على وقع نجاح حوار موسكو بين الفصائل

وزارة فلسطينية جديدة أولى الخطوات فى طريق إصلاح السلطة

حوارات فلسطينية ناجحة وغير مسبوقة في موسكو واتفاق على جولات أخرى
حوارات فلسطينية ناجحة وغير مسبوقة في موسكو واتفاق على جولات أخرى

إعلان الرئاسة الفلسطينية قبول الرئيس محمود عباس لاستقالة حكومة محمد أشتيه بعد استمرارها لخمس سنوات كاملة وتم تكليفه وحكومته بتسيير الأعمال لحين تشكيل الوزارة الجديدة لم يكن مفاجأة لأى من المتابعين للشأن الفلسطينى بصفة خاصة وتداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والمستمر منذ السابع من أكتوبر الماضى وحتى الآن بوتيرة متصاعدة، فهناك اهتمام دولى وعربى وإقليمى بقضية كبيرة عنوانها «وماذا بعد وقف إطلاق النار» «ماهو شكل اليوم التالى لنهاية الحرب» والذى يمثل بالتوازى الاهتمام الكبير بإنهاء المأساة الإنسانية التى يعيشها أهالي قطاع غزة وحقيقة الأمر أن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة وصفت بأنها حكومة تكنوقراط تأتى كما قال محمد أشتيه في آخر اجتماع لها يوم الاثنين الماضي في ظل «وجود مستجدات سياسية وأمنية واقتصادية المتعلقة بالعدوان غير المسبوق على قطاع غزة وفى الضفة والقدس وتحدث عما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية وتهجير قسرى وتجويع أهل غزة وإرهاب المستوطنين واجتياحات فى الضفة والقدس وإعادة احتلالها والخنق المالى ومحاولة تصفية وكالة غوث للاجئين والتنصل من كل الاتفاقيات والضم الممنهج للأراضي الفلسطينية وتحويل السلطة إلى سلطة إدارية وأمنية دون أى محتوى سياسي وقال «إن المرحلة القادمة وتحدياتها تحتاجان إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ في الاعتبار الواقع المستجد فى قطاع غزة ومباحثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني فلسطينىمستمد على أساس وطنى ومشاركة واسعة ووحدة الصف وإلى بسط سلطة السلطةعلى كامل أرض فلسطين.

وحقيقة الأمر أن أمر الوزارة الجديدة ضمن مشروع إصلاح السلطة الفلسطينية مرتبط بالعديد من العوامل ونتوقف على ثلاثة منها وهي كالتالي:
أولا: النجاح فى التوصل إلى توافق وطنى حول مرحلة ما بعد وقف العدوان وكان من الملاحظ الأجواء الإيجابية التى سادت اجتماعات الفصائل الفلسطينية فى موسكو وإبداء مرونة واضحة فى المواقف والمناقشات على عكس العديد من التقارير التى سادها التشاؤم استنادا إلى نتائج حوارات سابقة وهناك العديد من المؤشرات المهمة التى كشفت عنها حوارات موسكو لعل فى مقدمتها صدور بيان عنها رغم ما تردد قبلها فى صعوبة ذلك بالإضافة .....إلى أن البيان...... ولعلها المرة الأولى التى يتم الإشارة فيها إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى وكانت هذه نقطة خلاف سابقة تحطمت على صخرتها جولات سابقة وأظهر البيان مدى رغبة الجميع فى التصدى للعدوان الإسرائيلى باعتباره أولوية أولى خاصة مع حرب الإبادة ومخططات التهجير القسرى ومنع تل أبيب من تكريس الاحتلال والسعى إلى فك الحصار، وأشار البيان إلى استمرار الحوار فى جولات قادمة كما نصت التفاهمات على ضرورة وقف النار وفتح المعابر والممرات وإدخال كل ما يلزم لتلبية احتياجات الشعب الفلسطينى والتأكيد على تشكيل حكومة موحدة فى الضفة وغزة.

