خارج النص

.. وإن طال الزمن

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

يجيد الإسرائيليون فنون الدعاية والكذب، وعلى مدار تاريخهم كانت الأكاذيب سندهم الأول الذى أقاموا عليه دولتهم، ثم ابتزوا الغرب بسيل من الأكاذيب لكى يساعدهم على الاستمرار فى منطقة لا ينتمون إليها، ولا يمكن أن يكونوا - بشكل طبيعى - جزءا من نسيجها.

تعتمد استراتيجية الدعاية والكذب الإسرائيلى على اختلاق كذبة، ثم ترديدها على نطاق واسع، والعمل على تحويلها إلى واقع، وبالتالى غرسها فى عقول العالم كحقيقة راسخة.

أستطيع أن أسرد هنا المئات من تلك الأكاذيب، وأولها تبريرهم لاحتلال أرض فلسطين التاريخية بأنها «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وهى مقولة كاذبة فى كل مكوناتها، فلا اليهود كانوا يوما «شعبا»، ولا أرض فلسطين كانت أبدا بغير شعب.

لكن أنظروا كيف سعوا إلى تحقيق تلك الكذبة وتحويلها إلى واقع، عبر ارتكاب سلسلة من المجازر والجرائم منذ ما قبل النكبة وما بعدها، وها هم يحاولون أن يكملوا مخططهم عبر تهجير نهائى وأخير للفلسطينيين من أراضيهم، وبالتالى تحقيق أكذوبتهم التاريخية.

كذبة الدولة «الديمقراطية» واحدة أيضا من الأساطير الزائفة التى غرستها الصهيونية فى عقول داعميهم من الدول الغربية، دون أن يسألوا أنفسهم للحظة كيف لدولة «ديمقراطية» أن يقودها مجرمون جنائيون، ومدانون بارتكاب القتل والتحريض عليه، ولا أتحدث هنا عن القتلة التاريخيين من مؤسسى إسرائيل، ولكن أتحدث عن قادة تل أبيب الحاليين، من أصحاب السجلات الإجرامية والجنائية المتخمة بالجرائم من أمثال وزراء اليمين المتطرف!!

هؤلاء مكانهم السجن فى أى دولة «ديمقراطية» حقيقية أو على الأقل لديها حد أدنى من احترام القانون، لكن منذ متى كانت إسرائيل تحترم قانونا إلا قانون الغاب!!

وإذا كانت الانتخابات هى مقياس التعريف الغربى للديمقراطية، فعلى الجميع أن يتذكر أن «هتلر» جاء بانتخابات ديمقراطية، وبأغلبية يعجز ساسة إسرائيل أو فى الغرب عن تحقيقها اليوم.

وانظروا ماذا فعلت تلك الدولة «الديمقراطية» مع النائب فى الكنيست أحمد الطيبى عندما هاجم البربرية الإسرائيلية فى غزة، وكيف عاقبوا النائب عوفر كسيف الذى تجرأ على انتقاد قتلهم للمدنيين فى الأراضى الفلسطينية.

رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو لا يكل ولا يمل عن ترديد مقولة أن معركته ضد الفلسطينيين هى حرب بين «الخير والشر»، وقد يكون لديه بعض الحق فى ذلك، لكن فقط إذا حددنا على نحو صحيح من يمثل الخير ومن ينوب عن الشر، فإسرائيل هى الشر الخالص، فتاريخها وحاضرها تجسيد للسرقة والاستيلاء على حقوق الآخرين، وتزييف التاريخ ومحو الجغرافيا، فضلا عن قتل المدنيين وحصار الأبرياء، وقصف الأطفال، وتدمير المستشفيات ودور العبادة والمدارس والجامعات، بل المقابر، ولن أتحدث عن مستقبلها، فهى دولة بلا مستقبل.

يدرك الإسرائيليون قبل غيرهم أنهم لصوص، واللص قد يرهب ضحيته بالسلاح، لكن ذلك لا يجعله شريفا أبدا .. وإن طال الزمن.

يوقن الإسرائيليون بأنهم كاذبون، حتى وإن امتلكوا ترسانة إعلامية ودعائية، ودعما غير محدود من مؤسسات غربية هائلة التأثير والانتشار، لكن ذلك لا يجعلهم يمتلكون الحقيقة.. حتى وإن طال الزمن.

ويؤمن الإسرائيليون أن نموذج دولتهم الاستيطانية إلى زوال، وأن الصليبيين سبقوهم إلى ما هم عليه اليوم، فبغوا بقوة السلاح، واستغلوا فرقة العرب ليستولوا على أرضنا ومقدساتنا، لكن بمجرد أن توحدت كلمتنا، لم يصمد الغزاة أمام قوة الحق وتمسك أصحاب الأرض بقضيتهم، فزالت دولتهم ولم يطل بها الزمن.
وقبل كل ذلك يدرك الإسرائيليون، كما أدرك بابا الفاتيكان منذ ألف عام أو يزيد وهو يحرض على تلك الحملات الصليبية، أن «مفاتيح القدس تكمن فى القاهرة»، لذلك فهم لن يترددوا فى توجيه سمومهم نحو مصر، لأن قوة مصر هى دوما السيف الذى يمزق الغزاة ... وإن طال الزمن.