فلسطين فى فكر ووجدان الزعيم الخالد

جمال عبد الناصر بريشة «مصطفى حسين»
جمال عبد الناصر بريشة «مصطفى حسين»

أضاءت الشعوب العربية يوم الإثنين الماضى 106 شمعات فى ذكرى ميلاد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذى حمل هم الشعوب العربية وانشغل بقضاياهم القومية، وجعل مصر فى عون حركات التحرر فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية، تأتى ذكرى ميلاد الزعيم وكلنا ألم وغضب من المجازر اليومية التى ترتكبها الوحوش الصهيونية فى غزة على مدى 100 يوم بما يكشف الصمود الأسطورى لأهلنا هناك، رغم نزيف الدم وهدم المنازل فوق الرءوس، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والمبانى الأثرية، مشاهد تؤكد مخططات الإبادة الجماعية لشعبٍ يناضل من أجل وطنه وحريته، وأطالع فى بعض اللقطات المصورة للمبانى المُهدمة صور جمال عبد الناصر التى كانت معلقة على الجدران فى منازل من أحبوه.


الضابط جمال عبد الناصر كان بجسده فى فلسطين أثناء حصار «الفالوجا» عام 1948 ضمن اللواء الذى كان متمركزاً فى قرية عراق المنشية بقيادة الأميرالاى سيد محمود طه، وشهدت البلدة مذبحة قام بها الصهاينة بعد انسحاب الجيش المصرى منها بعد فك الحصار، وظلت فلسطين فى قلب وفكر عبد الناصر الذى أرسل فى أغسطس 1961 برسالة للرئيس الأمريكى جون كينيدى يقول له فيها: «لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق وعداً ثم استطاع الاثنان، من لا يملك ومن لا يستحق، بالقوة والخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعى حقه فيما يملكه وفيما يستحقه، تلك هى الصورة الحقيقية لوعد بلفور الذى قطعته بريطانيا على نفسها، وأعطت فيه أرضاً لا تملكها وإنما يملكها الشعب العربى الفلسطينى عهداً بإقامة وطنٍ يهودى فى فلسطين، وعلى المستوى الفردى - سيادة الرئيس - فضلاً عن المستوى الدولى فإن الصورة على هذا النحو تشكل قضية نصب واضحة تستطيع أى محكمة عادية بالإدانة على المسئولين عنها».
وكشف جمال عبد الناصر هدف الاستعمار لزرع الكيان الإسرائيلى فى الجسد العربى فى واحدةٍ من خطبه قائلاً: «فلسطين قطعة من الأرض العربية، أعُطيت بغير سندٍ من الطبيعة والتاريخ لحركة عنصرية عدوانية، أرادها المستعمر لتكون سوطاً فى يده، يلهب به ظهر النضال العربى إذا استطاع يوماً أن يتخلص من المهانة، وأن يخرج من الأزمة الطاحنة كما أرادها المستعمر فاصلاً يعوق امتداد الأرض العربية، ويحجز المشرق عن المغرب، ثم أرادها عملية امتصاص مستمرة للجهد الذاتى للأمة العربية، تشغلها عن حركة البناء الإيجابى، كل ذلك تم بطريقة استفزازية لا تقيم وزناً لوجود الأمة العربية وكرامتها، إن سخرية القدر من الأمة العربية وصلت إلى حد أن جيوشها التى دخلت فلسطين لتحافظ على الحق العربى؛ كانت تحت القيادة العليا لأحد العملاء الذين اشتراهم الاستعمار بالثمن البخس، والعمليات العسكرية تحت هذه القيادة العليا كانت فى يد ضابط إنجليزى يتلقى أوامره من نفس الساسة الذين أعطوا للحركة الصهيونية وعد «بلفور» الذى قامت على أساسه الدولة اليهودية فى فلسطين، سنوات طويلة سوف تمضى قبل أن تنسى الأمة العربية مرارة التجربة التى عاشتها فى هذه الفترة، محصورة بين الإرهاب والإهانة، الأمة العربية خرجت من هذه التجربة بإصرار عميق على كراهية الاستعمار وهزيمته، خرجت بدرس عن حقيقة أن الاستعمار ليس مجرد نهبٍ لموارد الشعوب، إنما هو عدوان على كرامتها وكبريائها».


