خالد محمود يكتب من “برلين”.. صرخة لبنانية فى « برلين السينمائى » ! 

خالد محمود
خالد محمود

يبقى‭ ‬مهرجان‭ ‬برلين‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي،‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المهرجانات‭ ‬السينمائية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويفاجئنا‭ ‬دائما‭ ‬ببرنامج‭ ‬سينمائي‭ ‬يعاصر‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬وأحداث،‭ ‬وكأنه‭ ‬صوت‭ ‬المبدعين‭ ‬عن‭ ‬أوطانهم‭ ‬وانطلاق‭ ‬لحلمهم‭ ‬المكبوت‭.. ‬هنا‭ ‬أفلام‭ ‬تذكرنا‭ ‬من‭ ‬نحن،‭ ‬أفلام‭ ‬توقظ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مواجهة‭ ‬الشر‭ ‬ومقاومة‭ ‬الأشرار،‮ ‬‭ ‬وتحيي‭ ‬أمال‭ ‬دفنت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬رفات‭.‬

وفي‭ ‬مسابقة‮ ‬“البانوراما”،‭ ‬استدعى‭ ‬مهرجان‭ ‬برلين،‭ ‬عبر‭ ‬فيلم‭ ‬“مثل‭ ‬قصص‭ ‬الحب”‭ ‬أو‭ ‬“مذكرات‭ ‬من‭ ‬لبنان”‭ ‬للمخرجة‭ ‬ميريام‭ ‬الحاج،‭ ‬ثورة‭ ‬لبنانية‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬“أعيدوا‭ ‬لنا‭ ‬لبنان”،‭ ‬حيث‭ ‬تهتف‭ ‬باسم‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬وطن‭ ‬مزقته‭ ‬صراعات‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وثورة‭ ‬تنادي‭ ‬بكتابة‭ ‬سيناريو‭ ‬واحد‭ ‬لتاريخ‭ ‬واحد‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬تتلاعب‭ ‬أطرافه‭ ‬وأطيافه‭ ‬بمقدراته‭ ‬وتفسيره‭.‬‮ ‬

الفيلم‭ ‬لعب‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬الوثائقي‭ ‬وروح‭ ‬الروائي‭ ‬التي‭ ‬استدعت‭ ‬صورة‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤلمة‭ ‬والعاصفة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬“انفجار‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت”،‭ ‬وشهادات‭ ‬يبوح‭ ‬صمتها‭ ‬بخطاب‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬وما‭ ‬أصبحنا،‭ ‬وحوارها‭ ‬تلقائي‭ ‬كمرآة‭ ‬لواقع‭ ‬الحال‭. ‬تنقلب مريم‭ ‬الحاج‭ ‬بين‭ ‬صمت‭ ‬الشوارع‭ ‬وصراع‭ ‬سكانها‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬بصورة‭ ‬نابضة‭ ‬بالألم،‭ ‬لكنها‭ ‬تتمسك‭ ‬بالأمل‭ ‬لآخر‭ ‬لحظة،‭ ‬لتبقى‭ ‬مخرجة‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭ ‬اللبنانية‭ ‬ميريام‭ ‬الحاج‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المخرجين‭ ‬إثارة‭ ‬الذين‭ ‬ظهروا‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬برلين‭ ‬السينمائي،‭ ‬حيث‭ ‬يعيد‭ ‬فيلمها‭ ‬الجديد‭ ‬المشاهدين‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬الكاتبة‭ ‬والشاعرة‭ ‬جمانة‭ ‬حداد‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬يتم‭ ‬التصويت‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬اللبناني،‭ ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬القرار‭ ‬بسبب‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬القديم‭ ‬للسلطة‭.‬

أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬حيث‭ ‬تتبع‭ ‬الحاج‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬البلاد‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬“المكسور”،‭ ‬وحيث‭ ‬أمكن‭ ‬لفيلم‭ ‬الحاج‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬نقاط‭ ‬الحوار‭ ‬بالمهرجان‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬أحداث‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬ترشحت‭ ‬كاتبة‭ ‬وشاعرة‭ ‬وناشطة‭ ‬نسوية‭ ‬متحمسة‭ ‬تدعى‭ ‬جومانا‭ ‬لانتخابات‭ ‬البرلمان‭ ‬اللبناني،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تتحدى‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يخنق‭ ‬بلدها‭ ‬منذ‭ ‬40‭ ‬عاماً،‭ ‬تم‭ ‬التصويت‭ ‬لجمانة،‭ ‬لكن‭ ‬تم‭ ‬إقصاؤها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التزوير‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬مؤيديها‭.. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬يتحول‭ ‬غضب‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬ثورة،‭ ‬وتمتلئ‭ ‬الشوارع‭ ‬بآلاف‭ ‬الأصوات،‭ ‬أحدهم‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬بيرلا‭ ‬جو،‭ ‬وهي‭ ‬امرأة‭ ‬شجاعة‭ ‬أصبحت‭ ‬بسرعة‭ ‬رمزًا‭ ‬لهذه‭ ‬الانتفاضة،‭ ‬ويعكس‭ ‬صوتها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬إحباط‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬يكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬الماضي‭ ‬يلوح‭ ‬كظله‭ ‬على‭ ‬تطلعاتهم‭ ‬للتقدم‭ ‬والتغيير‭.. ‬“جورج”‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬أمامنا،‭ ‬هو‭ ‬الوصي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي‭ ‬الغامض‭ ‬والعنيف،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬قدامى‭ ‬المحاربين‭ ‬بالحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬11975‭ ‬إلى‭ ‬1990،‭ ‬وفقد‭ ‬إحدى‭ ‬ساقيه‭ ‬بالصراع،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬متمسكًا‭ ‬بأوهام‭ ‬“المجد”،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مذكرات‭.. ‬يصور‭ ‬الفيلم‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬مضطربة‭ ‬لأمة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إضطراب‭ ‬تكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬أغلالها،‭ ‬بينما‭ ‬يهتز‭ ‬لبنان‭ ‬بسبب‭ ‬الإضطراب،‭ ‬وتتكشف‭ ‬المساعي‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المعنى‭ ‬والبقاء‭.‬‮ ‬

لبنان‭ ‬2018‭.. ‬الحرب‭ ‬أم‭ ‬السياسة‭ ‬أم‭ ‬الثورة‭.. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الخيارات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬جورج‭ ‬وجمانة‭ ‬وبيرلا‭ ‬جو،‭ ‬3‭ ‬مصائر‭ ‬ورغبة‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬بلد‭.‬‮ ‬

تدخل‭ ‬المخرجة قلب‭ ‬الحملة‭ ‬المضطربة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإصلاح‭ ‬السياسي،‭ ‬وتصور الإنهيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬بلدها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬الثري‭ ‬الذي‭ ‬يأخذ‭ ‬المشاهد‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬النضال‭ ‬الأخير،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنظيف‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفاسد‭ ‬بالبلاد،‭ ‬وإزالة‭ ‬الانقسامات‭ ‬الطائفية‭.‬

كانت‭ ‬الحاج‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬كتابة‭ ‬فيلمها‭ ‬الروائي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬عندما‭ ‬علقت‭ ‬في‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬بلدها‭ ‬مع‭ ‬ترشح‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المرشحين‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬تطلعات‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬فعال‭ ‬للانتخابات‭ ‬التشريعية،‭ ‬حيث‭ ‬تقول‭: ‬“شعرت‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬فيلم‭ ‬وثائقي‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬لبنان”،‭ ‬وتضيف‭:  ‬“شعرت‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أن‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬مقبلة،‭ ‬وكنت‭ ‬أشعر‭ ‬بذلك،‭ ‬لكن‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أتمناه،‭ ‬واتخذ‭ ‬الفيلم‭ ‬اتجاهاً‭ ‬مختلفاً”،‭ ‬وتستكمل‭ ‬حديثها‭ ‬بالقول‭: ‬“بعد‭ ‬أن‭ ‬احتفظ‭ ‬الحرس‭ ‬القديم‭ ‬بالسلطة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019‭ ‬وسط‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬متفاقمة‭ ‬بسبب‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السياسيين‭ ‬الفاسدين،‭ ‬خرج‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019”،‭ ‬لكن‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬تلاشت‭ ‬مع‭ ‬تفشي‭ ‬جائحة‭ ‬“كوفيد‭ ‬–‭ ‬19”‭ ‬الذي‭ ‬أعقبه‭ ‬الانفجار‭ ‬المدمر‭ ‬في‭ ‬مرفأ‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أغسطس‭ ‬2020‭.‬

