مصر تكتب تاريــــــخ النهاية لوباء سي

د. محمد حساني: أجرينا أكبر مسح طبي في التاريخ لإنهاء معـاناة ملايين المصابين

د. محمد حساني مساعد وزير الصحة للمبادرات العامة
د. محمد حساني مساعد وزير الصحة للمبادرات العامة

رحيل أستاذه مصابًا بفيروس سي، كان دافعًا له ليبدأ رحلته فى القضاء على الفيروس، فعمل د. محمد حسانى مساعد وزير الصحة للمبادرات العامة مع أستاذه الراحل الطبيب مصطفى كمال فى المعهد القومى للكبد، محاربين الفيروس، فكان لكليهما أياد بيضاء على ملف فيروس سي.. تجربة أستاذه المريرة مع الفيروس التى استمرت لسنوات، جعلت «حساني» يخطو خطاه مستكملًا ما بدأه فى علاج المرضى وكذلك دوره الرئيسى والفعال فى إجراء أكبر مسح طبى عرفه العالم للكشف عن فيروس سى فى مصر.

عمل حسانى آنذاك رئيسًا لغرفة العمليات المسئولة عن مبادرة الرئيس للقضاء على فيروس سي وكذلك توليه المدير التنفيذي للجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية جعلته يتابع بشكل لحظي أعمال المبادرة وما شملته من مسح طبي لكل المصريين في 7 أشهر، والذى انتهى بالقضاء على فيروس سي.

استمرت رحلة أستاذ الكبد والجهاز الهضمى بعد انتهاء المسح الطبي، فى إعداد ملف مصر للتقدم به لمنظمة الصحة العالمية للحصول على الإشهاد بخلوها من فيروس سى والالتزام بمعايير المنظمة حتى نالته قبل أشهر قليلة وكذلك كونه عضوًا فى اللجنة الإقليمية لتحكيم ملفات الدول للقضاء على فيروس سي.. تفاصيل هذه الرحلة يرويها د. «حساني» فى حواره مع «الأخبار».

 30 مليار جنيه على الأقل وفرتها مصر بعد اكتشاف وعلاج المصابين..
و5 مليـارات جنيه تكلفة المسح والعلاج 

 دول أوروبية وأسيوية وعربية تقدمت بطلبات رسمية لنقل التجربة المصرية 

 تحدثنا مع الصحة العالمية على حلم القضاء على فيروسى سى وبى فى كل الدول 

 كيف كانت تجربة مصر فى القضاء على فيروس سى باعتبارك أحد القائمين عليها؟
ما حدث فى القضاء على فيروس سى يعد إنجازا تاريخيا لم يحدث فى العالم من قبل، حيث أجرى أكبر مسح طبى لـ63 مليون مواطن أى 80% من مواطنيها فى 7 أشهر، بكفاءة عالية بأحدث التوصيات العالمية، بتكنولوجيا متقدمة وهذا يدل على أنه لا شيء مستحيل فى مصر وسيظل ذلك علامة فارقة وقائمة فى تاريخ مصر..

بالإضافة إلى إجراء فحوصات فيروس سى لـ63 ألف لاجئ، ومن تم اكتشاف إصابته تم علاجه بالمجان، وشرفت بعلاج أول لاجئ كان من جنوب السودان فى معهد الكبد ضمن أعمال المبادرة، وهذا يدل على أن مصر ليس لديها تمييز فى علاج المرض.

 وما عدد الدول التى تقدمت لمصر للاستعانة بتجربة علاج فيروس سي؟
جاء لنا طلبات رسمية كثيرة من عدد من الدول منها أوروبية وعربية وأسيوية لنقل التجربة المصرية فى القضاء على فيروس سى والاستعانة بالخبرات المصرية حيث إن مصر تقوم بإعطاء التجربة مجانًا.

 إشهادها الذهبي 

 ما عدد الأصوات التى حصلت عليها مصر من منظمة الصحة العالمية لإعلان إشهادها الذهبي؟
كل من حضروا التصويت وافقوا على إعطاء مصر إشهاد الخلو من الطبقة الذهبية، وكانوا 9 أعضاء وجميعهم صوتوا لمصر بالإجماع.

