هانى المصطفى يكتب .. مقايضة

ابداع
ابداع

خرجوا للتو من هناك، أربعة رجال إطفاء وشرطيان وطبيب وممرض وجثة نحيفة لسيدة مسنة كثيفة الشعر الأبيض أكلها السل فى صمت تحت مرأى ثلاث قطط شيرازى اختفت فى اللحظة التى كُسر فيها باب المنزل.

تتخلص الصالة الآن من رائحة الموت التى عبأتها لمدة أربعة أيام أو يزيد. وتعود الحياة للكرسى الذى كانت تجلس عليه صاحبة الجثة محتضنة الوسادة تجتر ذكريات تعوضها عن أفلام ومسلسلات كانت تود مشاهدتها على تلفازها الذى لا يعمل. على الطاولة المقابلة، تخرج بعض الكائنات المجهرية من بقايا القهوة داخل الكوب لتستمتع بالحياة التى كانت تقضى عليها مساحيق غسل الصحون. تتوق هذه الكائنات المجهرية إلى النمو بدرجة كافية فتمكنها من اكتشاف وربما التهام كائنات مجهرية أخرى بدأت تشم رائحتها المنبعثة من داخل البرتقالات فى الصحن المجاور. قد تتفق مجموعتا الكائنات المجهرية على المقايضة بشكل حضارى، قليل من القهوة فى مقابل قليل من البرتقال. هكذا حصلت صاحبة الجثة على معظم قطع الديكور فى هذا المنزل بمقايضتها مع سكان حيها الوافدين الجدد فى طقس يحدث فى مطلع كل فصل تتبادل فيه الحاجيات ولا تتبادل فيه الكلمات فى طقس مقايضة صامت. ففازات الورود هذه التى تتدلى منها زهور أقحوان حزينة الآن وعرائس الماتريوشكا التى بجانبها حصلت عليها فى مقابل جهاز فيديو جيم تسعيناتى تركه أولادها الثلاثة منذ سنوات وراءهم عندما ذهبوا إلى الجامعة ولم يعودوا لها منذ غادروا المنزل. أما تلك الصحون الخزفية ذات الرسوم شرق الأوروبية قايضتها بإطارات صور مذهبة بعد أن فرغتها من صور أولادها. وإبريق الشاى الآسيوى هذا وأكوابه الصغيرة الزرقاء المنمقة هذه قايضتها بهواتف أبنائها الخلوية القديمة.

الآن تجلس هذه الفازات والزهور الذابلة والصحون الخزفية مع عرائس الماتريوشكا حول إبريق الشاى وأكوابه المنمقة مع بعضها تودع آخر أشعة الشمس قبل أن تغادر فى المساء لآخر مرة. غداً سيتفرق هذا الجمع إلى منازل أصحابه الأصليين عندما يأتون لتفريغ المنزل من محتوياته قبل عرضه للبيع فى المزاد العلنى لصالح مجلس المدينة. وسيتحول هذا المنزل بعد بيعه بسنتين إلى حضانة لأطفال سكان الحى من الوافدين الجدد.

إقرأ أيضاً : سمر طاهر تكتب .. بالميّت!