قضية ورأى

القراءة والمعرفة.. الأزمة والمعالجة

د.ممدوح سالم
د.ممدوح سالم

سألنى صديقى المهتم المهموم معا لما وصلت به وإليه الحال لدى أطفالنا وشبابنا من ضعف القراءة العربية على المستويين الأكاديمى والمعرفى من جهة، والزهد فى الإقبال على القراءة، أو الشغف بقراءة أى محتوى عربى سوى ما كان محددا فى مقررات المناهج الدراسية، وهذا لمن قرأ بذاته دون واسطة معلم خارجي، أو كان محمولا على القراءة؛ ليجتاز اختبارا مدرسيا من جهة أخرى.. وتطرقت التفاصيل بنا إلى استقراء مجموعة من الأسباب الرئيسة الدافعة إلى هذه الظاهرة التى صاحبت انتشار وسائل التواصل الاجتماعى السارقة أعمارهم وأوقاتهم وجهودهم، والتى تعد من أول الأسباب المعاصرة التى حملتها وسائل التقنية الحديثة، بيد أنه من الظلم بمكان الدفع بهذا السبب دون غيره فى مقدمة الأسباب؛ لأن الكثير من الشباب يوازنون بين استعمال وسائل التواصل الاجتماعى والاهتمام بالقراءة، لكنها القراءة بغير العربية نظرا لهيمنة التعليم الخاص باللغتين الإنجليزية والفرنسية فى المدارس والجامعات الخاصة والدولية.
القراءة بالعربية تحتاج إلى دافعية التفكر والتأمل طويلا من قبل القائمين على شئون التعليم والثقافة والدولة فى أعلى مهام المسئولية باعتبار التعليم والثقافة والهوية مسألة أمن قومي. وفى رأيى أن الموضوع يتصل بتطوير تعليم اللغة وتطوير المحتوى فى المقام الأول؛ إذ يمكننا الإشارة إلى تعليم اللغة العربية فى مراحلها الأولى مثلا يمكن أن يتم عبر استراتيجيات غير معلبة أثبتت عدم جدواها.. أضرب مثلا بتعلم اللغة بطريق نماذج سياقية من الأدب العربى المختار بعناية، فاللغة العربية لغة غنية منوعة تفى بمتطلبات التعلم فى مراحله جميعا: الأولى والمتوسطة والثانوية تتيح اختيار نماذج من أدب المتنبى فى الحكمة، وابن الرومى فى الوصف، ثم ابن زيدون، والمنفلوطى والرافعى وشوقى وحافظ وجبران ومطران وشوشة وغيرهم.. ولا أقصد بذلك تدريس تلك المختارات كما هو متداول بوصفها مقررات مدرسية، لكن المقصود هو تعليم اللغة ودلالاتها من سياقات تلك المختارات، ثم العمل على دفع المتعلمين إلى محاكات تلك اللغة باستعمالاتها فى مساقات كتابية من إنشائهم وإبداعاتهم فى قوالب كتابية متنوعة.. كما يمكن للمؤسسات التعليمية أن تحفز تعلم اللغة والقراءة بها بتقديم نماذج من قامات شبابية معاصرة من أدباء ومثقفين وقراء لعرض تجاربهم الواعية فى القراءة والإبداع.. يروقنى كتاب وأدباء معاصرين كأحمد مراد وعمر طاهر والشاذلى وعفاف طبالة ممن لهم حضور فى استقطاب الشباب نحو القراءة والاطلاع والإبداع..