“ البحث عن فضيحة” !
هذا هو ـ على ما أعتقد ـ عنوان فيلم مصري أو عربي أو أمريكي أو ياباني؛ أو من بلادٍ تركب الأفيال؛ ولكن هذا ليس موضوعنا الحيوي الذي أريد خوض غماره معكم؛ ولكنني أتحدث بلسان ما تبحث عنه المجتمعات البشرية في العالم القديم والحديث؛ هذه المجتمعات التي تستيقظ كل صباح جديد؛ لالتقاط موضوع لممارسة فن “الرَّغي” و “النميمة” على أحوال خلق الله! فتلك هي طبيعة البشر منذ ظهر الإنسان على وجه الأرض؛ أولم يقم القرآن الكريم برصد وتصوير حال المجتمع الذي يحيط بلاط عزيز مصر ؟! إذ جاء فيه :
“ ... وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ .. قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا .. إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ .. “ ( يوسف 30) ؛ بلى .. وقام بتصوير ماحدث من وقائع لتبيان وإيضاح طبيعة المجتمعات التي تحيط بالحاكم وأهل بيته ! فما بالنا بالطبقة الدنيا التي تحيا على فيض الكريم ؟!
وأذكر انه قبل انحسار موجة “الجرائد الورقية” واجتياح صفحات التواصل والـ” سوشيال ميديا”؛ كان بائع الصحف يشهر بين يديه مانشيت الصحيفة وينادي بأعلى صوته “ اقرا الحادثة “.. “اقرا الحادثة”؛ ليسرع الناس لاقتناء الصحيقة طمعًا في الإلمام بجوانب وظروف تلك “الحادثة” التي تعلن عنها الصحيفة؛ ليبدأ الجميع ــ داخل البيوت والدواوين والمصالح الحكومية والأهلية ــ في التحليل والتأويل فيما تم نشره ـ مثلاً ـ عن جريمة قتل من أجل الشرف أو زواج أو طلاق أحد المشاهير .. أو الشهيرات في أي مجال فني أو مجتمعي؛ ليكون الخبر حديث الساعة و بمثابة “لبانة” يمضغها ويتشدق بها كل فم في المدينة ! وكانت “البلكونات” و”شبابيك المطابخ الخلفية” تشهد دائمًا أحاديث النميمة بين الجيران؛ و” صباح الخير ياام فلان” .. وأخبار الحارة والجيران إيه النهاردة؟ ليبدأ حديث الصباح .. وكل صباح !
وحين اختفت تلك المشاهد المجتمعية في بلاد العالم؛ انتقلت أحاديث النميمة وأخبار الزواج والطلاق والحب والعشق العلني أو الخفي؛ إلى صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع “الميديا”؛ للتأكيد على أن المجتمعات البشرية؛ ستظل على طبيعتها التي لم، ولن تتغير .. حتى اللحظات الأخيرة قبل قيام الساعة في يوم القيامة !
ويعكف أهل العلم وأصحاب الأبحاث الأكاديمية؛ على دراسة حال وأحوال المجتمعات البشرية؛ لمعرفة أسباب ودوافع تلك الظاهرة؛ وبخاصة أنها لم تعُد تقتصر على متابعة الأعمال الفنية للمشاهير من نجوم الفن المسرحي والسينمائي والتليفزيوني؛ بل تخطت ذلك إلى متابعة آخر اتصالاتهم ببيوت الأزياء العالمية وآخر صيحات “الموضة” التي سيظهرون بها على الساحة؛ وحتى باتت المتابعة تتجه ـ حتى ـ إلى نوعية السيارات التي يستخدمونها في حياتهم؛ وأصبحت تلك المتابعات شبه لحظية بين قطاعات الشباب والشابات والأطفال .. والشيوخ وكبار السن !
فماذا يقول أهل العلم في مراكز الأبحاث المتخصصة عن هذه الشرائح المجتمعية التي لايشغلها سوى متابعة حياة المشاهير: من اتصال وانفصال .. زواجًا وطلاقًا؛ ومتابعتهم ذهابًا وإيابًا ؟ ويجيب البعض من هؤلاء العلماء ــ بتصرف ــ بأنها بالتأكيد نزعة “الفضول” أو “التطفل” و”حشرالأنف” في حياة الآخرين العامة والخاصة؛ بل الأشد خصوصية !
