ذوي الاحتياجات الخاصة في «الأفران»| المجتمع الدولي مُطالب بحمايتهم من جرائم الاحتلال

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: هانئ مباشر

تتفاقم أوضاع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة حيث القصف العنيف وتداعيات وقف إمدادات الغذاء والدواء والماء والكهرباء، ونزوح تسعين بالمئة من السكان فى ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد واكتظاظ مراكز الإيواء وبرودة الطقس وقلة الإمكانيات والضغوط النفسية الصعبة جدا، وفى جميع الأحوال يبقى الأشخاص ذوو الإعاقة الفئة الأكثر هشاشة، ولا سيما فى أوقات الكوارث وقدرتهم على التعامل معها.

◄ الاحتلال يتعامل معهم بوحشية وهمجية وبلا إنسانية

◄ مطلوب تدخل دولى عاجل لإنقاذ «ذوى الهمم» في غزة

وذوي الإعاقة يمثلون مكوناً أساسياً من مكونات المجتمع الفلسطيني، نظراً لطبيعة الإعاقات الموجودة لديهم، حيث بلغت نسبتهم استناداً إلى بيانات الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى لعام 2021 حوالى 2% من مجموع السكان، وهم ضمن عدد من الفئات، فئة منهم من وجدت الإعاقة معهم منذ ولادتهم، وفئة أخرى ناتجة عن ظروف العمل والإصابة أثناء قيامهم بأعمالهم، وفئة أخرى ناتجة عن ظروف مرضية وصحية، وفئة أخرى- وهى التى تعنينا هنا بشكل خاص- ناتجة عن تعرضهم للتنكيل والتعذيب والاستهداف من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

◄ المستلزمات الطبية
ووفق دراسة أعدها مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية «شمس»، وهو مؤسسة أهلية مستقلة فلسطينية، فإن ذوى الإعاقة فى المجتمع الفلسطينى يعانون وخاصة فى قطاع غزة من الكثير من المشكلات تأتى فى مقدمتها عدم توفر الأدوات والمستلزمات الطبية - من مستلزمات سمعية، بصرية، حركية وغيرها - لهم بسبب الحصار الإسرائيلى المستمر المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007م، وبعد السابع من أكتوبر 2023 تضاعفت المشكلة بسبب العدوان الإسرائيلى الهمجى والذى زاد من الألم والمعاناة على كافة فئات المجتمع وخاصة ذوى الاحتياجات الخاصة، مما أدى إلى استشهاد أعداد كبيرة وذويهم نتيجة القصف والتدمير الممنهج للمبانى السكنية والمنشآت المدنية.

وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في استخدام شتى أنواع العقوبات الجماعية من الحصار والتجويع وتدمير البيوت والمدارس والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، والتهجير القسرى الذى ألقى بظلاله على ذوى الاحتياجات الخاصة وعائلاتهم فى زيادة الألم والمعاناة أثناء التهجير وصعوبة الحركة وعدم توفر وسائل النقل أثناء النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، ويمثل ذوو الاحتياجات الخاصة فى المجتمع الفلسطينى أكثر الفئات تضرراً من هذا العدوان نظراً لظروفهم واحتياجاتهم وحالتهم الصحية والحركية والإدراكية وحاجتهم إلى أشخاص آخرين لمساعدتهم على القيام بحاجاتهم الأساسية.

عمليات استهداف ذوى الإعاقة من قبل الاحتلال الإسرائيلى هو انتهاك لكل القيم والأعراف الأخلاقية والدينية، وانتهاك جسيم للقانون الدولى الإنسانى وللقانون الدولى لحقوق الإنسان ولما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة من قرارات، لاسيما القرار رقم 2856 لسنة 1971 بشأن حقوق الأشخاص المتخلفين عقلياً، والقرار 3447 لسنة 1975 بشأن الحقوق المتكافئة للأشخاص المعاقين مع غيرهم من البشر، والقرار رقم 37/52 لسنة 1982 بشأن برنامج العمل العالمى للمعاقين، وللاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة فى 2021، إذ أكدت ديباجة الاتفاقية على أن الدول الأعضاء تضع فى اعتبارها أن توفر أوضاعاً يسودها السلام والأمن القائم على الاحترام التام للمقاصد والمبادئ المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة واحترام صكوك حقوق الإنسان السارية هى أمور لا غنى عنها لتوفير الحماية الكاملة للأشخاص ذوى الإعاقة، ولا سيما فى حالات النزاع المسلح والاحتلال الأجنبي.

