حكايات| ماسبيرو.. من أشهر علماء المصريات وساهم في تأسيس المتحف المصري

ماسبيرو
ماسبيرو

تعج شوارع مصر بالكثير من الأسرار التي احتفظت بالكثير من الوقائع والأحداث وكانت شاهدة على تاريخ الوطن.

وتعد الشوارع كتابا مفتوحا يروي تاريخ المدينة والأحداث التي وقعت بها، وتعد اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع هي صفحات الكتاب.

ولأسماء شوارع مصر تاريخ معروف، حيث إنه قبل عهد محمد علي باشا كانت الأحياء والمناطق تحمل اسم القبيلة التي عاشت فيها في البداية أو منطقة يتجمع فيها أرباب حرفة معينة بينما البعض الآخر يحمل اسم صاحب قصر بني بهذه المنطقة.

اقرأ أيضا| حكايات| النبوي المهندس.. أنشأ أول مراكز لعلاج شلل الأطفال والقلب

وقرر حينها محمد علي أول حاكم لمصر إصدار مرسوم بتحديد أسماء الشوارع وتركيب لافتات تدل عليها وأرقام لكل مبني.

وتصحبكم «بوابة أخبار اليوم» في جولة لأهم شوارع القاهرة وأشهرها وتاريخها، من بينها شارع ماسبيرو.

شارع ماسبيرو

ولد جاستون كميل تشارلز ماسبيرو في باريس 23 يونيو 1846 لأبوين إيطاليين هاجرا إلى فرنسا، وقد اهتم بدراسة التاريخ منذ أن كان صغيرًا في المدرسة، وخاصة علم المصريات، فقام بدراسة المصريات بمفرده، وذلك بالاطلاع على الآثار المصرية المحفوظة في متحف اللوفر ونقوش المسلة المصرية بـ"ميدان الكونكورد"، كما اهتم في تلك الفترة اهتمامًا خاصًا باللغة الهيروغليفية، واستمر في دراسة الآثار المصرية حتى أحرز تفوقًا على أقرانه من علماء المصريات.

درس في مدرسة الدراسات الطبيعية المتقدمة Ecole Normale Superieure في باريس، وكان خلال تلك الفترة يلتقي بعلماء الآثار والباحثين بين فترةٍ وأخرى ليتتلمذ على يدهم من جهة ويساعدهم من جهةٍ أخرى، وكان ذلك عندما ذهب إلى البيرو ليُساهم مع العلماء هناك لإثبات الصلة التي تربط بين اللهجات المحكية من قبل “الكيتشوا”Quechua.

حياته العملية

كانت بدايات جاستون المهنية من خلال التدريس، بعد عودته من البيرو بعامٍ واحدٍ في عام 1869، في التعليم العالي في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا Ecole Partique des hautes etudes.  حيث درّس اللغات الأفروآسيوية القديمة، كما درّس علم الآثار في الوقت ذاته؛ وما زاد من سمعته الحسنة أن تلك المؤسسة كانت مرتبطة بالطبقات الاجتماعية الراقية.

 وفي عام 1874 عمل في جامعة College de France خلفًا للباحث الشهير "جان فرانسوا شامبليون"، وقد جذب باجتهاده في مجالي الآثار والتاريخ أنظار العمالقة من علماء هذه الجامعة، لذلك تطلعوا إلى تنصيبه على كرسي المصريات؛ ولكن صغر سنه حال دون تحقق ذلك الأمر، فقرروا منحه لقب أستاذ مساعد لمدة يومين، ثم نصَّبُوه بعدها على كرسي علم المصريات.

أعماله في مصر

كانت النقلة الأهم في حياة ماسبيرو عندما جاء إلى مصر في 1881، وكان ذلك قبل وفاة أوجست مارييت بثلاثة عشر يوما، وتولى منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق وكان عمره حينها الرابعة والثلاثين، وفقا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

وقد قام ماسبيرو بإكمال الحفريات التي كان يقوم بها مارييت في سقارة ووسع من نطاق البحث، وكان مهتما بشكل خاص بالمقابر التي تحتوي على نصوص فرعونية مهمة تثري اللغة الهيروغليفية وقد عثر على 4000 سطر كانت على 5 قبور ملكية، قام بتصويرها وطباعتها.

