أصل الحكاية .. «الشيخ إبراهيم بوركهارت».. مكتشف معبد أبو سمبل

الشيخ إبراهيم بوركهارت
الشيخ إبراهيم بوركهارت

ولد يوفان لودفيج بوركهارت، في لوزان بسويسرا عام 1784م، وانتقل إلى إنجلترا عام 1806م؛ بعد أن فقد عائلته أثناء حروب نابليون (1805-1815م)، ثم درس اللغة العربية في كامبردج، وفي الخامسة والعشرين من عمره أعلن عن اعتناقه الإسلام وعُرف بين الناس باسم «الشيخ إبراهيم بوركهارت»، كما أكده الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية.

وأضاف دكتور دقيل، أن بوركهارت حفظ القرآن وتفقه في الشريعة الإسلامية، هذا فضلا عن تخصصه في علوم الطب والكيمياء؛ وفي عام 1812م وصل إلى مصر بحثا عن قافلة متجهة إلى غرب أفريقيا؛ حيث كان يرغب في اكتشاف نهر النيجر؛ بعد أن وافقت الجمعية الأفريقية برئاسة السير "جوزيف بانكس" على عرضه مقابل أجر يومي قدره واحد جنيه، وقد ظل في مصر منتظرا مرور قافلة ليرافقها، ولما لم يجد تلك القافلة التي تحمله إلي مراده؛ قرر أن يستغل فراغه؛ ولما كان من هواة الرحلات؛ فقد سافر في رحلة نيلية إلى دنقلة بالنوبة، وفي طريقه وقع ما لم يُخطط له.

وأشار إلى أنه قد اكتشف معبد أبو سمبل وكان بذلك أول أوروبي يصل إلى المعبد في العصر الحديث، وحينها لم يكن يظهر من المعبد غير رؤوس تماثيل رمسيس الأربعة أمام الواجهة، في حين كانت باقي أجزاء التماثيل والمعبد لا تزال مدفونة تحت الرمال، وساعتها قال بوركهارت إنه إذا أزيلت تلك الرمال فسيتم العثور على معبد وقد كان، ووصف حال المعبد وصفا دقيقا فقد كان في كتاباته مولعا بكتابة كل صغيرة وكبيرة.

وبعد عودته من بلاد النوبة، قام برحلة أخرى إلى البحر الأحمر، ومن هناك قام بزيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، وظل في الحجاز أحد عشر شهرا، وأُصيب هناك بالملاريا وكاد أن يفقد حياته، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى وتوفي بها عام 1817م بعد إصابته بالطاعون، ودفن بمقابر باب النصر بالقاهرة، تاركا لنا كل ما سجله خلال رحلاته في مصر والنوبة وبلاد الحجاز الشام في أربعة مجلدات منها مجلد كامل عن بلاد النوبة ومصر.

كان بوركهارت ذا صبر وجلد عظيم، وصاحب همة عالية؛ فقد كان يتمرن على قطع المسافات الطويلة مشيا على أقدامه تحت أشعة الشمس مكشوف الرأس، كما كان يفترش الأرض ولا يأكل إلا الخضار ولا يشرب غير الماء، وتعمق في دراسة مصر ووادي النيل بشكل موسع. 

تعرف الشيخ إبراهيم بوركهارت في مصر على العديد من المسؤولين المصريين، كما تعرف على عدد من الأجانب الذين جاء بعضهم إلى مصر من أجل نهب آثارها التي كانت متاحة لكل من يريد!، فاستمع هؤلاء وهؤلاء لحديثه الممتع عن آثار مصر والنوبة، وعجبوا من قدرته على وصف المواقع الأثرية بدقة متناهية، لدرجة أن بلزوني، أحد أبرز ناهبي آثار مصر، كان يلجأ إليه في كثير من الأوقات لمشورته، بل إن "بلزوني" لم يكن يسمع عن معبد أبو سمبل إلا من خلال أحاديث بوركهارت، وهو ما دفع بـ بلزوني نحو العزم نحو الوصول إليه، وبالرغم من أنه فشل في المحاولة الأولى؛ إلا أنه استطاع أن يصل إليه في المرة الثانية، بل وأن يسلب منه معظم القطع الأثرية الثمينة التي كانت بداخله. 

وحكى الشيخ إبراهيم بوركهارت أيضا لـ بلزوني عن رأس تمثال "رمسيس الثاني"؛ التي رآها في طيبة، حيث أخبره بأنه رأى رأس تمثال ضخم من الجرانيت يُطلق عليه "ممنون الصغير" في مكان مهجور بجوار معبد ممنون على البر الغربي للنيل.

اقرأ أيضا| إلغاء مظاهر الاحتفال السنوي بعيد الآثاريين هذا العام تضامنا مع غزة

وبالرغم من أن الشيخ إبراهيم بوركهارت لم يكن على درجة من الجشع بآثار مصر كـ بلزوني، إلا أنه لم يكن أيضا قنوعا، فقد فكر في نقل رأس تمثال "ممنون الصغير" إلى بريطانيا، وعرض على محمد على باشا والي مصر أن يقوم بإهداء رأس التمثال إلى ولي عهد بريطانيا، ولكن محمد على -ومن حسن الحظ في ساعتها -لم ترق له هذه الفكرة وقال قولته المشهورة: "وأي ملك هذا الذي يريد أن يقتني حجرا؟". 

وعندما حكى الشيخ إبراهيم بوركهارت لـ بلزوني عن هذه الواقعة، عرض بلزوني عليه بأن يقوم بنقل التمثال إلى بريطانيا مقابل تحمل بوركهارت للمصاريف، ولكن بوركهارت لم يستطع تحمل تلك المصاريف فتحملها قنصل بريطانيا في مصر المدعو "هنري سولت" وقام بلزوني بالمهمة على أكمل وجه من الخسة والنذالة؛ وها هو تمثال رمسيس الثاني "ممنون الصغير" يُعرض الآن في المتحف البريطاني بلندن حتى يومنا هذا!.