وعندما صدر العدد الأول من جريدة «الجمهورية» فى 7 ديسمبر عام 1953 كتب جمال عبد الناصر مقالاً فى الصفحة الأولى بعنوان «فلنصارح ولا نجامل» يكشف فيه خفايا النكبة والأسباب التى أدت لها، وتقول سطور المقال: «سعى الاستعمار البريطانى بعـد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى القضاء على القومية العربية، ناسياً أو متجاهلاً المساعدات التى منحها العرب للإنجليز ضد الأتراك خلال الحرب، فعملوا على الفصل بين العرب، وبث روح النزاع وإشاعة المطامع بينهم، وفى نفس الوقت عملوا على تمكين اليهود من فلسطين، وساروا فى هذه الخطة ولا هدف لهم إلا إضعاف العرب، والتفريق بينهم حتى يتمكن الاستعمار من كل وطنٍ عربى على حدة، وفى السنين الأخيرة بدأ الساسـة العرب فى معالجة مشاكل بلادهم والعمل على الربط بينهم، وتكوين وحدة عربية، ولكن هل استطاعوا فعلاً أن يحققوا أى هدفٍ من الأهداف التى نادت بها الشعوب العربية؟
الحقيقة أنه بالرغم من إنشاء الجامعة العربية، فإن النية لم تكن خالصة لوجه الله ولوجه العرب، فقد اتخذت الأهداف التى أجمعت عليها الشعوب العربية وسيلة للتجـارة والمساومة، فكان الساسة يحاولون دائماً أن يستخدموا هذه الأهداف لتحقيق المغانم الذاتية والمطامع الشخصية، وكانت النتيجة أن دب الشك فى النفوس، وفقدت الدول العربية ثقتها ببعضها، وبرغم القرارات الإجماعية التى كانت تُتخذ فإن معظمها كانت تشك فى أن ينفذ باقى الأعضاء ما استقر عليه الأمر، وكانت النتيجة أن تضاعف الحقد فى الصـدور، وتمكنت الضغائن من النفـوس، وزادت الفُرقة بين العرب، وكان الكسب للاستعمار وحده الذى وجد حكومات العـرب متنافرة فعـلاً وحقيقة، وإن اتحدت اسماً وشكلاً ومظهراً، فوجد الفرصة سانحة لتسليم فلسطين لليهود. وقامت حرب فلسطين وتعاهد قادة العرب باللسان على أن يُنقذوا فلسطين، ولكن الحقيقة أن كلاً منهم كان يريد شراً بأخيه، وكانت تتنازعه الأطماع، وكأنه لا يعرف أنه حين يطعن أخاه فإنما يطعن نفسـه، وخاضت جيوش العرب المعركة متفككة متنافرة، فحاقت بهم الهزيمة جيشاً بعد جيشٍ، وكانت كل دولة تصيح والكل يصيح معها ولكنها إذا طلبت العون لم تجد المعين.


فإذا أردنا اليوم أن نزيل آثار الماضى، وأن نحرر بلادنا من الاستعمار، وأن نحمى أنفسنا من غازٍ جديد. فإننى أرى أن تتصارح الدول العربية ولا تجامل، وأن تختلف ولا تنافق، حتى لا تُخدع الشعوب العربية، أو تُستغل قضــاياها لتحقيق مطامعٍ سياسية، أو أهدافٍ ذاتيـة.


فى هذا المقال عظة وضرورة يجب أن تتبعها الدول العربية فى هذا التوقيت الصعب الذى يهدد بالكثير من المخاطر المُتوقعة وغير المُتوقعة فى المنطقة.
«كنوز»