خالد محمود يكتب .. أفلام «منتدى برلين» تقاوم الصمت والنسيان

خالد محمود
خالد محمود

يواصل‭ ‬مهرجان‭ ‬برلين‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي‭ ‬رحلة‭ ‬استكشافه‭ ‬لمنابع‭ ‬سينمائية‭ ‬جديدة‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬فرصة‭ ‬تقديمها‭ ‬للجمهور‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬أفكارها‭ ‬عبر‭ ‬شاشته،‭ ‬وفي‭ ‬دورته‭ ‬الـ74‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬بالفترة‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬المقبل،‭ ‬يقدم‭ ‬المهرجان‭ ‬قسما‭ ‬خاصا‭ ‬بعنوان‭ ‬“المنتدى‭ ‬الخاص”،‭ ‬وسيكون‭ ‬مخصصا‭ ‬للأفلام‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬موقفًا‭ ‬ما،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬السبعينيات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عام‮ ‬2023،‭ ‬وتدور‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬حول‭ ‬جوهر‭ ‬وثائقي،‭ ‬وتجد‭ ‬أساليب‭ ‬مختلفة‭ ‬وأفكار‭ ‬ساخرة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬لمقاومة‭ ‬الصمت‭ ‬والنسيان،‭ ‬ويلجأ‭ ‬صناعها‭ ‬إلى‭ ‬الاستماع‭ ‬للآخرين‭ ‬لحقب‭ ‬زمنية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويجدون‭ ‬طرقًا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أرائهم‭ ‬كفئة‭ ‬عابرة‭ ‬للأجيال‭ ‬مبدعون‭ ‬ومثابرون‭.‬

إن‭ ‬طبيعة‭ ‬المقاومة‭ ‬–‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬بيئية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬–‭ ‬أصبحت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬موضوعًا‭ ‬للنقاش‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬رئيسة‭ ‬قسم‭ ‬المنتدى‭ ‬الخاص،‭ ‬باربرا‭ ‬وورم،‭ ‬وتضيف‭ ‬“كانت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أصواتًا‭ ‬عالية‭ ‬ومهيمنة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬كانت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إسماع‭ ‬صوتها‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬وتاريخ‭ ‬السينما‭: ‬تحذير‭ ‬أو‭ ‬تحليل،‭ ‬فردية‭ ‬وخطابية‭ ‬بارعة”،‭ ‬ومعظم‭ ‬أفلام‭ ‬المنتدى‭ ‬الخاص‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ (‬العلاقات‭ ‬والمقاومة‭)‬،‭ ‬وهنا‭ ‬نريد‭ ‬شحذ‭ ‬النظر‭ ‬نحو‭ ‬أشكال‭ ‬الجدل‭ ‬الأقل‭ ‬وضوحًا‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإيماءات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هادئة‭ ‬أو‭ ‬متواضعة‭ ‬في‭ ‬لهجتها؛‭ ‬لسينما‭ ‬مخصصة‭ ‬للعصور‭ ‬المهملة‭ ‬للمقاومة‭ ‬السياسية،‭ ‬والتي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والثبات،‭ ‬وتفكر‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التضامن‭ ‬والحوار‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬وتتساءل‭ ‬عما‭ ‬يجب‭ ‬التشكيك‭ ‬فيه‭: ‬العنف،‭ ‬والأدوار‭ ‬والتواطؤ،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬سينما‭ ‬ذات‭ ‬حس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الحاد،‭ ‬توقظ الوعي‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬وخلفها‭.‬‮ ‬

هناك‭ ‬فيلمان‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬هما‭ ‬“الأم‭ ‬والابنة”،‭ ‬أو‭ ‬“الليل‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬أبدًا”‭ ‬للمخرجة‭ ‬الجورجية‭ ‬لانا‭ ‬جوجوبيريدزي،‭ ‬95‭ ‬عامًا،‭ ‬والتي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إخراجه‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬سالومي‭ ‬أليكسي،‭ ‬و”أصوات‭ ‬الصامتين”‭ ‬للمخرجة‭ ‬بارك‭ ‬سو‭ ‬نام،‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬88‭ ‬عامًا،‭ ‬والتي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬وشاركت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬الفيلم‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬بارك‭ ‬مايوي،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬عاشت‭ ‬نصف‭ ‬حياتها‭ ‬بالفعل‭ ‬عندما‭ ‬بدلت‭ ‬القلم‭ ‬بالكاميرا‭ ‬لتروي‭ ‬قصة‭ ‬الكوريون‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬مابين‭ ‬“التمييز،‭ ‬العمل‭ ‬القسري،‭ ‬وآثار‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية”‭.‬

