طيور مهاجرة: لماذا أصبح حُلم الشباب هو الهجرة؟

كتاب طيور مهاجرة
كتاب طيور مهاجرة

عاطف‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد

اجتمع المُحَاورون على محاور ثابتة، هى أن الهجرة قد تكون سهلة جدًّا أو صعبة جدًّا، لكن المهم هو أن المهاجِر يكون لديه استعداد جدى لتقبل الآخر، لاستيعاب الاختلاف، أن يكون متسلحًا بالعلم واللغة، ولديه استعداد أن يتعلم من جديد، بل يبدأ حياته كلها من جديد.

هذا ما يقوله الكاتب الصحفى حسام عبد القادر فى كتابه «طيور مهاجرة.. حوارات عن الغربة والسفر» الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، وفيه يتساءل هل يعلم هؤلاء الحالمون مدى المعاناة والصعوبات التى ستقابلهم عندما يعبرون المطار لتحقيق حلمهم؟ ولماذا أصبح حلم الشباب هو الهجرة والحصول على الجنسية الأجنبية؟ مجيبًا أن الذين هاجروا يتفقون على أن المهاجر سيعمل هناك بجد وسيتعب وسيواجه تحديات كبيرة إن لم يكن على المستوى المهنى المطلوب، لكنه سيجد نتيجة لتعبه وسوف يرتقى ويصعد بسرعة طالما اجتهد وثابر، لأن هناك تقديرًا كبيرًا للجهد والعلم.

هنا يشير عبد القادر إلى أن قضية الهجرة تشغله دائمًا بشكل شخصى، وكان يتابع، بكل شغف، ما يحدث من هجرات غير شرعية لشباب فى عمر الزهور، متسائلًا لماذا يفعلون ذلك، وحين اكتشف أن له أصدقاء كثيرين مهاجرين إلى دول عديدة، وأنهم استطاعوا أن يحققوا الكثير من النجاحات المشرفة لهم ولبلدانهم الأصلية، قرر  أن يُجرى معهم حوارات كى ينقل تجربتهم للقارئ، هذه الحوارات أجريت على فترات مختلفة، ولاقت، بعد نشرها متفرقة، ردود أفعال جيدة جدًّا من القراء والمتابعين، وهذا ما دفعه إلى جمعها فى كتاب لعله يكون ذا فائدة للقارئ بشكل عام، ولمن يريد أن يهاجر بشكل خاص.

مكانة بارزة

فى «طيور مهاجرة» نجد قصصًا متنوعة يمكنها أن تكون دليلًا للتعرف على الهجرة، وتشجع على أخذ الخطوة والذهاب إلى المطار، وقد تشجع على البقاء ببلداننا نكافح ونجنى ثمارنا داخلها، وهنا تعمد عبد القادر ألا يركز على نماذج مصرية فقط، بل وعربية أيضًا، وأن يكون هناك تنوع فى تخصص كل شخصية حتى تكون الخبرات والتجارب متباينة، مقدِّمًا نماذج من المرأة المصرية والعربية التى استطاعت أن تحتل مكانة بارزة فى دول المهجر وتحقق إنجازات واضحة فى مجتمعها، مثلما قدم نماذج لمَن تزوجوا بأجنبيات وكانت زيجات ناجحة جدًّا، عكس ما يتصور البعض من خلال الدراما والإعلام.

مغامرات ومفاجآت

فى كتابه هذا يحاور حسام عبد القادر د. حسن عبد ربه المصرى الذى أراد الهجرة إلى أستراليا فذهب إلى إنجلترا ليصبح خبيرًا إعلاميًّا، محمد غنيم الذى تقف قصة حب وراء قصة كفاحه ليكون رجل أعمال وأديبًا مشهورًا فى إيطاليا، ميرفت خليل وحكاياتها فى القصر الملكى الإنجليزى، جمال حسان التى واجهت أوجاع الناس بالأدب وعلم النفس، شريف مليكة الشاعر والروائى المصرى الذى يحيا فى المهجر ويعيش فى مصر ويعالج الألم ويكتب عنه، ياسمين السلكاوي: ياسمينة مصر فى النمسا، عاطف يوسف، وليد أحمد حسين العمدة الذى جعل مهمته مساعدة المصريين والعرب فى كندا، ليلى الحسينى رمز من رموز الجالية العربية فى أمريكا، د. دلال مقارى المرأة العربية الوحيدة التى تقوم بالعلاج عن طريق خيال الظل، رؤى الكيال المهاجرة التى لم تسعَ للهجرة، ريمون سليمان أشهر مدون على الإنترنت فى مجال الهجرة.

