«كذب .. ولوصدقوا» قصة قصيرة للأديبة الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

الدكتورة إيمان سيد إسماعيل
الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

صارت تتلفت يمينا ويسارا .. تخشى أن يراها أحد المارة فيعرفها .. رغم محاولتها إخفاء ملامحها جيدا بتلك النظارات الشمسية الجديدة وذلك المعطف الطويل الذي يغطيها كليا .. لا تدرى إن كانت تتخفى من المارة أم تتخفى من ذاتها .. فهي لا تؤمن بمثل تلك الأشياء ولم تعتد أن تصدقها ولكنها قررت اليوم أن تذهب إلى تلك العرافة التي طالما سمعت عنها من صديقاتها أن لها باع طويل في قراءة الفنجان والكف وما ذلك من أشياء .. وهى قد تعبت كثيرا من حياتها الفترة الأخيرة .. فبالرغم من جمالها الأخاذ وكفاءتها المعتادة في العمل إلا أنها لا تجد أي حافز للحياة .. فدائما لا تأخذ حقها من المدح أو الترقية في عملها كما أنها الآن أصبحت في الثلاثة وثلاثين من عمرها دون زوج أو حبيب .. أخبرتها صديقتها لابد من وجود سحر ما يعطل حياتها وأقنعتها أن تذهب لتلك العرافة التي ستجد عندها كل الحلول ..

أخرجها من شرودها صوت سيارة مرت مسرعة بجانبها . فاستكملت طريقها بخطوات مسرعة ووصلت إلى بيت العرافة وقلبها تزداد دقاته فهي خائفة منها وخائفة من المجهول ..

جلست أمامها تنظر إليها في ترقب وهى تمسك بكفها وتتطلع إليه بنظرات ملأتها الحسرة .. فسألتها بصوت مهزوز :

- هو في حاجة مش كويسة؟؟

أجابتها العرافة بصوتها الأجش :

- انتى جاية تسألى ع الجواز والشغل وسايبه المرض.

هنا اعتصر قلبها خوفا ..

- مرض .. مرض إيه؟؟

- شوفي يا بنتي .. أنا ما ينفعش ما أقولكيش .. لا مكتوبلك جواز ولا نجاح لكن مكتوبلك الشقا والمرض .. مرض يعجز .. حتى جمالك هيداريه ويخفيه .. مكتوبلك تعجزي وانتى في عز شبابك.

ذهبت إليها بقلب ملأه الخوف وخرجت من بيتها بقلب فارغ من الحياة .. شعرت وأن روحها قد سلبت منها في الداخل .. قدماها لا تستطيع حملها ..لا تعلم كيف وصلت مرة أخرة إلى عملها ..

ذهبت مباشرة إلى مكتبها بذهن شارد .. لا ترى ولا تسمع .. توقف عقلها عند صوت العرافة ووجهها الحزين ..

شعرت برأسها يدور .. وجسدها يثقل .. وسقطت على الأرض فاقدة الوعي ..

كانت تشعر أن الجميع ينطق اسمها في لهفة ويتساءلون ماذا حدث لها .. يحاولون إفاقتها دون جدوى .. لن تقاوم ولن تعود .. فهي تعلم الآن أنها إن آجلا أو عاجلا ستلاقى المرض وتنتهي حياتها ..

حملها أحد زملائها إلى سيارته .. كانت تفتح عينيها ولكن لتحركهما. .. كأنها توقفت تماما عن الحياة .. ولكنها ظنت أنها رأت دموعا فى عينيه .. أو هكذا كان يبدو لها .. وضعها في سيارته وظل يدعو إلى الله أن تكون بخير .. كانت تسمعه جيدا .. ولكن لا تستطيع الحركة أو الكلام .. لا تستطيع حتى أن تحرك عينيها ..

أخذها إلى المتشفى وأخذ ينادى على أحد الأطباء كي يفحصها .. كانت تسمع صوت الأطباء أثناء فحصها كأنها في حلم ما .. لا تستطيع أن تنطق .. لا تدرى ماذا ألم بها .. كيف لهم أن يقولون أنها بخير وبصحة جيدة .. ألا يعلمون أنها مريضة وستصبح عجوز عن قريب ..  أيظنون أن تلك الأقراص الصغيرة إلى ستتناولها ستجعلها بخير.. ثم ذهبت بعدها في ثبات عميق  ..

استيقظت وقد تحسن وضعها كثيرا ..  فوجدت والدتها بجانبها تتلو بعض آيات من القرآن الكريم ..تذكرت لقاءها مع العرافة .. ماذا فعلت هي .. هل أخطأت بحق نفسها ؟ .. استغفرت كثيرا .. بكت .. تمنت أن تكون تلك العرافة خاطئة .. وعادت إلى منزلها وقد أكد الأطباء أنها بصحة جيدة جدا ولابد أنها تعرضت لبعض الضغوط فقط ..  تحتاج إلى الراحة .. ربما تحتاج أن تعيد محاسبة نفسها .. أو تحتاج لضجيج عقلها أن يهدأ .. ربما أساءت تقدير كل شيء .. عادت إلى عملها مرة أخرى بعد عدة أيام وقد تحسنت كثيرا .. عادت إليها روحها ..

رأت أصدقائها.. الآن تعلم مشاعرهم تجاهها .. فقد رأت لهفتهم وخوفهم عليها .. وتأكدت من حبهم لها حينما رأت الزهور على مكتبها ووجدتهم في ميعا في استقبالها فرحين لعودتها.. هذا هو التقدير الذي لم تكن تستطع أن تراه .. الآن تعرف جيدا أن هذا هو النجاح .. حب من حولها هو النجاح الحقيقي ..

عادت من شرودها على طرقات  مترددة على الباب ..  ورأت زميلها الذى حملها إلى المشفى يقف بتردد .. تذكرت دموعه .. تذكرت ابتهالاته إلىً الله أن ينقذها .. نظرت له بشكر وابتسمت  قائلة:

 

من أمتى الهدوء ده يا علي؟ انت كنت بتفتح وادخل على طول ..

ضحك ضحكة متوترة ..

أنا قلت أحسن تكونى تعبتى تانى ولا حاجة

ضحكت بدورها في خجل :

لا لا .. أنا تمام الحمد لله .. انا متشكرة أوى يا على .. أنا تعبتك جدا

- مافيش تعب ولا شكر .. إنتى بس ما تخضينيش عليكى تانى ..

-           صمت قليلا ثم نظر إليها :

- حياة … أنا عاوز أقولك حاجة ..أنا لما شوفتك قصادى تعبانه .. حسيت روحى بتتسحب ودنيتى وقفت في اللحظة دى .. أنا بحبك يا حياة .. من زمان .. وكنت خايف أعترفلك .. بس لما حسيت إنك ممكن تضيعي منى في لحظة .. قررت إنى ما أضيعش دقيقة تانى وانتى بعيدة عنى .. تقبلى تكملى معايا حياتى .. وتتجوزينى ؟

بعد عام من كلام العرافة  .. اليوم يوم زفافها  .. وقفت تنظر لنفسها في المرآة وتتذكر كلام العرافة الذى كاد أن يقتلها خوفا ..هي أجمل عروس .. ناجحة هي في عملها .. وصداقاتها .. وستبدأ اليوم حياة جديدة مع شريك حياتها.