عاجل

حكايات| الطبري.. مفسر القرآن ومن أبرز مؤرخي التاريخ الإسلامي

الطبري
الطبري

تعج شوارع القاهرة بالكثير من الأسرار التي احتفظت بالكثير من الوقائع والأحداث والحكايات، والتي كانت شاهدة على تاريخ الوطن.

وتعد الشوارع كتاب مفتوح يروي تاريخ المدينة والأحداث التي وقعت بها، وتعد اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع هي صفحات الكتاب.

لأسماء شوارع القاهرة تاريخ معروف، حيث إنه قبل عهد محمد علي باشا كانت الأحياء والمناطق تحمل اسم القبيلة التي عاشت فيها في البداية أو منطقة يتجمع فيها أرباب حرفة معينة بينما البعض الآخر يحمل اسم صاحب قصر بني بهذه المنطقة.

اقرأ أيضا| حكايات| شارع حسن صبري.. رجل القانون الذي اختير رئيسًا للوزراء

وقرر حينها محمد علي أول حاكم لمصر إصدار مرسوم بتحديد أسماء الشوارع وتركيب لافتات تدل عليها وأرقام لكل مبني.

وتصحبكم «بوابة أخبار اليوم» في جولة لأهم شوارع القاهرة وأشهرها وتاريخها، من بينها: شارع الطبري بمنطقة مصر الجديدة بمحافظة القاهرة.

ويعد الإمام الطبري من أبرز المفسرين والمؤرخين في التاريخ الإسلامي، حيث اشتهر بكتابيه "تفسير الطبري"، و"تاريخ الطبري"، وذلك وفقا لما ذكره الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

وهو عالم جمع بين علوم التفسير والفقه والتأريخ وعرف بميله لعدم التقليد، حيث استطاع أن يوظف جملة من علومه في الفقه واللغة والدين والعقائد، في أن يخرج بتفسيره الذي صار مرجعا إلى اليوم. 

كان الإمام الطبري أكثر علماء عصره همة في طلب العلم وتحصيله وزهدًا في الدنيا، وفي تأليف أمهات الكتب، ومن كبار مؤرخي الأمة الإسلامية ورائد مدرسة التفسير، فمن أبرز المفسرين والمؤرخين المسلمين.

اقرأ أيضا| حكايات «شارع 19».. «الديوراما» لتجسيد شوارع القاهرة

مولده ونشأته

هو "محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري"، يُكنى بأبي جعفر، وعُرف بذلك، واتفق المؤرخون على أنه لم يكن له ولد يسمى بـجعفر، بل إنه لم يتزوج أصلا، ولكنه تكنَّى التزامًا بآداب الشرع الحنيف.

ولد سنة 224هـ/ 839م، وكانت ولادته بـ"آمُل" عاصمة إقليم طبرستان. 

ونشأ في هذه المدينة، وتربى في أحضان والده الذي غمره برعايته، ووجهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه في سن السابعة من عمره، وظهرت على الطبري في طفولته سمات النبوغ الفكري، وبدت عليه مخايل التفتح الحاد والذكاء الخارق والعقل المتقد، والملكات الممتازة، وأدرك والده ذلك فعمل على تنميتها وحرص على الإفادة والاستفادة منها، فوجَّهه إلى العلماء ومعاهد الدراسة، وساعده على استغلال كل هذه الطاقات دون أن يشغله بشيء من شئون الحياة ومطالبها، وخصص له المال للإنفاق على العلم والتعلم، وسرعان ما حقق الطبري أحلام والده، وزاد له في آماله وطموحه.

وحرص والده على إعانته على طلب العلم منذ صباه، ودفعه إلى تحصيله، فما كاد الصبي الصغير يبلغ السن التي تؤهله للتعليم، حتى قدمه والده إلى علماء آمل، وشاهدته دروب المدينة ذاهبًا آيبًا يتأبط دواته وقرطاسه. وسرعان ما تفتح عقله، وبدت عليه مخايل النبوغ والاجتهاد.