وكنت بصفتى عضوا فى اللجنة الإقليمية لتحكيم ملفات الدول للقضاء على فيروس سي، وحضرت اللجنة ٣ مرات بصفتى من الدول المتقدمة، لكن لم يكن لى حق التصويت.

 ما يميز التجربة المصرية عن باقى التجارب المقدمة للجنة؟
التجربة المصرية لديها أكثر من محور كان مصدر قوة النجاح حيث انبهرت اللجنة بدقة البيانات فى الملف المصري، وقابليتها للتحقق، وعند زيارة رئيسة اللجنة لمصر انبهرت بجودة الخدمات ووجود منظومة إلكترونية فى بنوك الدم واللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية مربوطة ببعضها ومن ثم متابعة الأشخاص بسهولة.
مقارنة بالدول الأخرى، حضرت تحكيم ملفات كثيرة كنا نطلب منها بيانات لاستكمال ملفها وكانت تستغرق وقتا طويلا لإخراج البيانات ومعظمها تخيلية وذلك عكس ما حدث فى الملف المصرى الذى تميز بقوة ودقة بياناته.

 العائد الاقتصادى 

 وما العائد الاقتصادى على مصر من المبادرة بعد علاج المصابين؟
a لدينا دراسات اقتصادية كثيرة أجريت على مبادرة 100 مليون صحة وما حققته من الجدوى الاقتصادية وتوفير الإنفاق بعد علاج المصابين بالفيروس سي، وكشفت إحدى الدراسات أن مصر وفرت ما يقرب من 30 مليار جنيه بعد اكتشاف المصابين وعلاجهم من فيروس سي، وهناك تقديرات أكثر من ذلك، ففى حال عدم علاج كل هؤلاء المصابين، كان سيتم إنفاق ملايين الدولارات سنويا.

كما أن تكلفة علاج فيروس سى فى مصر منذ عام 2014 بلغت 5 مليارات جنيه شامل المسح والتشخيص إلى ما بعد انتهاء مبادرة 100 مليون صحة التى تكلفت لوحدها بالمسح التاريخى 4 مليارات جنيه فقط.

 كيف يكون الوضع حال عدم إطلاق هذه المبادرة؟
 سوف يكون فى كل بيت مصرى مصاب بفيروس سى وتكدس المصابين فى العيادات وكذلك تطور مراحل الفيروس والإصابة بالفشل الكبدى وما يتبعه من تليف ثم سرطان، فمثلا كنت أمارس عملى فى معهد الكبد قبل المبادرة، أقابل 100 مصاب يوميا، أما الآن ممكن أقابل حالة إصابة فى الشهر بأكمله.

 وكيف انعكست مبادرة فيروس سى على الوضع الصحى في مصر؟
خطاب رئيس منظمة الصحة العالمية كان خير دليل على ذلك حين قال إن مصر نجحت فى السيطرة على فيروس سى كأحد مهددات الصحة العامة فى العالم والآن نشهد انخفاضا واضحا فى عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس، وساعد المسح فى تحسين جودة حياة المصريين وتقليل عدد الوفيات والإصابات الحديثة بالفيروس وخفف من الأعباء المادية والمعنوية على الدولة التى انخفضت بشكل كبير.

حاليًا نرى قرابة ١٠ آلاف مصاب جديد كل عام على عكس قبل إطلاق المبادرة كان هناك من 100 ألف إلى 150 ألف مصاب جديد سنويا.

كما أن المبادرة كانت بمثابة المنقذ فى فترة انتشار وباء كورونا، لأن بدونها كانت ستزيد الوفيات بشكل كبير، فلك أن تتخيل دخول فترة الوباء ولدينا 2 مليون مريض

 بفيروس سى دون علاج، فكم من الوفيات ستحدث؟ 
فتم علاج آخر مريض بفيروس سى تم اكتشافه قبل بدء ظهور كورونا بشهر أى نهاية عام 2019، بالإضافة إلى الملايين الذين تم اكتشاف إصابتهم بالضغط والسكر والسمنة ضمن المبادرة، وإعطاؤهم العلاج اللازم، وبدون علمهم بإصابتهم كانت وفيات الشعب المصرى من كورونا ستكون مرعبة ولو حلت فترة كورونا ولم نطلق المبادرة كان سيفشل أكبر مسح طبى فى التاريخ.

