نور الدين محقق.. النشيد الكونى

صورة موضوعية
صورة موضوعية

 
 كانتْ صَبيةً تلهُو 
وكانَ جمالُها مَصدرَ الإدْهاش
كانتْ تلعبُ كثيرا فى الحُقولْ 
وكانتْ تُغنى حينما يأتى الربيع 
حينما يأتى أجملُ الفصولْ 
كانتْ تجرى بينَ السنابل 
وترقصُ حين تُريد 
وكانتِ النساءُ يُعجبن بها 
ويتمنين أن تكون زوجة 
لأحد أبنائهن..
وكانت هى لا تُبالى بهذا الأمر 
ولا تفكر أبدا فيه..
كان لديها إحساس غامض 
بأنها ستأخذ أجمل الرجالْ
وبأنها ستكون أميرة سعيدة 
فى بلاد نائية بعيدة..
كانت تعرف بأنها رمز الجمالْ 
وبأنها الجميلة بين النساء 
وبأن الذى ستقبل به 
سيكون محظوظا بين أقرانه 
وسيكون سيد زمانه 
وسيكون فارس الفرسان..
هى تحس بكل هذا 
وتعرف الذى قد يأتى 
وتأبى أن تنصاع لما لا تُريده 
تأبى أن تنصاع لرأى إخوتها 
ولرأى أبيها 
ولرأى أمها وباقى النسوان 
وكانت ترى أن من ترغب فيه 
سيأتى ذات يوم 
سيأتى على أجمل حصان 
وسيطلب يدها من أبيها 
ومن إخوتها الشجعان 
وبأنها ستصبح مع مرور الوقت 
رمزا أنثويا خالدا فى ثنايا الزمان..
‏-II-


كنتُ أمشى وحدى 
متقدما على كل الأصحابْ 
كانت الحقول تشع ذهبا 
وكانت السماء تمطر 
كان جوادى يصهل فى كبرياءْ
وكانت عيون كل النساءْ
تنظر إلىَّ فى دهشة 
وفى كثير من الإعجاب
وكانت تقول 
من هذا الفارس النبيل 
الذى قد حل بالديار 
فأشرقت لمرآه كل الحقول 
وسَعدَ بمقدمه الجوار؟ 
وكنت سعيدا بكل هذه الأشياءْ
كنت أبحث عن عروس 
كنت أبحث عن الجميلة 
بين كل النساءْ 
وكنت غير مستعجل 
كنت غير وجل 
أعرف أننى سألقاها 
كنت أعرف أننى سأسرُّ لمرآها 
وكنت أعرف أن رفاقى 
سيشعرون بأشواقى 
وهى تعلن عن الحضور 
كنت أعرف أن هذا هو الطريق 
وأنّ هذه الجميلة 
ستظهر فى القريب 
وأن قلبها سيكون لقلبى 
أروع شقيق..
وحين بدأت الشمس 
فى المغيبْ 
سمعت زغاريد تأتى من بعيد
من هناك فى أقصى القرية
ربما كان اليوم يوم عيدْ 
وربما كان هناك عرس مجيدْ
وربما كان هناك من يحتفل بقدومى
دون أن يعرفنى 
كان هذا الأمر يسعدنى 
ويجعلنى أشعر بالافتخار 
فأنا كنتُ فارس الفرسان 
وكان صيتى يملأ المكان 
وكان الكل يشيد ببطولاتى 
فهل تعلم مولاتى 
بأننى أبحث عنها فى هذه البلاد؟
وهل تعلم بأننى قد سمعتُ 
عن جمالها الأخاذ؟ 
وأننى قد جئتُ إلى هنا 
من أجل جمال العيونْ 
عيونها …
وبأن كل الصعاب تهونْ 
من أجل الظفر بها؟
فيا أصحابى..
لقد فتحت بابى 
لهذه الجميلة 
وها أنا أنتظر أن تأتى 
وتصبح لى زوجة وخليلة …
‏-III-