ولما ترعرع رحل في سنة 240 هـ، طلباً ‏للمزيد من العلم، ودخل البصرة فجلس بين يدي علمائها، وأخذ عن شيوخها كـ"محمد بن بشار" المعروف ببندار، و"محمد بن الأعلى الصنعاني"، ثم رحل إلى الشام، وقرأ القرآن ببيروت على "العباس بن الوليد"، وارتحل منها إلى المدينة المنورة وسمع من مشايخها، ثم سافر إلى مصر سنة 253 هـ، وأخذ عن "محمد بن إسحاق بن خزيمة"، وتلقى عن "يونس بن عبد الأعلى" و"الربيع بن سليمان صاحب الشافعي"، وغيرهم.

ورحل إلى الري وخراسان وطاف بالبلاد وجد في الأخذ عن علمائها وكبار الفقهاء، حتى تضلع في العلم وصار من أفراد الدهر علمًا وذكاًء وتصنيفًا، واستقر في أواخر أمره ببغداد، وانقطع للدرس والتأليف وقد شغله كل ذلك عن أن يتزوج أو أن ينشغل بمطالب الحياة.

محنته مع الحنابلة

قام الطبري بتأليف كتاب ضخم في اختلاف العلماء، ولم يذكر فيه الإمام أحمد بن حنبل على أساس أنه من كبار المحدثين، فظن الحنابلة أن الطبري قد تعمد ذلك للتقليل من شأن فقه الحنابلة، وثارت ثائرتهم عليه وشوشوا عليه في مجالسه، ونفروا الطلبة منه، وأقاموه بالقوة من حلقة الدرس، ومنعوه من الجلوس للتدريس، وحاربوه ومنعوه من الخروج من بيته ورموه بالحجارة.

ولما نقل الإمام الطبري دروسه إلى بيته، حاصروا منزله ومنعوا طلاب العلم من الدخول عليه، وظل حبيسًا في بيته يعاني الاضطهاد الشديد، وكان قد جاوز الخامسة والثمانين وأنهكته السنون، حتى توفي رحمه الله، وبلغت المحنة أوجها ووصل التعصب والغلو إلى ذروته، عندما ظل الحنابلة على حصارهم لبيت الطبري حتى بعد أن بلغهم خبر وفاته، مما دفع أصحاب الطبري لأن يدفنوه في صحن داره برحبة يعقوب ببغداد. 

ودفع التعصب المذهبي المقيت خصومه لأن يشيعوا عنه الأكاذيب والأباطيل ويلحقوا به صنوف الأذى والاضطهاد الشديد حتى مات محاصرًا مظلومًا مضطهدًا من الجهلة والمتعصبين.

مؤلفاته

ترك لنا الطبري ثروة علمية تدل على غزارة علمه، وسعة ثقافته، ودقته في اختيار العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وكان له صبر في البحث والدرس، فكان يعتكف على التصنيف، وكتابة الموسوعات العلمية في صنوف العلوم، ومن هذه المؤلفات:

- جامع البيان في تأويل القرآن، المعروف بتفسير الطبري.

- تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري.

- ذيل المذيل اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام، المعروف باختلاف الفقهاء، وهو في علم الخلاف لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام.

- الخفيف في أحكام شرائع الإسلام، وهو في تاريخ الفقه.

- بسط القول في أحكام شرائع الإسلام.

- صريح السنة، وهي رسالة في عدة أوراق في أصول الدين.

وفاته

عاش الإمام الطبري راهبا في محراب العلم والعمل حتى جاءته في يوم 26 من شهر شوال سنة 310هـ/ 923م على الأرجح، في عصر الخليفة العباسي المقتدر بالله، ودُفِن في داره الكائنة برحبة يعقوب ببغداد. 

وقد قضى الإمام الطبري آخر أيامه في بيته حيث عاش في محراب العلم إلى أن لقي ربه، عن عمر يناهز الـ 85 سنة، وكانت جنازته حدثًا.