وعالم النفس التطوري بجامعة ميشيغان البحثية الأميركية ( دانييل كروغر) يقول : “... إن الاهتمام بأخبار المشاهير بدأت منذ وقت طويل؛ بل إنها ظاهرة وجدت حتى في مجتمعات الصيد القديمة؛ ويعتقد أن التسلسل الاجتماعي الهرمي يجعل الأفراد يتطلعون بفضول إلى حياة الآخرين الأكثر شهرة أو ربما أهمية في مجتمعاتهم ... “ و “ ... إن بعض الناس في المجتمعات السالفة اهتموا بأخبار الملوك والأمراء سواء لمعرفة أخبارهم أو لاستمداد الإلهام من سلوكهم ــ ولا يزال المثال قائما أمامنا إلى الآن حول اختيار اللون الأبيض لفستان الزفاف؛ وإن من بدأت هذا الاختيار كانت ( الملكة فيكتوريا )عام 1840؛ ثم أصبح تقليدًا بسبب رغبة بعض أفراد السُّلم الاجتماعي في الترقي للطبقة الأعلى منهم؛ وتم توارث هذا التقليد إلى يومنا هذا ... “ . وياله من تقليد حميد يبعث على التفاؤل والبهجة إذا مااقتصر “دس الأنف” على تلك التقاليد المجتمعية التي تبعث البهجة والطاقة الإيجابية في النفس والروح .. والجسد.
ولعله من اللافت للنظر في الغالبية العظمى من شرائح المشاهير ـ وهو مايجعل المجتمع يشاهد ويتابع ويثرثر بسيرتهم ــ هو كثرة وتعدد حالات الاتصال والانفصال والزواج والطلاق؛ برغم ارتفاع معدلات الحالة العائلية والمادية والمزاجية؛ ولكن تأتي المفاجآت لتحول مسيرة حياتهم وحياتهن إلى مالا يتصوره أحد؛ فنجد صروح قوية من الحب وهي تتحول إلى أنقاض؛ وكأنما مسَّتها الزلازل والبراكين؛ فأحالتها إلى هشيم؛ ليتناول المجتمع سيرتهم بقولهم : إن حياة الفنان من المشاهير تكون دومًا على صفيح ساخن؛ وتتعرض دقات قلبه إلى التحول المستمر؛ تمامًا كموج البحر الذي لايهدأ .. ولا يستقر !
والآن .. فإن كل أمنياتي من هذا الحديث ذو الشجون؛ أن تبدأ البرامج التليفزيونية ـ بمساعدة وزارة الثقافة والإعلام والتربية والتعليم ــ في إلقاء الضوء على حياة المشاهير من العصاميين في مختلف مجالات الحياة العملية والفنية والسياسية ورجال الأعمال الذين بدءوا حياتهم من “تحت الصفر”؛ للحديث عن سيرة ومسيرة كفاحهم والوصول إلى قمة الهرم الاجتماعي مالاً وشهرة؛ وما قدموه من خدمات للوطن والبشر على أرضه .
وهنا يكون الاهتمام من الشباب والشابات منصبا على النماذج الناجحة؛ بعيداً عن التلصص والتنصت على حياتهم الشخصية؛ وحياة شركاء حياتهم التي لاتهم أحدًا سوى اصحابها؛ لنربي أجيالا تحترم خصوصية الآخر وتعرف ما للبيوت. من حرمة فقديما قالوا:”البيوت أسرار”؛ فأسرار البيوت لن تعلي قدر أحد لمعرفتها هي من سوء الأدب ، فلنري شباب الأجيال الصاعدة وهي تتخذ من سيرة ومسيرة هؤلاء القدوة والمثال في اجتياز وعورة طرق الحياة؛ وليكونوا مثالاً براقا يحتذى للآتين بقوة من الأجيال المستقبلية بدلا من هرطقة التريندات .