«ليلة العيد».. قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

محمود حمدون
محمود حمدون

كلما رأيت متسوّلًا تثور أعصابي, تضيق الدنيا في عينيّ, هي لحظة أفر منها إيثارًا للسلامة. أقصد سلامة خصمي.

قلت بتعجّب: خصمك؟ أي خصم؟ ما أعلمه عنك أنك مسالم لا أعداء لك بالمعنى المفهوم للخصومة!

أمسك بكتفي, هزّني برفق, قائلًا: أرجوك أفق ولو لدقيقة, خصومتي مع أمثال هؤلاء, وأشار إلى المتسول البائس.

قلت: المتسول؟  يا عبد الله, لا ترهقني من أمري, أي خصومة بينك وبين من يسألك صدقة؟ هل تعرف الرجل من قبل؟ لك أن تعطيه عن طيب خاطر أو أن تصرفه من أمامك بالحسنى.

هشّ عن وجهه خاطر ما, قطب جبينه, همس: أسمعت عن المثل الشعبي" الشحاتين بيكرهوا بعض؟"

ضحكت, قلت: طبعًا, بخاصة في المواسم بالتحديد في ليلة العيد, حينما يتراصون في مداخل الميادين بوسط البلد, يقطعون طرق المارة, للحق هم رائعون في حلب جيوب الناس. صيادون مهرة في اصطياد الزبائن.. لكن مالك بهم؟

قال: أكرههم.

-لم؟! لا ذنب لهم.

قال: لأني مثلهم.

- متسول؟ هههه ضحكت حتى كاد فنجان قهوتي يندلق على ملابسي, ثم تماسكت, اعتذرت له, قلت:  مش فاهم!

بنبرة حزن على وجهه تختلط  بقدر لا بأس به من الخجل, مال عليّ من جديد, قال: أنا أيضًا أتسول كل شيء, الحياة كما أحلم بها, الأمان كما أرغب فيه, مشاعر البعض كما أتمناها, لذلك من الطبيعي أن أكره من هو مثلي إن جمعنا مكان, حتى لو كان يتسول المال فقط, أرى نُذر الخطر تقترب منّي كلما رأيت أحدهم.

 تفزعني صورة أنه قد يقاسمني رزقي وقتها, يستقطب مشاعر الغير ناحيته, أشتعل من أعماقي, أصبح غير ما أنا عليه. هل أدركت ما أقصد؟!

قلت, وأنا أعض على شفتي, لست أدري إن كانت كلماتي ستخفّف ما به: لكنك في حال أفضل من كثيرين, ربما لا ترى نفسك على حقيقتها كما نراك نحن .

استرخى في مقعده, نفخ دخان سيجارته في الفضاء, قال وهو يرقب بحذر متسولًا قادمًا من بعيد:  لربما لا ترونني على حقيقتي كما أراها أنا, لكني فقير من أعماقي, أظنني كمن أُلقي به دون إرادته في بحر, لا أرض يطأها بقدمه, لا هو غريق فيستريح ولا حي فيطفو على البر.

اقرأ أيضا | «قد نفد رصيدكم» قصة قصيرة للكاتبة محمود حمدون