وواصلت‭ ‬التصوير‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬حيث‭ ‬تصف‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء‭ ‬بالقول‭: ‬“كارثة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التصوير،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬إلحاح،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬سنوات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بلادنا‭ ‬تتكشف‭ ‬أمامي”‭.‬

كان‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬شخصيات‭ ‬رئيسية‭: ‬“الناشطة‭ ‬السياسية‭ ‬النسوية‭ ‬جومانا‭ ‬حداد‭ ‬التي‭ ‬ترشحت‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019‭ ‬وتم‭ ‬انتخابها‭ ‬فقط‭ ‬لسرقة‭ ‬مقعدها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تزوير‭ ‬الإقتراع،‭ ‬المغنية‭ ‬وكاتبة‭ ‬الأغنيات‭ ‬بيرلا‭ ‬جو،‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬غضبها‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬أغانيها،‭ ‬وجورج،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬قدامى‭ ‬المحاربين‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬اللبنانية‭ (‬1975-1990‭) ‬ذو‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬متشددة‭ ‬حول‭ ‬الأمال‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬السياسي”‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬الطويل‭ ‬الثاني‭ ‬للحاج‭ ‬بعد‭ ‬“وقت‭ ‬للراحة”‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬“Visions du Réel-Nyon”‭ ‬عام‭ ‬2015‭.‬

“من‭ ‬هيلدا‭ ‬مع‭ ‬الحب”

الموعد‭ ‬الآخر‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬العظيمة‭ ‬والملهمة‭ ‬بالسينما،‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬فيلم‮ ‬‭ ‬للمخرج‭ ‬الألماني‭ ‬أندرياس‭ ‬دريسن،‭ ‬“من‭ ‬هيلدا،‭ ‬مع‭ ‬الحب”،‭ ‬دراما‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أعضاء‭ ‬حقيقيين‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬“الأوركسترا‭ ‬الحمراء‭ - ‬Rote Kapelle”،‭ ‬المناهضة‭ ‬للنازية‭.‬‮ ‬

فبعد‭ ‬مرور‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬فيلم‭ ‬“رابية‭ ‬كورناز‭ ‬ضد‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش”‭ ‬الحائز‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬“برليناله”،‭ ‬يعود‭ ‬المخرج‭ ‬الألماني‭ ‬المخضرم‭ ‬أندرياس‭ ‬دريسن‭ ‬وكاتبة‭ ‬السيناريو‭ ‬المعتادة‭ ‬ليلى‭ ‬ستيلر‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬المؤثرة‭ ‬“من‭ ‬هيلدا،‭ ‬مع‭ ‬الحب”،‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬الحياة‭ ‬الواقعية‭ ‬المقنعة‭ ‬لهيلدا‭ ‬وهانس‭ ‬كوبي،‭ ‬وهما‭ ‬زوجان‭ ‬شابان‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬عليهم‭ ‬وإعدامهما‭ ‬بتهمة‭ ‬الخيانة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬“الجستابو”‭ ‬في‭ ‬برلين‭ ‬بزمن‭ ‬الحرب‭.‬

تدور‭ ‬أحداث‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬برلين،‭ ‬عام‭ ‬1942،‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬الفتاة‭ ‬“هيلدا”‭ ‬مكانها‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬ستُعرف‭ ‬باسم‭ ‬“الأوركسترا‭ ‬الحمراء”،‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬“هانز”‭ ‬الشاب‭ ‬الثائر‭ ‬والمتحمس‭ ‬للتغيير،‭ ‬وتزدهر‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬حياتها،‭ ‬فهي‭ ‬سعيدة‭ ‬بحياتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬عندما‭ ‬اعتقل‭ ‬“الجستابو”‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة‭ ‬في‭ ‬الخريف،‭ ‬كانت‭ ‬هيلدا‭ ‬الحامل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عددهم،‭ ‬وفي‭ ‬السجن،‭ ‬تكتسب‭ ‬قوة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬فتلد‭ ‬ابنها‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬ذكرى‭ ‬زوجها‭ ‬الحبيب‭ ‬حية‭ ‬برسالة‭ ‬وطفل،‭ ‬رغم‭ ‬إعدام‭ ‬الحبيب‭ ‬وإعدامها‭.‬