 مازالت منظمة الصحة العالمية تؤكد أن الإصابات الجديدة أعلى من المعدل العالمى وكذا الوفيات؟
مؤشر منظمة الصحة العالمية للإصابات الحديثة ٥ لكل ١٠٠ ألف شخص ومصر حاليا ٨ إصابات لكل ١٠٠ ألف شخص لأن البلاد ذات المعدلات الأعلى فى الإصابة تحتاج لفترة طويلة للحصول على تحسن فى مؤشر الإصابات الجديدة والوفيات، وبشكل عام هذه نسبة جيدة جدًا بعد أن كنا 150 لكل 100 ألف، وبالتالى أصبحت مصر الدولة الأولى الحاصلة على الإشهاد الذهبى من الصحة العالمية.. أما معدل الوفيات للمنظمة فـ 7  لكل ١٠٠ ألف شخص لكل من فيروسى سى وبي، وكنا فى مصر يموت من 40 إلى 60 ألف شخص سنويًا، بفيروس سي، وحاليًا يموت من ألف إلى ألفين شخص سنويا، فهذا إنجاز.

 هل هناك دول تقدمت بعد مصر للصحة العالمية للحصول على الإشهاد؟
 بعد حصول مصر على الإشهاد الذهبي، دعت المنظمة الدول بالتقدم بملفاتها خاصة دول إنجلترا وتايلاند والبرازيل ورواندا ومنغوليا وجورجيا وتتوقع المنظمة أن هناك ٣ دول سوف تحصل على الإشهاد سواء برونزى أو فضى أو ذهبى لكن من المتوقع أن لا يحصل أحد على المستوى الذهبى حاليا لأنه لا توجد دولة فعلت مثلما فعلت مصر بإجراء هذا المسح التاريخي.

 هل يمكن القول أن الإشهاد الدولى من المنظمة حاليًا يتم بمعايير مصرية؟
لنا الشرف أن مصر كانت من الدول التى وضعت الاستراتيجيات العالمية الحديثة للمؤشرات الخاصة بحصول الدول على إشهاد الخلو من فيروس سى وبصفتى عضوا فى هذه اللجنة التى وضعت المعايير.

 وما أبرز التحديات التى قابلتك خلال فترة ٧ شهور التى أجرى فيها المسح؟
الجزء الإيجابى كان أن جميع المواطنين بالملايين يتسارعون على إجراء الاختبار من جميع الفئات والأعمار، فوصل إجمالى المسح لفيروس سى فى يوم واحد ٩٠٠ ألف مواطن وهذا العدد الكبير لم يحدث من قبل على مستوى العالم، الناس كانت تتسابق للذهاب للتخلص من فيروس سي، وكذلك توفير الكواشف للملايين يوميا وصرف الأدوية فالمريض لم ينتظر أكثر من أسبوعين لصرف العلاج.

 ماذا مثلت لك فترة المسح الطبى للقضاء على فيروس سي؟
كانت أعظم فترة فى حياتنا، هناك الكثير من الأطباء عملوا مجهودا كبيرا خلال فترة السبعة شهور، والكل كان يعمل على قلب رجل واحد تحت إشراف رئيس الجمهورية ومتابعته بشكل يومى لتقديم ما نحتاجه، فكانت فترة غير مسبوقة فى تاريخ البلد ومصر فعلت ما عجزت أمريكا وإنجلترا فى فعله وأشادت بهذا أمريكا نفسها فالصحف الأمريكية قالت إن مصر نجحت فيما عجزت عنه أمريكا.

 تحديات جديدة 

 هل يوجد تحديات جديدة للحفاظ على هذا الإنجاز؟
طبعًا وهى الاستدامة حيث يتم مراجعتنا فى الإشهاد الذهبى الذى حصلنا عليه بعد عامين للتأكد بأن المجهود مستمر فى الملفات التى حددتها الوزارة، ومنها خفض الإصابات الجديدة والعلاج والحقن الآمن ومأمونية الدم، ولو لم نحافظ على هذا الإنجاز نفقد الإشهاد الذهبي.