كما واصل ماسبيرو حفائر مارييت في معبدي إدفو وأبيدوس، كما استكمل أعمال مارييت في إزالة الرمال عن تمثال أبو الهول بالجيزة، حيث أزال عنه أكثر من 20 مترًا من الرمال محاولا إيجاد مقابر تحتها ولكنه لم يعثر على شيء.

ومن أعماله المهمة أيضًا أنه أعاد ترتيب المتحف المصري ببولاق، ثم نقل محتوياته إلى المتحف المصري بالتحرير، كما اكتشفت في عهده خبيئة بالكرنك تحتوى على مئات التماثيل المنتمية لعصور مختلفة ونشر دراسات أثرية عديدة.

كما قام ماسبيرو بإنشاء المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة، وكان أول مدير لهذا المعهد الذي لم يقتصر على الآثار الفرعونية بل امتد لدراسة جميع الآثار المصرية سواء الإسلامية أو القبطية.

مواجهته لسرقة الآثار

قام ماسبيرو بنشاط كبير لمواجهة السرقات التي كانت تحدث للآثار المصرية القديمة، فقد ساهم بشكل أساسي في القبض على عائلة "عبد الرسول"، وهم من أشهر تجار الآثار، واستطاع إجبارهم على الاعتراف بالسرقات، وحصل منهم على معلومات عن أحد أهم اكتشافات ماسبيرو وهي خبيئة في الدير البحري عثر فيها على مومياوات الملوك سقنن رع وأحمس الأول وتحتمس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني وغيرهم، وقام بمساعدة العالم المصري "أحمد كمال" بنقل المئات من المومياوات والآثار المنهوبة إلى المتحف المصري بالتحرير.

كما أستطاع ماسبيرو أن يستصدر قانون جديد في عام 1912 ينص على أن لا يسمح للأشخاص بالتنقيب ويقتصر التنقيب فقط على البعثات العلمية بعد الموافقة على مشروعها، ولم يصبح من حق المنقبين الحصول على نصف ما يعثرون عليه لكنهم يحصلون فقط على القطع التي لها مثيل مكرر بمتحف القاهرة، ولا يمنح القائم على الحفائر تأشيرة خروج من مصر إلا في حالة تركه الموقع الأثري في صورة مُرضية، مما أثار عليه غيظ وحقد المهربون الأجانب وتجار الآثار، كما فرض مقابل لمشاهدة المناطق الأثرية لمواجهة النفقات التي يحتاجها للتنقيب وأعمال الصيانة.

وفي عام 1892 غادر ماسبيرو منصبه كمدير لمصلحة الآثار وعاد إلى باريس، حيث عاد إلى مهنة التدريس الجامعي هناك.

وبقي في فرنسا حتى عام 1899 وبعدها عاد إلى مصر لاستئناف أعماله في منصب مدير مصلحة الآثار، وصادف وجوده هناك حدوث زلزال "الكرنك" الذي أدى إلى انهيار أكثر من 11 عمود من الآثار هناك. وبالطبع ساهم ماسبيرو وبكل ما أوتي من مقدرة على إصلاح ما خرّبه الزلزال، وبعد هذه الحادثة بما يقارب 4 أعوام تم العثور على رصيف مصنوع بالكامل من المرمر احتوى في أسفله على كنزٍ ضم أكثر من 15 ألف تمثال.

ولم تقتصر أعمال ماسبيرو على الكشف والتنقيب، بل أنشأ مجموعة من المتاحف المحلية التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد.

 وحاول جاهدًا على زيادة الوعي المحلي لأهمية الآثار المصرية وضرورة المحافظة عليها، كما قام بترتيب وفهرسة المجموعة الهائلة من الآثار التي جمعها هو وسلفه مارييت في متحف في بولاق في القاهرة، وأصبحت هذه المجموعة نواة المتحف المصري بالتحرير، الذي ساعد ماسبيرو في تأسيسه في عام 1902، خلال فترة ولايته الثانية كمدير لمصلحة الآثار (1899-1914).

عودته إلى باريس ووفاته

عاد ماسبيرو إلى باريس عام 1914، وعين في منصب المستشار الدائم لأكاديمية الفنون والآداب الفرنسية، واستمر في هذا المنصب حتى توفي في 30 يونيو 1916 في باريس عن عمرٍ قارب السبعين.

وأطلق اسم ماسبيرو في مصر على مبنى الإذاعة والتلفزيون والمنطقة المحيطة بالمبنى تكريمًا لأعماله الجليلة ومساهماته في البحث والمحافظة على الآثار المصرية.