يتقاطع‭ ‬الفيلم‭ ‬بين‭ ‬قصة‭ ‬رومانسية‭ ‬صيفية‭ ‬شاعرية‭ ‬وأحداث‭ ‬لاحقة‭ ‬أكثر‭ ‬قتامة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬الزوجين‭ ‬هي‭ ‬بالضرورة‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬القصة،‭ ‬فإن‭ ‬التركيز‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬هيلدا،‭ ‬التي‭ ‬سُجنت‭ ‬وهي‭ ‬حامل‭ ‬في‭ ‬شهرها‭ ‬الثامن،‭ ‬وأنجبت‭ ‬طفلها‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬وواجهت‭ ‬المقصلة‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬إنها‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العاطفية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬دورًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬لليف‭ ‬ليزا‭ ‬فرايز،‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬أداءً‭ ‬دقيقًا‭ ‬متعدد‭ ‬الطبقات،‭ ‬بل‭ ‬قدمت‭ ‬أحد أعظم‭ ‬الإداءات‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬بشخصية‭ ‬“هيلدا‭ ‬كوبي”،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ستنافس‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬التمثيل،‭ ‬إذ‭ ‬تنقلت‭ ‬ببن‭ ‬عدة‭ ‬انفعالات‭ ‬قوية‭ ‬لحالات‭ ‬أمل‭ ‬وبهجة‭ ‬وتفاؤل،‭ ‬ويأس‭ ‬وإحباط‭ ‬ومعاناة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬باقي‭ ‬أبطال‭ ‬المخرج أندرياس‭ ‬دريسن‭ ‬هيجمان”،‮ ‬ليزا‭ ‬فاجنر،‭ ‬ألكسندر‭ ‬شير،‭ ‬إيما‭ ‬بادينج،‭ ‬رائعين،‭ ‬وهم‭ ‬يمثلون‭ ‬الأجواء‭ ‬بإحساس‭ ‬متناغم‭.‬

كان‭ ‬سيناريو‭ ‬ليلى‭ ‬ستيلر‭ ‬بحق‭ ‬رائعا،‭ ‬وهو‭ ‬يتنقل‭ ‬بسلاسة‭ ‬بين‭ ‬لحظات‭ ‬النضال‭ ‬بحب وعواطف‭ ‬جياشة‭ ‬تنمو‭ ‬مع‭ ‬أمل‭ ‬التغيير،‭ ‬ولحظات‭ ‬الحاضر‭ ‬بالسجن،‭ ‬كما‭ ‬صور‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬قصته‭ ‬الرومانسية‭ ‬المؤثرة،‭ ‬عالم‭ ‬السجن‭ ‬بمشاعر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقاسية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مصير‭ ‬محتوم‭.‬

يتخذ‭ ‬دريسن‭ ‬وستيلر‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الاختيارات‭ ‬الذكية،‭ ‬معظم‭ ‬النازيين‭ ‬هنا‭ ‬ليسوا‭ ‬المتوحشين‭ ‬الضخمين‭ ‬الذين‭ ‬تصورهم‭ ‬هوليوود‭ ‬عمومًا،‭ ‬والضابط‭ ‬الذي‭ ‬يعتقل‭ ‬هيلدا‭ ‬هو‭ ‬شاب‭ ‬مهذب‭ ‬يطلب‭ ‬الإذن‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬الحامل‭ ‬لوضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬بطنها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬“معجزة”،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يخبرها‭ ‬بشكل‭ ‬معتدل‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬حامل‭ ‬أيضًا،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تقديم‭ ‬وجبة‭ ‬خفيفة‭ ‬لها‭ ‬أثناء‭ ‬لحظة‭ ‬استجوابها‭ ‬الأولى‭ - ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المجاملة‭ ‬الزائفة‭ ‬المتزايدة‭ ‬للنازيين‭ ‬ذوي‭ ‬المكانة‭ ‬العالية‭ ‬الذين‭ ‬يستخدمون‭ ‬أحيانًا‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الشعبية‭ ‬لتأثير‭ ‬مخيف،‭ ‬إنه‭ ‬مجرد‭ ‬تذكير‭ ‬بأن‭ ‬الأخلاق‭ ‬اللطيفة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬اليوم،‭ ‬أنت‭ ‬ما‭ ‬تفعله،‭ ‬وليس‭ ‬مدى‭ ‬تهذيبك‭ ‬أثناء‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭.‬