هكذا قالت الفتاة
هكذا تكلمت 
جميلة البنات
وهى تنظر إلى المرآة 
وتفكر فى الذى هو آت:
«من قال إنى أريد الزواج
إخوتى فرسان 
وأنا فارسة …
البيت الكبير لنا 
والدار الكبرى لنا 
وأنا على أجمل الأرائك 
جالسة …
وأنا حين ألتفتُ 
تذوب الأعين من رؤية جمالى 
ويتمنى الكل أن يقترب من مجلسى
وأن يتحدث معى.. 
أنا جميلة البنات
وأنا حين أذهب إلى الحقولْ 
تتغنى العصافيرُ بحُسنى 
وتُنشد الفتيات 
أحلى الأغنيات 
وهن يستقبلنّ حضورى 
وتُسمع الزغاريد 
كما لم تسمع من قبل 
النشيد نشيدى 
وهو نشيد الأناشيدْ 
وأنا الذى أختار 
من أريدْ 
والذى أرغب فيه..
ولا تُملى علىَّ الأوامر 
القول قولى 
وما أعلاه من قول»
هكذا قالت الفتاة 
جميلة البنات 
ثم أغلقت المرآة 
ونسيت أو تناست 
ما مر وفات …
‏-IV-
وأخيرا عثرتُ عليها 
أنا فارس الفرسان 
كانت تمشى وحدها 
والبنات من ورائها 
تطلق الزغاريد 
وكانت أجمل من رأت عيناى
من النساء
وحين رأتنى أشرقت العيون
وتوردت بحمرة الجمال 
الجفون..
وذهبت مسرعة فى اتجاه الحقول 
وأنا سيطر علىَّ الذهولْ 
ولم أعد أعرف ما أقولْ 
وقف حصانى 
وانتظر أصحابى قرارى 
وكان الذى رغبت فيه 
كان الذى كان..
تبعتها وأنا مبهور 
تبعتها وكلى سرور 
تبعتها هى سيدتى ومولاتى 
تبعتها وغابت عنى صولاتى 
وانتظرت أن تقبل بى 
وأن تزف إلىَّ 
على قرع الطبولْ..
هى لى 
وأنا لها 
هى حكايتى التى ستروى
على مر العصور …
‏-V-
ويمضى الزمان
خريفا وربيعا وصيفا وشتاء 
وأنت كما أنت جميلة 
بين جميع النساء
تذهبين للحقل 
فتزدهر السنابل 
وترقصين 
فتنزل الأمطار 
وتغرد العصافير 
فوق الأشجار 
ويشكو الليل حسنك البهى 
فيغار منه النهار 
وأنت بكل هذا لا تبالين 
تنتظرين قدوم الحبيب 
من لا مكان 
وتصبرين كثيرا 
على ألم البعد 
ولوعة الفراق 
عميقة هى الجراح 
وشديدة هى الأشواق 
ومع كل هذى الأحزان 
تزدادين جمالا 
على جمال 
وتتكسر أمام حسنك 
النصال على النصال 
ويظل مطروحا عليك السؤال 
متى يأتى الحبيب؟ 
متى يأتى سيد الرجال؟
‏--VI 
قادم إليك أنا يا حبيبتى
من وراء الجبال 
قادم إليك 
والقلب ملىء بالعشق
والعقل منشغل بالهوى 
والوصال …
وكل رجالى معى 
قادم إليك بحبى الكبير 
كى تكونى لى 
وكى نُعلن انتصار الحب
ونور التحاب
فلا غياب بعد الآن 
لا غياب 
أنت حضورى المشع 
وأنت شمسى وقمرى الوهاج
وأنت بلاد المحبة الكبرى
أنت بلادى وما أجملك من بلاد
أنت نشيدى الكونى 
أنت نشيد الإنشاد 
فكونى لى 
أنا لحبيبتى وحبيبتى لى 
‏VII--
أنا لحبيبى وحبيبى لى 
هذا منتهى قولى 
هذه رغبتى 
وهذا أملى
أنا لحبيبى وحبيبى لى 
‏VIII--
أعدكن بالمراعى 
أعدكن بالغزلان 
أعدكن يا بنات الحى
إن ترقصن فى يوم عرسى
بأن أهبكن ما ترغبن فيه 
من حليب وتمر ورمان 
إنى هائم بحبيبتى 
وبعينيها الجميلتين
فعينا حبيبتى حمامتان
وشعرها طويل 
ما فيه نقصان 
ونهداها رمانتان 
هى الجميلة الفاتنة 
بين كل النسوان 
‏IX--
هنا تُسمع الزغاريد 
فاليوم يوم عيد
وهنا يكتب نشيد الحب 
على مداخل المدن
وعلى كل الأبواب 
وهنا تزف الحبيبة لحبيبها 
وهنا يكتب الكتاب
وهنا تنتهى الحكاية
‏X--
هذا هو نشيد الإنشَادْ
هذا هو نشيد الحب 
الذى سيبقى 
تحكيه النساء فى خلواتهن 
وتشتاقُ إلى تحقيقه 
كل البناتْ 
يحكيه الرجال فى سهراتهم
ويتوق إليه فى أحلامهم 
كل الأبناءْ 
وتزدهر به الحضارات 
وتبنى به الأمجاد
هذا هو نشيدُ الإنْشاد.