أما محمد غنيم رجل الأعمال والأديب الإيطالى مصرى الأصل، الذى يصف عبد القادر قصته بأنها تصلح لفيلم سينمائى لأن أحداثها مليئة بالمغامرات والمفاجآت، وبها مواقف كثيرة تقدم عظات وتحمل مواقف وطنية، فيقول فى حواره معه إن ارتباطه بمصر هو ارتباط الفلاح بأرضه، فالفلاح المصرى يعيش بداخله ويشعر بالفعل أن مصر هى أمه، متمنيًا أن تكون مصر أحسن بلدان العالم، وهو يعشقها ناسًا وأرضًا مهما حدث بها من مشكلات، مضيفُا أنه استطاع أن يربى أولاده على العادات والتقاليد الشرقية، أما ميرفت خليل فتقدم فى حوارها نصائح لأى مهاجر إلى إنجلترا منها أن يلتزم بقوانين البلد المضيف، وأن يلتزم بشروط الإقامة هناك وعدم إثارة المشكلات، فالقوانين هناك تطبق على الجميع سواسية، مضيفة أن الهجرة لها فوائد كثيرة منها البحث عن المال والعلم والبحث عن الذات، محذرة من محاولات الوصول إلى دول الهجرة بشكل غير شرعى، مؤكدة أن هناك اختلافات كثيرة بين الثقافتين العربية والأوروبية، وأن المصرى لديه تحدٍّ داخلى فى تحقيق أهدافه، ولديه دائمًا رغبات فى إثبات ذاته وتحقيق نجاحات مختلفة.

الطب والإبداع

فى مقدمته لحواره مع دكتورة جمال حسان التى تبحث عن الأمل فى دوامة يعيشها الإنسان بداخله من نوازع ودوافع غريزية ونفسية، يقول عبد القادر إن هناك علاقة ما بين الطب والإبداع، فكثير من المبدعين أطباء، ويبدو أن مهنة الطب لها تأثير كبير على تنمية الحس الإبداعى لدى الإنسان، ومواجهة أوجاع الناس بأنواعها وأشكالها المختلفة تخلق حالة إبداعية تنمى الإبداع عند ممارسة المهنة وتفجر لديه طاقات إبداعية متنوعة من شعر وقصة ورواية، فيما تتحفظ د. جمال حسان على لفظ «يهاجر» لأن مضمونه يوحى بالقطيعة والابتعاد كليةً عن الوطن الأم، وهذا له مردود سلبى على الشخص الذى يبنى حلمه فى مكان آخر، لأن التجربة ذاتها صعبة على كل المستويات، وعلى من يرغب ببناء حياة كريمة له وتحمّل عبء أسرة فى بلد غريب أن يقيّم إمكانياته الحالية بدقة وصدق، كى يتمكن من تحسين أوضاعه المعيشية وتطوير قدراته، ذاكرة أن فكرة الهجرة قد تنبع فى بعض الأحوال كهروب من ظرف طارئ، أو متاعب شخصية قد تتفاقم فى البلد الجديد، ومن ثم فالقرار يُفضل أن يكون عقلانيًّا محضًا، قائمًا على خطة تشمل كل احتمالات الفشل قبل النجاح، ثم التوكل على الله، واصفة الغربة بأنها شعور قاتل فى داخل البشر، لا يحده مكان أو زمان، ويمكن أن نعيش غرباء داخل أنفسنا أو بيوتنا أو مجتمعنا.

فيما يرى شريف مليكة الروائى والطبيب المصرى الذى هاجر إلى أمريكا أن الهجرة بمثابة معركة طويلة الأمد يخوضها المرء مع بزوغ شمس كل صباح، مؤكدًا أنه لا يدين بالولاء إلا لعقله وضميره إزاء القضايا المحلية أو الدولية المختلفة، محاولًا أن يُحدث التوازن الثقافى والاجتماعى بين الشرق والغرب، كذلك تسعى المصرية ياسمين السلكاوى إلى تسليط الضوء على الأماكن السياحية المصرية مقدمة إياها للمجتمع النمساوى بشكل خاص، ولكل أوروبا بشكل عام، مشيرة إلى أن تعليم اللغة زادها قدرة على التأقلم والاحتفاظ بهويتها، بينما يؤكد عاطف يوسف أنه لكى تعيش مرتاح البال فى الغرب فعليك أن تعيش الغرب بكل ثقافته وعلمه وكيانه، أما أن تغرف من هنا ومن هناك فلا مجال لـ»بين بين» وتلك هى فلسفة الشرقى الشفهية التى طبقها الغرب ولم يكتبها الشرق ولم يأخذ بها أيضًا.

