بتجرد

م. أحمد العصار يكتب: جمال عبد الناصر في ذاكرة الأمة

أحمد العصار
أحمد العصار

تباينت آراء المصريين فيما يخص الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الاجتماعية خلال فترة حكم الملك فاروق، فهناك من يقول أنه كان لدينا تعددية حزبية و نشاط نيابي، و أن الرخاء عم البلاد، و أن القاهرة كانت من أجمل مدن العالم. و هناك فريق آخر يقول أن المندوب السامي البريطاني سيطر فعليا علي القرار السياسي، و تفشي الفقر في البلاد بدليل تبني مشروع مقاومة الحفاء، كما احتكرت الطبقة العليا و الأجانب المميزات الإجتماعية.

و جاءت ثورة يوليو ١٩٥٢ لتشهد مصر أحداث جسام و تغيرات كبري في كل مناحي الحياة، لتعيد مفهوم الدولة المصرية، و تبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ. الحكم علي هذه الفترة من عمر الوطن يتطلب أن نتحلي بالموضوعية و التجرد، و أن نحكم علي الأحداث بظروف و ملابسات عصرها.

أحدث عبد الناصر نقلة نوعية في الحياة الإجتماعية و الإقتصادية، و أعاد للعمال و الفلاحين حقوقهم المهضومة، فصدرت قوانين الإصلاح الزراعي و قرارات التأميم، و حُرر الإقتصاد الوطني من التبعية الأجنبية، و حدثت طفرة في الصناعة الوطنية، و أصبح التعليم الجامعي مجانيا، فتغيرت حياة الملايين و فُتح الباب أمام صعود الطبقة الوسطي و حدث تغيير جذري في البنية المجتمعية للدولة المصرية.

حول عبد الناصر حلم السد العالي إلي حقيقة، و أمم قناة السويس في تحدي للقوي الإمبريالية و أصبح الزعيم العربي الأول بعد العدوان الثلاثي. ساند عبد الناصر حركات التحرر الوطني و تزعم حركة عدم الإنحياز مع نهرو و تيتو، ليصبح لمصر صوت مسموع و ريادة إقليمية و ثقل دولي.

في هذه الفترة كان الصوت الوحيد هو صوت الاتحاد الاشتراكي، و أصبح المفرخة المنفردة للكوادر السياسية. أما هزيمة 67 فقد تركت ندبة واضحة في جسد المصريين، و لكنها كانت أيضا نوبة صحيان مهمة لتصحيح المسار.

لعب عبد الحكيم عامر أدوارا كبيرة، يقول البعض أنها كانت أكبر من قدراته، و أن علاقتة الخاصة بعبد الناصر هي التي أهلته لهذه المكانة. العلاقة بين عبد الناصر و عامر شهدت صعودا و هبوطا ثم انتهت نهاية مأساوية لم يتوقعها أحد.

أما الوحدة مع سوريا و التدخل في اليمن فكانت تجارب فريدة و معقدة في رأيي، يحتاج الحكم عليها إلي بحث و تأمل لبيان الايجابيات و السلبيات، في ضوء مجمل توجهات السياسة الخارجية في ذلك الوقت.

علي الرغم من كل شيء، فلا يزال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيا في قلوب المصريين، الذين استدعوا صورته في ثورتي ٢٥ يناير و ٣٠ يونيو، فالأثر موجود و السيرة باقية.

[email protected]