وأكدت المادة رقم 10 منها على أن لكل إنسان الحق الأصيل فى الحياة وتتخذ جميع التدابير الضرورية لضمان تمتع الأشخاص ذوى الإعاقة فعلياً بهذا الحق على قدم المساواة مع الآخرين، والمادة رقم 11 على أن تتعهد الدول الأطراف وفقاً لمسؤولياتها الواردة فى القانون الدولي، بما فيها القانون الإنسانى الدولى وكذلك القانون الدولى لحقوق الإنسان، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوى الإعاقة الذين يوجدون فى حالات تتسم بالخطورة، بما فى ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية، وانتهاك أيضًا للقانون الدولى الإنساني وخاصة لاتفاقية جينيف الرابعة التى تحمى المدنيين وتدعو إلى تحييدهم عن أماكن الاشتباك والعمليات العسكرية.

◄ كرامة البشر
وفى الحالة الفلسطينية فإن ذوى الإعاقة يعانون من الكثير من المشاكل وذلك يعود إلى عدم توفير بيئة ديناميكية حاضنة لهم فى المجتمع فى ظل الارتباط المباشر بالتنوع واحترام كرامة البشر واتخاذ كافة التدابير لتعزيز دور الأشخاص ذوى الإعاقة فى المجتمع وعدم التمييز ضدهم، وإلزامية وضمان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المقرة لهم فى القانون الدولى والوطني، إذ يعانون من مشاكل ناجمة عن عدم توفير البيئة الآمنة الحاضنة لهم فى ظل الواقع الذى فرضه الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة يمثل اعتداء على كافة القيم الإنسانية والأخلاقية التى تضمن ظروفاً وبيئة آمنة للأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة، وتدعو إلى توفير مناطق آمنة لهم كمدنيين ومراعاة ظروفهم الصحية، ولكن هذا الاحتلال يتعامل بطريقة وحشية وهمجية وبلا إنسانية مع كل ما هو فلسطينى وفق سياسة ممنهجة ومخطط لها بشكل مسبق فى ظل صمت دولى رهيب على تلك الممارسات العدوانية إلى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.

وهناك حاجة ماسة لتدخل دولى عاجل لتحييد المدنيين وخاصة ذوى الإعاقة عن كل ما تقوم به إسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال من جرائم فى قطاع غزة، وإلزامها بذلك استناداً إلى القوانين الدولية ووضع حد لمعاناة هذه الفئة من المجتمع التى لا تشكل أى تهديد أو أى خطر على العدو الإسرائيلي، وإن تعامل الاحتلال مع تلك الفئة كأهداف عسكرية هو تعبير عن الإرهاب العميق والمتجذر فى الفكر الصهيونى والذى يدعو إلى إفناء الآخر وينظر إلى الآخرين بنظرة دونية.

◄ القتل والمت
ونظرًا للحالة الخاصة للفلسطينيين التى يتميزون بها عن باقى ذوى الاحتياجات الخاصة فى العالم فإن الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال للفلسطينيين بنية القتل والموت تجعل قضية ذوى الاحتياجات الخاصة قضية حيوية فى المجتمع بسبب تزايد الأعداد منهم بفعل سياسة القمع والقتل التى تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطيني، مما يفرض لزاماً على الجميع أن يكون هناك قانون يضمن ويوفر ظروفاً حياتية كريمة لذوى الاحتياجات الخاصة فى المجتمع الفلسطيني، وفى حالة استثنائية مميزة عن باقى الدول والمجتمعات نظراً للخصوصية التى يتمتع بها الشعب الفلسطينى بأنه مازال يرزح تحت الاحتلال واستمرار حالة الكفاح والنضال ضد المحتل مما يؤدى إلى المزيد من حالات الإعاقة فى المجتمع الفلسطيني، وهناك تزايد فى معدلات الإعاقة بين السكان فى قطاع غزة بسبب ما يتعرضون له من عدوان ممنهج من قبل القوات الإسرائيلية، حيث يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة صعوبات جمة فى الوصول إلى أماكن آمنة، كما أن الحرمان من الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والماء والغذاء؛ يعرض الأشخاص ذوى الإعاقة لمخاطر متزايدة بما فى ذلك خطر الخسائر فى الأرواح.

