصة لإطعام الأطفال الجياع.

ووفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة مطلع هذا الشهر، تم تسجيل وفاة الطفل العاشر بسبب الجوع رسميًا فى مستشفى محلى فى غزة. وفى البيان، وصف المتحدث باسم وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة، «كريستيان ليندميير»، هذا الوضع بأنه «بداية حزينة للغاية، لكن من المؤسف أن الأرقام غير الرسمية من المتوقع أن تكون أعلى». وفى 3 مارس الجارى، ذكرت وزارة الصحة فى غزة أن 15 طفلاً توفوا بسبب سوء التغذية أو الجفاف فى أحد مستشفيات شمال القطاع، حيث يقال إن نقص الغذاء هو الأكثر خطورة.

لقد سلطت صور الأطفال الفلسطينيين فى غزة بوجوه وأجساد هزيلة الضوء على مدى خطورة الوضع فى القطاع. وتقوم الطائرات بإسقاط المساعدات الإنسانية على السكان الذين يتضورون جوعا والمهددين بالمجاعة فى غزة، وتحذر الأمم المتحدة من أن 576 ألف شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، مع انحراف الطرود المظلية عن مسارها، وسقوط بعضها فى البحر.

ووصف نائب المدير التنفيذى لبرنامج الأغذية العالمى «كارل سكاو»، شمال غزة على وجه الخصوص بأنه «أسوأ مستوى من سوء التغذية لدى الأطفال فى أى مكان فى العالم». حيث فرضت الحكومة الإسرائيلية حصارًا على الغذاء والوقود والمياه والطاقة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، ولم تسمح بالمساعدات إلا بعد تزايد الضغوط الدولية. وتتهم منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحكومة الإسرائيلية باستخدام تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب.

وقال برنامج الأغذية العالمى فى 5 مارس الجارى إن قوات الاحتلال منعت محاولته الأولى منذ أسبوعين لجلب الغذاء إلى الشمال، فى حين تتعرض عمليات إسقاط الغذاء جوًا من قبل دول لانتقادات لأنها أقل بكثير مما هو مطلوب لدرء الكارثة.

وخلص تقرير لاذع أصدرته منظمة اللاجئين الدولية الإنسانية المستقلة الأسبوع المنصرم إلى أن إسرائيل «تعوق باستمرار ودون أساس عمليات المساعدة داخل غزة، وتمنع عمليات الإغاثة المشروعة، وقاومت تنفيذ الإجراءات التى من شأنها أن تعزز تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة».

وصرحت «الأونروا»، وكالة المعونة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة فى غزة، أن هناك حاجة إلى 500 شاحنة يوميًا لتلبية الاحتياجات الأساسية، ولكن هناك أيام تمر فيها أقل من 10 شاحنات. وفى أيام أخرى، يُسمح بدخول ما يصل إلى 200، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.

وقال برنامج الأغذية العالمى فى تقرير الشهر الماضى إن عدد شاحنات الغذاء التى تدخل غزة انخفض من متوسط 150 شاحنة يوميًا بين يناير وسبتمبر 2023، إلى 59 شاحنة فى المتوسط بين 7 أكتوبر ويناير 2024.

ووفقًا لموقع «خدمة البث الخاصة» الأسترالية إن محنة الفلسطينيين فى غزة ستكون على الأرجح فى مقدمة اهتمامات المسلمين الذين يحتفلون بشهر رمضان، مشيرًا إلى مدى قسوة الوضع المتمثل فى الصيام على السكان الذين يتضورون جوعًا فى الشوارع.

◄ أسوأ بكثير
وكانت الممرضة «رنا محمود» من الولايات المتحدة متواجدة فى غزة خلال شهر فبراير الماضى فى المستشفى الأوروبى كجزء من فريق طبى من الجمعية الطبية الفلسطينية الأمريكية. وقالت فى تصريحاتها للموقع الاسترالى إن واقع الوضع فى غزة «أسوأ بكثير» مما يمكن أن نراه فى الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي، بداية من امرأة حامل تعانى من سوء التغذية الشديد، مرورًا بأطفال يأكلون من صناديق القمامة، ومسن يتسول الطعام.

وأضافت أن أولئك الذين يعانون من الجفاف وسوء التغذية كانوا فى «وضعية البقاء على قيد الحياة»، حيث «ليس لديهم القوة لحمل كوب أو قلم فى أيديهم»، الموت البطيء والأكيد، المجاعة ليست عملية سريعة؛ عندما لا يحصل الجسم على ما يكفى من الغذاء، فإنه يبدأ بمهاجمة نفسه، فيحرق أولاً احتياطياته من الدهون والكربوهيدرات والبروتينات فى الأنسجة. وعندما يتم استنفاد تلك العناصر، يبدأ الجسم فى إعطاء الأولوية لبقاء الدماغ. وفى نهاية المطاف، القلب يستسلم.

فيما تأتى البضائع إلى إسرائيل، محملة بالرصاص والأسلحة والذخائر لقتل الفلسطينيين. وسواء كان ذلك مساعدات أو رصاصًا، فإن واشنطن هى المورد. إن هذه الصورة الصارخة، المتنافرة والمتناقضة بشكل ميؤوس منه، تعمل على نحو متزايد على استنزاف المصداقية التى يتمتع بها الدبلوماسيون الأمريكيون سواء فى الصراع بين إسرائيل وحماس، أو فى كثير من الأمور الأخرى فى سياسات الشرق الأوسط. 

◄ تصاعد التوترات
ومع حلول شهر رمضان، تتصاعد التوترات حول الأقصى. ويسعى المتشددون فى الحكومة الإسرائيلية إلى الحد من عدد وأعمار الفلسطينيين المسموح لهم بالتواجد فى هناك، مما أثار تحذيرات من الجانبين من أن القيود قد تؤدى إلى أعمال عنف.

تحمل البلدة القديمة فى القدس القليل من سماتها الاحتفالية المعتادة. ما يقرب من نصف المحلات مغلقة والشوارع المؤدية إلى المسجد الأقصى، فارغة بشكل مخيف حيث تغيب الأضواء والفوانيس الساطعة التى عادة ما تتدلى فوق المصلين. ووفقًا لوكالة «أسوشيتد برس»، سيسمح الكيان الصهيونى لبعض الفلسطينيين من الضفة الغربية بالصلاة فى المسجد الأقصى.

وفى الماضي، اشتبكت القوات الإسرائيلية التى تداهم الأقصى مع الفلسطينيين الذين تحصنوا فى الداخل، للاحتجاج على القيود الإسرائيلية فى الوصول. وأثارت مثل هذه الاشتباكات تصعيدات مما أدى إلى اندلاع حرب قصيرة بين إسرائيل وحماس فى عام 2021.

فيما تستمر الدعوات لوقف إطلاق النار رمضانى كمعيار لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. ولكن جاءت تصريحات الرئيس الأمريكى «جو بايدن» مخيبة للآمال، بعد أن شكك فى احتمال التوصل إلى اتفاق يتضمن وقفا مؤقتا لإطلاق النار.