موسيقى «الرحابنة» من وحى جمال لبنان

الأخوين رحباني
الأخوين رحباني

ندى‭ ‬محسن

الأخوين رحباني أو كما أُطلق عليهما “الرحابنة” نسبة إلى لقب العائلة الفنية الأبرز والأشهر والأهم في تاريخ الفن العربي، والتي أثرت المكتبة الموسيقية بآلاف الأعمال الغنائية المتنوعة التي تميزت بقوة الكلمات وجمال الشِعر، ولم تقتصر إبداعات العائلة على الموسيقى فحسب، حيث لها إرث طويل ومتنوع من الأعمال المسرحية الموسيقية التي حققت نجاحًا كبيرًا، كما لها إسهامات عديدة في مجالي السينما والتليفزيون.

ولعائلة الرحابنة تأثير كبير على الثقافة والموسيقى العربية بشكل خاص، حيث قدّموا أسلوبًا فنيًا جديدًا ومبتكرًا يدمج بين الأنماط التقليدية والحديثة في الموسيقى العربية، مما أثر على عدد كبير من الموسيقيين والفنانين الذين تأثروا بهذا الأسلوب وبدأوا بتطويره وإعادة صياغته.

وبالعودة إلى البدايات، نجد أن لنشأة الأخوين عاصي ومنصور الرحباني بالغ الأثر في تكوين ثقافتهما، وأفكارهما المُستنيرة، حيث النشأة بين طبيعة لبنان الساحرة، جبالها، ومساحاتها الخضراء الواسعة والتي قال عنها عاصي “طبيعة لبنان هي اللي بتغذّينا بكل ما منكتب ومنلحّن، نحنا منحب كل شي بلبنان، منحب التلال الصخرية، منحب الشجّر، منحب الأرض والفلاح اللي بيزرع، منحب الشتي والعاصفة ومنحب الرّيح.. كل شي بلبنان منحبّو وغنّيناه ووصفناه! شوفي هالتلال قدّامنا.. هيدي بيطلع من وراها القمر وبيبقى قريب كتير علينا.. وهيك، نحنا والقمر جيران”.. وإلى جانب الطبيعة، تأثر الأخوان بحكايات التراث وعادات ناسه، كما حفظا قصصًا وأشعارًا من الموروث اللبناني الشعبي القديم، ولحقهما في ذلك شقيقهما الأصغر إلياس الرحباني.

تعود سنوات نشاط عائلة الرحابنة الموسيقية إلى منتصف خمسينات القرن الماضي، عندما بدأت عائلة الرحباني بتأسيس نفسها كواحدة من أبرز الأسر الفنية في لبنان، وانعكس مخزونهما السمعي والبصري على عطائهما ومشوارهما الفني، حيث تنوعت أعمالهما بين الرومانسية، الوطنية والتراثية، وتميزت تلك الأعمال بالمحتوى الغنائي العميق والقصص الشيقة، وكان لهما تأثير كبير في تطور الموسيقى العربية، كما أن معايشتهما للعديد من التجارب الإجتماعية والسياسية كان لها تأثير كبير على أعمالهما الفنية، والتي تُرجمت من خلال أغنيات تُعبر عن الحرية، الوطنية، والعدالة الاجتماعية، كما تناولوا القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر وصادق.

وخلال فترة نشاطهما الفني، تعاون الأخوان مع العديد من كِبار النجوم والموسيقيين في العالم العربي أمثال صباح، ماجدة الرومي، ملحم بركات، وغيرهم الكثير، لكن تبقى فيروز الصوت الذي عبر عن ألحانهما بسلاسة، وترجم مشاعر الكلمات بطريقة تُلامس قلوب الجمهور، حتى أصبحت شريكًا مهمًا في إثراء إرثهما الفني، وانضمت إلى العائلة بعد زواجها من عاصي عام 1954، وانطلقت بعدها بقوة، وقدموا معًا العديد من الموضوعات والألحان والأغنيات الخالدة، أبرزها “نسم علينا الهوا، بعدك على بالي، نحنا والقمر جيران، بكتب اسمك يا حبيي، أنا عندي حنين، سألتك حبيبي، في قهوة عالمفرق”، وغيرها من الأعمال الغنائية الاستثنائية التي حُفرت في وجدان الشعوب العربية، كما لعبت فيروز دور البطولة المطلقة في عدد كبير من المسرحيات الغنائية التي أطلق الثُنائي شرارتها من لبنان إلى معظم الدول العربية، منها مصر، الأردن، سوريا، الإمارات، تونس، قطر والبحرين، ولا تزال هذه الأعمال تحظى بشعبية كبيرة حتى اليوم، ومنها “المحاكمة، البعلبكية، جسر القمر، الليل والقنديل، ناس من ورق، المحطة، ميس الريم، ناطورة المفاتيح” وغيرها الكثير، وتميزت هذه الأعمال المسرحية الموسيقية بالتناغم المثالي بين الكلمات، الموسيقى، والأداء، وكانت تعكس الواقع الإجتماعي والثقافي في لبنان والعالم العربي.

بالإضافة إلى الأعمال المسرحية، قدم الأخوان مع فيروز عدد من الأفلام السينمائية، منها “بياع الخواتم، المنفى، بنت الحارس”، كما لهما أيضًا العديد من الألبومات الموسيقية الناجحة والتي حققت شهرة واسعة، وقد تميزت هذه الألبومات بتنوع أنماط الموسيقى والأغاني، وكانت تحمل بصمة الإبداع والابتكار التي تميز عائلة الرحابنة. 

وحجزت عائلة الرحابنة مكانة خاصة لها في قلوب الجماهير العربية، واستطاعت أن تترك بصمة قوية وإسهامات محفورة في تاريخ الفن العربي من خلال أعمالهم الموسيقية المتنوعة والملهمة التي لا زالت تحظى بشعبية كبيرة حتى الآن، إرثهم الفني الغني والمتنوع ما زال حاضرًا وحيًا، ويُعتبر مرجعًا للموسيقى العربية، بل ويستمر في إلهام أجيال عديد من الفنانين والموسيقيين في الوطن العربي.

وتألفت عائلة الرحابنة من عدة أجيال من الفنانين والموسيقيين الموهوبين، فبعد وفاة الأخوين عاصي ومنصور، تسلم أبنائهما زياد، أسامة، مروان، غدي، وغسان الرحباني راية الابداع والابتكار، مُنتهجين المشوار الذي بدأته عائلة الرحابنة، مما يعكس قوة تأثيرهم واستمرارية إرثهم الفني.

اقرأ  أيضا : أسامة الرحباني: وضع نقابة المحترفين في لبنان مؤسف ولا يُبشر بأى نهوض


 

;