كلاهما‭ ‬فيلمان‭ ‬عن‭ ‬الأم‭ ‬والابنة،‭ ‬وكلاهما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬بإحساس‭ ‬بالثقة،‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تعليقات‭ ‬موضوعية‭ ‬للغاية‭ ‬على‭ ‬حاضرنا‭ ‬السياسي،‭ ‬كلاهما‭ ‬وضع‭ ‬نصب‭ ‬أعينهما‭ ‬تجارب‭ ‬العنف،‭ ‬ورسما‭ ‬معالم‭ ‬الأنظمة‭ ‬الأمومية‭ ‬الممزقة‭ ‬بينما‭ ‬يعيد‭ ‬مخرجاهما‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مسيرتيهما‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأفلام،

وتتكشف‭ ‬المجموعة‭ ‬أيضًا‭ ‬مع‭ ‬أفلام‭ ‬وثائقية‭ ‬مثل‭ ‬الألماني‭ ‬السويسري‭ ‬“تكنوا‭ ‬إيكاتشي،‭ ‬الأرض‭ - ‬حياتي”‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬إخراج‭ ‬أنكا‭ ‬شميد،‭ ‬و”تلك‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬تيريزين‭ -‬”Those Days in Terezín”،‭ ‬التي‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الحوارات‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬والعمل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭.‬

ففي‭ ‬الفيلم‭ ‬الأول‭ ‬نرى‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬جيمس‭ ‬داناكيومبتوا،‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬74‭ ‬عامًا‭ ‬آنذاك،‭ ‬يأتي‭ ‬فنانان‭ ‬سويسريان‭ ‬ليشهدوا‭ ‬ويوثقوا‭ ‬المقاومة‭ ‬“اللاعنفية”‭ ‬لـ”الهوبي”‭ ‬في‭ ‬أريزونا،‭ ‬الفيلم‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الرسومات‭ ‬والتصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬والرسوم‭ ‬المتحركة‭.‬

بينما‭ ‬في‭ ‬“تلك‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬تيريزين”‭ ‬أثناء‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أدلة‭ ‬حول‭ ‬“شابلن‭ ‬تيريزينشتات”،‭ ‬فنان‭ ‬ملهى‭ ‬الجيتو‭ ‬كاريل‭ ‬سفنك،‭ ‬يلتقي‭ ‬شونمان‭ ‬بمعارفه،‭ ‬وينشئ‭ ‬شبكة‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬تعني‭ ‬إحياء‭ ‬الذكرى‭.‬

فيما‭ ‬يوثق‭ ‬فيلم‭ ‬“تكوا‭ ‬إيكاتشي‭ ‬“Techqua Ikachi‭ - ‬بشكل‭ ‬مؤثر،‭ ‬التقاليد‭ ‬المتلاشية‭ ‬لمجتمع‭ ‬“الهوبي”،‭ ‬مرددًا‭ ‬نداء‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي،‭ ‬بينما‭ ‬يشيد‭ ‬فيلم‭ ‬“تلك‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬تيريزين”‭ ‬بفنان‭ ‬الكباريه‭ ‬كاريل‭ ‬سيفينك‭ ‬ومرونة‭ ‬الضحك‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أهوال‭ ‬المحرقة‭.‬

وهناك‭ ‬10‭ ‬أفلام‭ ‬للمخرجة ماريا‭ ‬لاسنيج،‭ ‬إنتاج‭ ‬نمساوي‭ ‬أمريكي،‭ ‬وهو‭ ‬فيلم‭ ‬“التربية‭ ‬الفنية”‭ ‬إنتاج‮ ‬1976،‭ ‬ويعرض‭ ‬لمشاهد‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬السادة‭: ‬فيرمير،‭ ‬بييرو‭ ‬ديلا‭ ‬فرانشيسكا،‭ ‬مايكل‭ ‬أنجلو‭.. ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬للنساء؟،‭ ‬لقد‭ ‬أصبحوا‭ ‬أعمالًا‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬ملهمات‭ ‬أو‭ ‬أمناء،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬بالكاد،‭ ‬يسأل‭ ‬آدم‭: ‬“لماذا‭ ‬ليست‭ ‬الله؟”‭.‬