 هل يوجد خطة لاكتشاف أى إصابات جديدة؟
الآن انتقلنا من مرحلة المسح الشامل إلى مرحلة المسح المنظم والموجه حيث يوجد لدينا ٢٠ عيادة فى مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، يتم فيها المسح للمرضى، وكذا متعاطو المخدرات عن طريق الحقن، وكل نقاط فحص المقبلين على الزواج أى حوالى ٣١٣ نقطة، و٣٤٠ فحص فيروس سى فى المستشفيات قبل دخول المرضى لإجراء العمليات الجراحية، ومسح المدارس فى الصف الأول الإعدادى كل عام لاكتشاف أى إصابات جديدة وعلاجها وهو يحدث للعام السادس على التوالي، فالإصابات تقل بشكل مطرد، وكذلك المعامل المركزية وبنوك الدم.

 هل طلبنا من المنظمة الحصول على إشهاد فى أمراض أخرى؟
 بالفعل مصر حصلت على الإشهاد فى أمراض أخرى مثل الحصبة والحصبة الألمانى والآن يتم إعداد ملفين مهمين منها ملف القضاء على الملاريا وملف القضاء على  البلهارسيا.

 وماذا عن الوضع الخاص بفيروس بي؟
مصر حاليا تصنف من الدول منخفضة الإصابات فى فيروس بى بنسبة أقل من ١٪ ونحاول خفضها من خلال المسح فى بنوك الدم بشكل ثابت والمسافرين وفحص المقبلين على الزواج ومبادرة صحة الأم والجنين للتشخيص وتوفير العلاج خاصة أنه يستمر مدى الحياة.

 منع انتقال العدوى 

 هل يمكن التقدم لمنظمة الصحة العالمية للحصول على الإشهاد فى فيروس بي؟
الآن نقوم بإعداد ملف منع انتقال العدوى من الأم إلى الجنين ويشمل فيروس بى وفيروس نقص المناعة المكتسبة والزهرى واجتمعنا مع الصحة العالمية للتعرف على الضوابط التى يتم بها إنشاء ملف والتقديم للحصول على الإشهاد.

 ما مصدر إلهامك لتحقيق مثل هذا الإنجاز؟
هو الدكتور مصطفى كمال رحمه الله، كان أستاذى ومدير وحدة أبحاث الكبد فى معهد الكبد، وتوفى عام ٢٠١١ بسبب الإصابة بفيروس سي، ويعد من أهم علماء العالم فى مكافحة الفيروسات الكبدية، هو أول من أدخل علاج الفحص السريرى الانترفيرون فى مصر، وأول من أجرى مسحا صحيا شاملا، فأنشأ ٥ مراكز لرصد فيروس سى فى ٥ مستشفيات، وكان ضمن الأعضاء المؤسسين للجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية فى تشكيلها الأول عام ٢٠٠٦ ومشرفا على الدراسات البحثية الكبرى لفيروس سى حتى عام ٢٠١٠ بالتعاون مع كبرى المراكز البحثية العالمية، لذلك كانت له أيادٍ بيضاء على ملف فيروس سي، لكن لم ينجح العلاج معه خلال هذه الفترة وتوفى بالليمفوما الناتجة عن فيروس سي.

 ماذا أضافت لك هذه التجربة؟
تجربة مبادرة فيروس سى عملنا فيها شهرين إعداد و7 شهور مسح و٦ شهور علاج ومتابعة وهى كانت النواة لكل مبادرات ١٠٠ مليون صحة التى تمت بعد ذلك ومنها مبادرة صحة المرأة ومبادرة صحة الأم والجنين.  

 وما رسالتك للمجتمع الدولي؟
ما حققته مصر، قابل للتحقيق فى دول كثيرة ومنظمة الصحة العالمية وضعت هدف القضاء على فيروس سى وبى بحلول عام ٢٠٣٠ وبالفعل تحدثنا مع منظمة الصحة العالمية على حلم القضاء على فيروس سى وبى فى كل الدول.