أثبتت‭ ‬النتائج‭ ‬والنوايا‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬تشير‭ ‬لأفكار‭ ‬مهمة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتصرفات‭ ‬الأوركسترا‭ ‬الحمراء،‭ ‬وهي‭ ‬مجموعة‭ ‬المقاومة‭ ‬المناهضة‭ ‬للنازية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هيلدا‭ ‬وهانز‭ ‬إلى‭ ‬عضويتها،‭ ‬ونشأ‭ ‬دريسن‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬بالستينيات‭ ‬والسبعينيات،‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬“برلين”،‭ ‬ويبذل‭ ‬جهدًا‭ ‬واعيًا‭ ‬لتجنب‭ ‬تقديم‭ ‬الأوركسترا‭ ‬الحمراء‭ ‬كأبطال‭ ‬خارقين‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تمجده‭ ‬خلال‭ ‬طفولته،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يتم‭ ‬تقديمهم‭ ‬كشباب‭ ‬عاديين‭ ‬ذوي‭ ‬ضمير،‭ ‬حيث‭ ‬تتخذ‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬هيلدا‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬شكل‭ ‬النشرات‭ ‬الإعلانية‭ ‬وكتابة‭ ‬الرسائل‭ ‬وتعليق‭ ‬الشعارات‭ ‬على‭ ‬الجدران،‮ ‬‭ ‬المجموعة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الجذابين‭ ‬ذوي‭ ‬النوايا‭ ‬الحسنة‭ ‬والمترابطين،‭ ‬الذين‭ ‬يتسكعون‭ ‬في‭ ‬الحدائق‭ ‬بالصيف‭ ‬وعلى‭ ‬البحر‭ ‬ويشعرون‭ ‬بسعادة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬منخرط‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬العلاقات،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬مشغولون‭ ‬بحياتهم‭ ‬الرومانسية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬مماثل‭ ‬منخرطون‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬السياسى‭.‬‮ ‬

على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬إعتدناه‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬التاريخية‭ ‬الجامدة،‭ ‬وقدم‭ ‬المخرج‭ ‬نسخة‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجمالية،‭ ‬وهو‭ ‬نهج‭ ‬يسير‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬يلعبون‭ ‬دور‭ ‬الجواسيس،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬تمامًا‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬يتظاهرون‭ ‬بأنهم‭ ‬نادي‭ ‬للكتاب،‭ ‬به‭ ‬محتوى‭ ‬الأدب‭ ‬الذي‭ ‬وافق‭ ‬عليه‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬الغلاف‭ ‬الواهية‭.‬‮ ‬

كما‭ ‬يسلط‭ ‬السجل‭ ‬التاريخي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬العبث‭ ‬المؤلم‭ ‬لتصرفاتهم‭: ‬“إذ‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬سوى‭ ‬رسالة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬خاطروا‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬لنقلها‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬وكانت‭ ‬تقول‭ ‬ببساطة‭: ‬“نتمنى‭ ‬لأصدقائنا‭ ‬كل‭ ‬التوفيق”،‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأرواح؟،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬يبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬نصب‭ ‬تذكاري‭ ‬لشجاعة‭ ‬المجموعة‭ ‬وليس‭ ‬لإنجازاتهم،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكمن‭ ‬الإرث‭ ‬في‭ ‬المحاولة،‭ ‬وليست‭ ‬في‭ ‬النتيجة‭.‬

;