أوراق شخصية

جورج يفاوض جورج!

أمال عثمان
أمال عثمان

اشتهر سعد زغلول زعيم الأمة باللباقة وسرعة البديهة، وتعليقاته البليغة الساخرة، وحينما كان «عدلى يكن» يُجرى مفاوضات فى لندن مع الإنجليز، أيام الملك جورج الخامس، وكان من الطائعين للاحتلال البريطاني، أطلق سعد زغلول مقولته الشهيرة: «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس»، فما كان من الإنجليز إلا إعفاء «عدلى يكن» من مهمته، وبعثوا إلى زعيم الأمة ليستكملوا معه المفاوضات.

تذكرت تلك المقولة عندما شاهدت بلينكن وزير خارجية أمريكا، يزور المنطقة للمرة الخامسة منذ طوفان الأقصى، لاستكمال إطار عمل الاجتماع الرباعى فى باريس، وإتمام ملف صفقة تبادل الأسرى، والتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، لم يتحدث الرجل بصفته مبعوثاً أمريكياً، وإنما تكلم بلسان الاحتلال الإسرائيلي، وصدى صوت للسرديات والمواقف الداعمة للمصالح الصهيونية، ومثل كل زياراته السابقة عاد الرجل من تل أبيب دون أن يصل إلى استحقاق، أو يتخذ قراراً للوصول إلى صفقة أو هدنة!! ولمَ لا مادامت إسرائيل الشرق الأوسط، تتفاوض مع إسرائيل اللوبى الصهيونى الأمريكي، أى جورج الخامس يفاوض جورج الخامس!! 

تحدث السيد بلينكن -كعادته- عن المأساة والألم والحزن الذى لا يطاق على الأسرى الإسرائيليين، وامتهان إنسانيتهم فى 7 أكتوبر، وضرورة إعادتهم إلى أحبائهم، وحق الاحتلال الصهيونى وواجبه فى حماية شعبه، من عدو يريد محوه من الخارطة، وتجاهل مأساة آلاف الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، وعمليات الإبادة الجماعية التى تُرتكب ليل نهار، والأطفال المدفونين تحت ركام مدينة تحولت إلى أطلال، وتغافل عن جرائم المستوطنين وخطط تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، والانتهاكات الوحشية والقمع الذى يرتكب ضدهم، وامتهان إنسانيتهم وسلب حقوقهم، وغيرها من جرائم سطرها الرئيس الأمريكى جيمى كارتر قبل 18 عاماً، فى كتابه «فلسطين: سلام لا فصل عنصري»، أدان فيه سياسات إسرائيل التى تفوق سياسة الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، وانتزاعهم لمنازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وحرمانهم من أماكن عبادتهم، وتحدث عن النفوذ القوى للوبى الصهيونى فى أمريكا، ومنظمة AIPAC التى تهدف لحشد أكبر دعم سياسى وإعلامى للسياسة الإسرائيلية، وتحظر على أى عضو فى الكونجرس انتقاد إسرائيل، وانتهاكها لقرارات الأمم المتحدة، ولاتفاقيات السلام، لأنه إذا فعل لن يعاد انتخابه مرة أخرى.