ثورة القمر.. وتحديات لغة صقلية

ثورة القمر.. وتحديات لغة صقلية
ثورة القمر.. وتحديات لغة صقلية

كتبت: أمانى فوزى حبشى

تدور أحداث رواية «ثورة القمر» لأندريا كاميلليرى في صقلية، عام 1677، فى تلك الفترة كانت صقلية تحت الحكم الإسباني وكان الملك الإسباني يُعين نائبًا له ليدير شؤون البلاد مع مجلس ملكي مُختار من كبار المسئولين. وفي ذلك العام يُعيِّن نائب الملك كارلوس الثالث، قبل موته المفاجئ، زوجته دونَّا إليونورا خلفًا له.

يصدم الخبر الكثير في أنحاء البلاد، إذ كيف يمكن أن تحكمهم امرأة؟ حيث إن المعروف في حالة موت النائب فجأة أن يتولى أحد أعضاء المجلس منصبه انتظارًا للنائب الجديد. ولذلك تتعرض دونَّا إليونورا لمكايد عديدة من أسقف المدينة وأعضاء المجلس الفاسدين الذين يعارضون حكمها، فتستخدم فطنتها وشجاعتها لكشف جرائمهم، وتسعى إلى تطبيق تدابير عدة تُغيِّر بها حياة سكان باليرمو الذين يعانون الفقر والبؤس.

اقر أ أيضاً| يسكنها شعراء وفلاسفة: الحديقة الخلفية لبيت عماد أبوصالح

يعالج الأديب الإيطالى الكبير أندريا كاميلليري ذلك الحدث التاريخي الاستثنائى الذى استمر سبعة وعشرين يومًا فقط- أي دورة قمر واحدة- في إطار روائي يتميز بالتشويق والمتعة وخفة الظل.

وفي رأيي تكمن أهمية الرواية في أنها تتناول الفساد السياسي للسلطة ومعاناة الشعب جراء تلك المحسوبيات ورغبة من في السلطة فى الاستحواذ على النفوذ والأموال، وأيضًا موقف الرجال من حكم النساء، وينقل ذلك في مشاهد دالة على صدمتهم وفي الوقت نفسه قمعهم للنساء بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية.

ويتناول أيضًا موضوعاً شائكاً  وهو فساد قادة الكنيسة (من خلال شخصية الأسقف) واستغلالهم سلطتهم في تحقيق رغباتهم وشهواتهم والتلاعب بعقول الشعب وخداعهم باسم الدين والتدين لينفذوا لهم مخططاتهم. 

وعن فساد المؤسسة الدينية أيضًا يعرض كاميلليري في جزء من الرواية الواقع المؤلم الذي يفرضه الفقر على الآباء من خلال ترك بناتهن فريسة لطبقات الأعيان، بل ومشاركة ملاجئ المؤسسات الدينية أيضًا في تلك الممارسات. 
وعن فكرة النص.. يقول المؤلف.. إنه عثر في السجلات على تدوين الأحداث الخاصة بنواب ملك إسبانيا في صقلية فيما عدا تلك الفترة. حيث حُذفت بلا أي تفسير واقعة تعيين امرأة لحكم صقلية لمدة لم تتجاوز سبعة وعشرين يومًا. إلا أنها فترة، على الرغم من أنها لم تتجاوز أيامًا قليلة، شهدت فيها صقلية حكم امرأة غير عادية، استطاعت إنجاز تعديلاتٍ مهمة في تلك الفترة الوجيزة، منها: خفض سعر الخبز، وإنشاء مجلس الطوائف لحماية الحرف المختلفة، واتخاذ إجراءاتٍ لصالح النساء سواء الشابات منهن أو المسنات، ويعود إليها الفضل بالكامل في إنشاء ما يُسمى «المهر الملكي» لمساعدة تجهيز فتيات الأسر الفقيرة للزواج و «مؤسسة حماية المادلينات التائبات» لحماية من اضطررن للعمل في الدعارة لضيق ذات اليد. ويرجع إليها الفضل أيضًا في تخفيف العبء المالي عن الأسرة التي لديها عدد كبير من الأبناء.

وأندريا كاميلليرى، المعروف بكتاباته لروايات المحقق الصقلى المشهور مونتالبانو، يكتب رواياته سواء البوليسية أو التاريخية بلهجة صقلية، وعن هذا يقول في سيرته الذاتية «والآن حدثيني عن نفسك» والتي كتبها لحفيدة ابنته ماتيلدا، وأراد فيها أن يتحدث هو عن حياته ويحكيها قبل موته، أن هذا وعد كان قد قطعه لأبيه والذي طلب منه أن يكتب القصص كما حكاها له على فراش الموت. ولأنه يرى في اللهجة وسيلة التعبير عن المشاعر. 
ولذلك لم يكن سهلًا الترجمة من اللغة الصقلية مباشرة دون الاستعانة سواء بقوائم ترجمات لغة كاميلليري إلى الإيطالية المتوافرة على مواقع خاصة بمعجبيه على الإنترنت، وأيضًا ترجمة النص باللغة الإنجليزية وكما هي العادة في مسألة اللهجات عمومًا فقد حاولت اللجوء للغة فصحى بسيطة عوضًا عن استخدام اللهجة.

وفي أجزاء من حديث «دونّا إليونورا» استخدمتُ الإسبانية، والتي تُركت في النص الإنجليزي المُترجم كما هى، وهى عادة الترجمات الإنجليزية حيث إن النص الإسبانى يظهر بصورة متناسقة لاستخدام الحروف اللاتينية نفسها، بينما ليس مناسبًا ترك العديد من العبارات الأجنبية في نصٍ عربي.

والحلول هنا تتراوح بين استخدام الهوامش أو ترجمة الإسبانية بالطريقة نفسها التي تعاملنا بها مع النص الإيطالي، لكن كانت فكرة هيئة التحرير في دار نشر الكرمة هي اللجوء إلى الحل الثاني مع الإشارة، من حين لآخر أيضًا إلى أنها تتحدث بالإسبانية للتأكيد على أنها تمثل ملك إسبانيا، وهذا ما اتفقنا على عمله في نهاية الأمر.
وفي النص أيضًا بعض الأغنيات والأشعار والتي حرصُت على ترجمتها بحيث تمنح الانطباع نفسه بالحقبة الزمنية وتحتفظ بإيقاع الأغنية والسجع وتنقل المعنى والأجواء الخاصة بالأصل الإيطالى.