ولعل اجتماعات موسكو التى دعت إليها روسيا فى السادس عشر من فبراير الماضى وحضور كل الفصائل الفلسطينية فى مقدمتها حركات فتح وحماس والجهاد تتجاوز التمترس فى المواقف التقليدية والمعروفة لكلا الطرفين، فالرئيس أبومازن والذى رحب بالدعوة الروسية أثناء اجتماع للقيادة الفلسطينية أكد على ضرورة الالتزام بالبرنامج السياسى للمنظمة وإنهاء إفرازات انقلاب ٢٠٠٧ والالتزام بمبدأ السلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعى الواحد والمقاومة الشعبية السلمية وترى فتح أن على حماس ضرورة الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية والاتفاقيات الدولية كمقدمة للانضواء تحت مظلتها بينما حماس ترى أن الأمر يتطلب التراجع عن الشروط المطروحة ومنها الاعتراف بالشرعية الدولية لدخول منظمة التحرير الفلسطينية وترى أيضا أن الهدف الآن هو تشكيل موقف فلسطينى ضاغط على المجتمع الدولى والعربى لوقف العدوان على غزة وتنتقد شرط برنامج منظمة التحرير وتتساءل عن جدوى المقاومة الشعبية التى يطرحها الرئيس أبومازن والمطلوب أن تكون هناك قيادة موحدة من الأمناء العامين للمنظمات والحركات يرأسها أبومازن باعتباره رئيس اللجنة التنفيذية ويقودون برنامج عمل سياسى وتشكيل حكومة متوافق عليها ولعل التوجه السائد إبعاد أى خلافات حاليا مع ضرورة الاهتمام بوقف حرب الإبادة وكيفية النهوض بأوضاع الشعب الفلسطينى سواء مايتعلق بحرب الإبادة ورفض التهجير ومواجهة الاحتلال الذى يعود من خلال تثبيت وقائع على الأرض.

الثانى: مدى قدرة واشنطن على تمرير رؤيتها للأوضاع فى المنطقة خاصة أن بايدن وإدارته هى أول من أعلن ضرورة إصلاح السلطة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلى وعملت على ذلك من خلال خطة أعدها رئيس دائرة الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى الأمريكى بريت ماكغورك وناقشها مع عدد من المسئولين فى المنطقة والتى تتضمن ضمان أمن إسرائيل ونزع سلاح الفصائل المسلحة وعدم نشوب توترات وصراعات بين الطرفين وستقوم بخطوات متتالية وسريعة لتنفيذها، تشكيل حكومة تكنوقراط وتوفير الموارد المالية لها ووضع جدول زمنى للتوجه إلى الاعتراف بدولة فلسطينية والتشاور مع دول إقليمية ودولية لإعادة الإعمار وشكل الحكم فى الضفة وغزة وتحاول الحصول على تعهدات إسرائيلية بعدم احتلال غزة والتخلى عن خطط فرض مناطق عازلة وفيما يخص تشكيل الحكومة فتشير الخطة إلى أنها حكومة تكنوقراط مع توسيع صلاحيات رئيس الوزراء بالتراضى مع رئيس السلطة وهذا الاقتراح بديلا لإعلان إسرائيل انها ترفض اى دور لحماس والسلطة فى إدارة القطاع وتتولى مسئولية إعادة الإعمار واصلاح السلطة الوطنية.

الثالث: موقف نتنياهو الذى استجاب موخرا للضغوط الأمريكية عليه بضرورة طرح رؤيته لليوم التالى للحرب والتى جاءت مخيبة للآمال وفى صفحة واحدة ونصت على استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة وغزة وإلى وجود عسكرى إسرائيلى غير محدد المدة وأظهرت محدودية وقف إطلاق النار فهى تلتزم باستمرار الحرب حتى يتم القضاء على حماس كما نصت على الآتى «الإدارة المدنية والمسئولة عن النظام العام فى القطاع سترتكز على مسئولين محليين ذوى خبرة إدارية غير مرتبطين بدول أو كيانات تدعم الإرهاب ولن يتلقوا أموالا منها والمعنى المقصود أن الأمر سيتعلق بالادارة المدنية لمناطق سيتم تحديدها فى غزة تمثل اختبارا لادارة القطاع بعد الحرب مع منع السلطة من الشراكة فى هذه المناطق والتى وصفها بأنها جيوب إنسانية وقد تكون البداية فى حى الزيتون بشمال القطاع حيث سيقوم التجار وقادة المجتمع المدنى بتوزيع المساعدات الإنسانية وفرض السيطرة على الحدود وإلغاء وكالة الاونروا ولم تأت على ذكر الدولة الفلسطينية.