و”تماثيل‭ ‬الباروك”‭ ‬إنتاج‭ ‬1970‭ ‬بطولة‭ ‬ليزبيت‭ ‬إيبيروين‭ ‬وويلي‭ ‬جابرييل،‭ ‬يصور‭ ‬الفيلم‭ ‬الأظافر‭ ‬المطلية‭ ‬باللون‭ ‬الأحمر‭ ‬والأيدي‭ ‬الرقيقة،‭ ‬وهي‭ ‬تدعو‭ ‬القديسين‭ ‬إلى‭ ‬الرقص‭ ‬أمام‭ ‬الكنيسة‭.‬

وفيلم‮ ‬“أغنية‭ ‬ماريا‭ ‬لاسنيج”‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬إخراج‭ ‬ماريا‭ ‬لاسنيج‭ ‬وهوبرت‭ ‬سيليكي،‭ ‬ويتناول‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬بيتًا‭: ‬“قصص‭ ‬رعب‭ ‬تراجيدية‭ ‬كوميدية‭ ‬رسمتها‭ ‬لاسنيج‭ ‬بنفسها‭ ‬والتي‭ ‬تأخذ‭ ‬شكل‭ ‬أغنية‭ ‬شعبية‭ ‬تغنيها‭ ‬لاسنيج‭ (‬إنه‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يبقيني‭ ‬شابًا‭ ‬دائمًا،‭ ‬فهو‭ ‬يجعل‭ ‬الروح‭ ‬جائعة‭ ‬ثم‭ ‬يملأها‭)!‬”

‮ ‬الفيلم‭ ‬الآخر‭ ‬لنفس‭ ‬المخرجة‭ ‬هو‭ ‬“كراسي‭ ‬جلوس”‭ ‬إنتاج‮ ‬1971،‭ ‬وفيه‭ ‬نرى‭ ‬كرسي‭ ‬هزيل‭ ‬يؤدي‭ ‬تمارين‭ ‬الجمباز،‭ ‬والكرسي‭ ‬المنجد‭ ‬ينتفخ‭ ‬ويتعرق،‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬الرسومات‭ ‬الهزلية‭ ‬تولد‭ ‬لحظات‭ ‬سينمائية‭ ‬خاصة‭ .‬

وفيلم‭ ‬“الأزواج”،‭ ‬ويعرض‭ ‬لمشاهد‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬يحاولون‭ ‬تحجيم‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬مباراة،‭ ‬أنها‭ ‬شهوة‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محلها،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬نرى‭ ‬قلوبهم‭ ‬تنزف‭. ‬

والفيلم‭ ‬التشيكى‭ ‬الألماني‭ ‬“تلك‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬تيريزين”‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬إخراج‭ ‬سيبيل‭ ‬شونيمان،‭ ‬وبطولة‭ ‬فيكتوريا‭ ‬حنا‭ ‬جاباي،‭ ‬مانكا‭ ‬ألتر،‭ ‬أورني،‭ ‬هانا‭ ‬فيالوفا‭-‬مالكا،‭ ‬إيرين‭ ‬رافيلوفا‭.‬

وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬السنغالي‭ ‬“رسالة‭ ‬من‭ ‬قريتي”‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬إخراج‭ ‬صافي‭ ‬فاي،‭ ‬وبطولة‭ ‬أساني‭ ‬فاي،‭ ‬ماجيت‭ ‬جاي،‭ ‬وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬نجور‭ ‬يحب‭ ‬كومبا‭ ‬بخجل،‭ ‬لكن‭ ‬أيضًا‭ ‬بإصرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الوثائقي‭ ‬الرائع،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬يحب‭ ‬صافي‭ ‬فاي،‭ ‬الذي‭ ‬توفى‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬كومبا،‭ ‬تصور‭ ‬المخرجة‭ ‬القرية‭ ‬السنغالية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬محيطها‭ ‬المركزي‭: ‬عمالها‭ ‬والدخن‭ ‬والفول‭ ‬السوداني‭ ‬وكأنه‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬البلاد‭.‬

;