وضع آخر مأساوي يعاني منه أطفال غزة، ويندرج تحت بند جرائم الإبادة الجماعية، وهم الأطفال المولودون قبل اكتمال أشهر الحمل، ويطلق عليهم اسم «الأطفال الخدج» أو المبتسرين؛ والذين ازداد وضعهم سوءا مع تزايد المشكلات الصحية التى تضرب قطاعات مهمة داخل غزة، أهمها قطاع الصحة والمستشفيات التي أصبح يعانى المرضى منها؛ من نقص حتى الإمدادات الأولية اللازمة للحياة، وفيها أصبح يعانى الأطفال المبتسرون، من خطر القدرة على النجاة والبقاء على قيد الحياة، الأمر الذى وصل إلى حد انقطاع الكهرباء عن المستشفيات التي تضم عددًا كبيرًا من الحضانات اللازمة لبقاء الأطفال على قيد الحياة..

بل ووصل الأمر إلى لفهم ببطانيات الألومنيوم ووضعهم بجوار الماء الساخن في محاولة يائسة لإبقائهم على قيد الحياة بعد نفاد إمدادات الأكسجين، وكان عليهم نقل الأطفال يدويا من حاضنات وحدة الأطفال حديثي الولادة، ووضعوا في سرير واحد. وقد توفي العديد من الأطفال أثناء وجودهم في وحدة العناية المركزة، وسط استمرار قصف إسرائيل وحصارها لغزة، ولولا قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي وجهود أجهزة الدولة المصرية في سرعة استقبال مصر لأطفال غزة «الخدج» - الذين ولدوا قبل الأسبوع 37 من تمام الحمل حسب تعريف اليونيسيف، حيث دخل (28) من الأطفال الخدج من معبر رفح إلى مصر لتلقى العلاج فى مستشفياتها.. حيث استقبلتهم الأطقم الطبية- بتكليف من الرئيس السيسى.. ولولا هذا القرار لكان الوضع أكثر مأساوية.

◄ تدخل دولي
وتوضح هبة هجرس، المُقرر الخاص المعنى بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة بالأمم المتحدة، أن القوانين والمواثيق الدولية بل والأعراف توجب أطراف النزاع- أى نزاع- على الأخذ فى الاعتبار وضعية الأشخاص ذوى الإعاقة عند القيام بأعمال قتالية، بما فى ذلك التحذيرات من وقوع هجمات، لا سيما أن وسائل النقل الآمنة والمتاحة والأدوات المساعدة غير متوفرة للفرار من الخطر، بل ويجب أيضًا تزويد عمال الإغاثة والوكالات العاملة فى مجال الدعم الإنسانى لغزة بالموارد الكافية لضمان مراعاة احتياجات الأشخاص ذوى الإعاقة فى هذا السياق، حيث يجب ألا يتم ترك الأشخاص ذوى الإعاقة خلفهم لأن أسرهم وفرق الإغاثة غير قادرة على تقديم الدعم اللازم لهم، ولفتت إلى أن الطريقة التى تتم بها العمليات العسكرية الإسرائيلية لها عواقب كارثية على جميع المدنيين، بمن فى ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، وتنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وفق- المادة 11- وتتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2475 لسنة 2019 بشأن حماية الأشخاص ذوى الإعاقة أثناء النزاعات المسلحة.