إنها مصر

«ورود على قبر الشهيد»

كرم جبر
كرم جبر

يوم الشهيد.. يوم مشهود وتعودنا أن يشحن الرئيس الهمم ويستنهض العزيمة، ويكفكف دموعاً ويطيب قلوباً، ويجدد العهد بأن رجال الوطن أوفوا بعهدهم، ولم يتركوا مصر للضياع، ويطلب من كل مصرى أن يفى هو الآخر بعهده، ويجدد القسم "نموت ومحدش يقرب منكم"، ويقسم: "والله العظيم مستعد ألبس الأفرول وأنزل أحارب مع هؤلاء الأبطال"، ويلمس أوتار القلوب حين يقول: "بنحارب عشان خاطر ربنا"، "يا نموت كلنا يا نعيش كلنا، وبإذن الله سنعيش ونفنى أعداء الحياة".

 وكلمات الرئيس فى احتفالات هذا اليوم العظيم تجسد روح البطولة والفداء، فالدماء الزكية التى تروى الثرى تنبت أجيالاً وأجيالاً من الأبطال، المستعدين للتضحية بأرواحهم حتى تظل مصر حرة ومستقلة.

 إنها ذكرى استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض فى 9 مارس 1969، وفى حوار نشرته منذ سنوات فى روزاليوسف بينى وبين الفريق أول محمد فوزى وزير الدفاع فى ذلك الوقت، رحمه الله، قال لى إنه ذهب إلى الخطوط الأمامية للجبهة مع رئيس الأركان الفريق رياض، وأثناء استعراض القوات، انهالت القنابل الإسرائيلية على الموقع وانفجرت إحدى طلقات المدفعية بجواره، ورفض الفريق رياض النزول إلى الخندق، وظل واقفاً على قدميه حتى سقط شهيداً نتيجة الشظايا وتفريغ الهواء.

 نماذج وطنية عديدة قدمت أرواحها فداء للوطن، ومازالت التضحيات مستمرة، وارتوت رمال سيناء بدمائهم، حتى تحقق النصر العظيم، وخاضت القوات المسلحة حرباً مقدسة ضد خفافيش الظلام، فى جميع الاتجاهات الاستراتيجية للدولة، واقتلعت جذورهم من أجل حماية الدولة المصرية، والحفاظ على الشعب المصرى من أى تهديدات.

إنهم الأبطال الذين لا يهابون الشهادة، فالجبناء هم الذين يهربون من الخوف، والخوف يفر من الشجعان، ووراء كل شهيد قصة بطولة رائعة، لم يستسلموا وقاتلوا حتى النفس الأخير، ونتذكر حربهم المقدسة ضد الإرهاب والإرهابيون يفرون كالفئران، هرباً من أبناء مصر الأبطال، والطفل الذى فقد والده فى معركة الشرف من حقه أن يزهو وسط زملائه فى المدرسة بأنه ابن البطل، فيجفف دموع الأحزان بالسيرة العطرة لوالده الشهيد.

 وفى يوم الشهيد مدعاة للفخر بنساء الصبر والبطولة.. أمهات وزوجات الشهداء، أعظم ما أنجبت مصر، ودموعهن فى "يوم الشهيد" نار تحرق كل إرهابى جبان، مصيره الزوال والفناء، لتعيش مصر حرة أبية كريمة مرفوعة الرأس.. نستمد منهن الإرادة والعزيمة والقوة.

 كلمات أمهات وزوجات الشهداء قوة وشجاعة وإيمان بالله والوطن، لهن وطن يدافعن عنه، مصريات صامدات مثل أمهاتنا وأخواتنا، راكعات ساجدات ويتسلحن بالقرآن الكريم.

 وتجرى جينات البطولة فى عروق أبناء الشهداء، لتؤكد أن مصر بلد الوفاء، وتبعث ذكرى يوم الشهيد رسالة لكل متآمر جبان بأنها على قلب رجل واحد فى معركة البقاء، والرد على من قتلوا الشهداء، وكل صرخة رصاصة فى رأس إرهابي، ولطمة على وجه كل متآمر.

 الشهيد حين يقدم روحه طواعية ويواجه الموت، ويسمو على الحياة حتى تستمر الحياة، يستحق كل تكريم وإعزاز وتقدير، فهم "أحياء عند ربهم يرزقون"، وسيظل التاريخ شاهداً على عظمة القوات المسلحة ورجالها الأبطال، فلم يبخل هؤلاء الرجال بأرواحهم تجاه الوطن، قدموا كل نفيس وغالٍ من أجل أن تظل رايته شامخة خفاقة، ضد كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات هذا الشعب.