ودعونا نتناول الشق الإجرائى فى الموضوع الخاص بتشكيل الوزارة حيث لم يتم حسم طبيعة هذه الحكومة هل تكون حكومة إنقاذ وطنى مهمتها إعادة الحياة إلى قطاع غزة عبر إعادة الإعمار وتوحيد المؤسسات والتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية أم حكومة تكنوقراط لهدف محدد وهو العمل فى الضفة وغزة لعلاج آثار العدوان الإسرائيلى والإشراف على ورشة إعادة الإعمار فى القطاع فى ظل حديث عن استعداد دولى وعربى للمساهمة فى الإمر.

وفيما يخص اسم رئيس الحكومة الجديد فهناك تباين فى التقارير حول المرشح أغلب التوقعات رشحت اسم وزير الاقتصاد السابق محمد مصطفى وقد سبق له أن تولى منصب نائب رئيس الوزراء فى حكومة التوافق الوطنى برئاسة رامى حمد الله فى يونيو ٢٠١٤ هو قريب من محمود عباس وقد استقال من منصبه لرفضه أى تدخلات فى ملف إعادة إعمار غزة فى جولة عدوان سابقة ولعل مشاركته فى اجتماع دافوس الأخير فى يناير الماضى كانت فرصة له لتقديم رؤيته إلى المشاركين فى المنتدى من كبار صناع القرار فى دول العالم على المستوى السياسى والاقتصادى والأمنى والاستراتيجى حيث أشار إلى أن السلطة الفلسطينية تستطيع القيام بما هو أفضل من حيث بناء مؤسسات أكثر كفاءة وحكم أكثر رشدا حتى نتمكن من إعادة توحيد غزة والضفة ولكنه ربط بين النجاح وإنهاء الاحتلال حيث لن تتمكن أى حكومة إصلاحية أو مؤسسات بعد إصلاحها من بناء نظام حكم جيد وناجح أو تطوير اقتصاد مناسب وطرح مبلغ ١٥ مليار دولار لإعادة إعمار وبناء المساكن المهدمة فقط.

كما تتردد أسماء أخرى لتولى المنصب منها سلام فياض وهو رئيس وزراء سابق له علاقات دولية ولكنه لايتمتع أيضا بعلاقة طيبة مع أبومازن وكذلك ناصر القدرة ابن شقيق أبوعمار وكان وزير خارجية واصطدم مع أبومازن وتم فصله من عضوية حركة فتح قبل ثلاث سنوات وله علاقات قوية مع محمد دحلان ومقبول من حماس والذى طرح منذ أيام فكرة «طلاق ودى» مع محمود عباس ووجود قيادة جديدة للسلطة مع احتمال أن يكون أبومازن رئيسيا فخريا ومن المرشحين أيضا حنان عشراوى والتى تتمتع باحترام كبير وسط الفلسطينيين وبعيدا عن اسم رئيس الحكومة فهناك تباين أيضا حول وقت إعلانها البعض يشير إلى أنها قد تطول حسب الظروف السياسية واستمرار العدوان والتفاهمات الإقليمية والدولية ويستندون فى ذلك إلى أن الحكومة السابقة برئاسة رامى حمد الله ظلت فى مهمتها لتصريف الأعمال لمدة عامين وهناك من يؤكد أن الإعلان عنها لن يطول بل يؤكد أن هناك توافقات بين حول تشكيلها من شخصيات اعتبارية نصفها من غزة وأن اسماء الوزراء الجدد جاهزة اسمين لكل وزارة تم تقديمها من محمد مصطفى إلى الرئيس أبومازن وأن الإعلان عنها سيتم خلال الأسبوع القادم.

وبعد فحقيقة الأمر أن هناك اشياء كثيرة مرتبطة باليوم التالى لوقف العدوان الإسرائيلى ونتائجها وتوابعها على كل الأصعدة خاصة الشأن الفلسطينى.