طموحات وأهداف

أما ليلى الحسينى فتقول لعبد القادر إن ما ينقص العرب هو وضع استراتيجيات للنجاح وأن يكون لديهم طموحات وأهداف بعيدة المدى من خلال لوبى عربى قوى، والانخراط مع المنظمات المهنية فى أمريكا، التى تساعد الشباب وتوجهه نحو الطريق الصحيح، وأيضًا تجاوز الانقسامات الحادة التى تعكس صورة الانقسام الحاصل فى البلدان العربية، مشيرة إلى أن المرأة العربية قد حققت نجاحات باهرة، بينما دلال المقارى التى تعيش فى ألمانيا يذكر عبد القادر أنها تُلقب بسيدة الأرض، ورُشحت لجائزة نوبل، تكافح الإرهابيين بالفن، وهى متعددة الثقافات والجنسيات، وهى أيضًا كتلة مواهب متعددة من تمثيل، نقد، إخراج، رسم، شعر، قصة، وهى من أصول جزائرية، ولدت فى سوريا، والداها من فلسطين، وتحمل الجنسيتين الهولندية والألمانية، وتقول إنها دائمًا مع الفئات المهمشة وهى فى حالة بحث وترحال، وهى المرأة العربية الوحيدة فى العالم التى تعالج عن طريق فن خيال الظل، وتستخدم تقنيات هذا الفن فى العلاج النفسي.

أما عن رؤى الكيال فيكتب عبد القادر قائلًا إنها لها رؤية وفلسفة فى كل الحياة وتجاربها، هى امرأة متمردة على عادات وتقاليد وموروثات مجتمعها، تحب التجربة وتؤمن بالحرية كاملة، ولديها طموحات وأحلام لا تنتهى، تعطى طاقة إيجابية هائلة لكل من يتعامل ويتواصل معها، وهى كيميائية عاشقة للأدب، كندية من أصل سورى، وتقول إنها ثائرة على الفساد وترفضه بشدة، وتنصح القادم إلى كندنا أن يُخرج نفسه تمامًا من المحيط العربى، أن ينفتح على الآخرين، ويتقبل العالم والاختلاف مهما كان.

وعن المعاناة يقول الكاتب إنها تنبع من داخل المهاجر المتعنت فى التعامل مع البيئة الثقافية التى انتقل إليها باختياره ورغبته، فالاعتدال فى التعامل مع موروثات المجتمع الذى انتقل إليه تفرض عليه احترام العادات والتقاليد التى يقوم المجتمع عليها، وتفرض عليه حسن التعامل مع الموروثات التى تظلل علاقاته كالاحتفالات والمناسبات التى يحتفل بها مجتمعه الجديد، وهو ما يجعله مندمجًا فى مجتمعه ويعيش، غير معزول، فى ألفة اجتماعية، مؤكدًا أن المهاجر الذى ينجح فى مجاله يتحول إلى رمز لبلده الأصلي.

علماء ناسا

ورغم أنه لم يُجرِ حوارات معهم إلا أن عبد القادر  خصص الجزء الأخير من كتابه هذا للحديث عن خمسة وعشرين عالمًا عربيًّا يعملون بوكالة ناسا، وكيف استطاعوا تحقيق نجاح باهر وكبير، ساعيًا إلى تسليط الضوء عليهم نظرًا إلى إنجازاتهم الضخمة، ومنهم من لم يتم تسليط الضوء عليه من قبل، قائلًا عنهم إنهم نماذج مشرقة لطيور مهاجرة، وصلت وحققت إنجازات رائعة جعلتهم فخرًا لبلدانهم الأصلية، ذاكرًا أن العلماء العرب قدموا للبشرية على مدى قرون اختراعات واكتشافات هائلة استطاعت أن تغير العلوم المختلفة، ولا يزال العقل العربى يقدم الجديد ويبتكر من خلال إنجازات تستحق التقدير على مستوى العالم، وسط هذا التطور الرهيب فى مجالات العلوم والتكنولوجيا المختلفة، ومن أهم إنجازات العلماء العرب وجود نخبة متميزة داخل صرح علمى كبير هو وكالة الفضاء الأمريكية ناسا،  ومن هؤلاء العلماء الذين يتحدث عنهم حسام عبد القادر هنا: أسماء بوجيبار، سلوى رشدان، خلود كاهيم، كمال الدوغيرى، سعيد العلوى، مصطفى بوسمينة من المغرب، فاروق الباز، عصام حجى، عصام معروف، وهانى مصطفى من مصر، ومن فلسطين لطفى مزيد عياد، عصان النمر، سليمان بركة، سها القيشاوى، ومن السودان الرشيد زكريا على الطاهر، وداد المحبوب وزوجها عبد المجيد أحمد ونجوى عباش، ومن الجزائر نور الدين ميكيليشى ويوسف تومى كمال، وشارل العشى ومصطفى شاهين ومحمد الأوسط العيارى من لبنان.

إقرأ أيضاً : ريم داوود: «إيلينا تعرف» للأرجنتينية كلاوديا بينيرو