حديث الأربعاء

تحويلات المصريين بالخارج

محمد سلامة
محمد سلامة

جاءنى صوته عبر «الموبايل» يسألنى على استحياء ... سعر الدولار كام النهارده ؟! ... قبل أن أبادره بتساؤل تهكماً على سؤاله ... السعر الرسمى فى البنوك وشركات الصرافة ؟! ... أم السعر غير الرسمى بالسوق الموازية أو «السوق السوداء» ... استرسل صاحبنا  فى سؤاله ولم يعطنى فرصة ... أكمل حديثه بينما بدت نبرات صوته أكثر شجوناً يكاد يبديه ... فى الحقيقة جالى مبلغ من أخويا بره  ... كنت عايز أعرف سعر الدولار فى السوق السوداء النهارده  ... أبيع ولا أستنى شوية يمكن السعر يزيد كمان ؟! ... أسترسل فى حديثه فى محاولة لتبرير سؤاله ... انت عارف تكاليف الحياة ... مصاريف الولاد فى المدارس والجامعات الخاصة ... لم أجد أمامى سوى أن أصدمه بأننى غير متابع او بالأحرى غير مهتم بمتابعة أسعار الدولار فى السوق الموازى أو «السوق السوداء» لأسبابى الخاصة التى أرى معها أن تلك السوق السوداء أو السوق الرمادى كما يطلق عليها البعض، بعيداً عن أنها غير «شرعية» دينياً ... وأخلاقياً ... لكنها بالتأكيد وراء ارتفاعات الاسعار غير المبررة التى طالت كل شىء بمستويات شبه يومية يحددها تجار «فجار» يتربحون ... يزايدون على الاسعار ... يشعلونها «لحظياً» لحصد مكاسب على حساب الجميع دون استثناء، ... الأكثر من هذا  معاناتهم شخصياً من اشتعال أسعار يشكون ارتفاعها !!!  ... أحدث تقرير للبنك الدولى حول الهجرة والتنمية كشف عن تحويلات خارجية إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تتجاوز 669 مليار دولار العام السابق 2023 بزيادة 3.8% عن العام الاسبق 2022 ... اقتصر نصيب مصر منها على 24 مليار دولار فقط مع توقعات بتراجع الدخل الحقيقى للعاملين بالخارج هذا العام 2024 تحت ضغط ارتفاع التضخم العالمى  ... انخفاض آفاق النمو الاقتصادى ... وفق مؤشرات ضعف النشاط الاقتصادى العالمى من المتوقع أن يتراجع نمو التحويلات الخارجية إلى تلك الدول منخفضة ومتوسطة الدخل العام الحالى 2024 بمعدل3.1%  فى ظل تنبؤات متواضعة بتباطؤ النمو الاقتصادى ... احتمال تراجع أسواق العمل فى البلدان مرتفعة الدخل  ... تقلب أسعار البترول ... ... تباين أسعار صرف العملات العالمية على خلفية تراجع اقتصادى أكبر من المتوقع فى البلدان مرتفعة الدخل ... يبقى السؤال هل دخلت تلك التحويلات الخارجية من المصريين العاملين بالخارج على محدوديتها عبر مساراتها الطبيعية بالبنوك المصرية  ... وشركات الصرافة العاملة فى السوق المصرى ... أم ذهبت «من بره بره» عبر مسارات أخرى «موازية» يقودها بعضهم لجمع تلك التحويلات من منابعها بالخارج والحيلولة دون دخولها مصر ... السؤال الآخر ما البدائل لتراجع تحويلات العاملين المصريين بالخارج سواء عبر المنافذ الطبيعية او نتيجة التراجع الذى يدفعه انخفاض دخول المصريين العاملين بالخارج على خلفية تراجع النموالاقتصادى العالمى الذى أنعكس على دول العمالة المصرية بالخارج ...  من المتعارف عليه أن مصادر مصر من العملات الحرة أو «الصعبة» لا تخرج عن السياحة ... الصادرات ... قناة السويس ... تحويلات المصريين العاملين بالخارج ... أخيراً الاستثمارات الاجنبية الوافدة على السوق المصرى سواء استثمارات مباشرة او غير مباشرة ... يمكن أن نضيف اليها القروض الخارجية او المنح الدولية لمصر خاصة من مؤسسات المال العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ...  اجابة السؤال الأول لا تخرج عن «مافيا» تمارس دورها فى «جمع» تحويلات المصريين العاملين فى الخارج من تجمعاتهم فى دول العالم لبيعها بسعر يحددونه وفق عرض وطلب فى الغالب «مصطنع» لإشعال أسعار العملات ... تحقيق مكاسب عالية من ورائها ... وإلا ما كان ذلك الفارق الكبير بين أسعار تلك العملات بالسوق الرسمى و السوق الموازى أو «السوق السوداء» الذى يغرى «الغالبية» بالتعامل مع السوق الرمادى خاصة اننا لسنا جميعاً  «ملائكة» نغض الطرف عن مكاسب يراها أغلبنا أو يريدون أن يروها «حلالا» لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها... الامر الآخر ارتفاع تكاليف التحويلات «الرسمية» من الخارج وفق بيانات البنك الدولى لأسعار التحويلات فى العالم التى تدور فى المتوسط حول نسبة 6.2% من قيمة الاموال المحولة من الخارج وفق أرقام الربع الثانى من العام السابق 2023مقارنة بالعام الاسبق 2022 ... هنالك تجارب سابقة نجحت فيها مصر فى محاصرة السوق الموازى او «السوق السوداء» للعملة لعل أبرزها تجربة د. فاروق العقدة محافظ البنك المركزى الاسبق الذى نجح بجدارة لا يختلف عليها أحد فى إنهاء السوق الموازى أو «السوق السوداء» للعملة ... حافظ على سعر مستقر للدولار أمام الجنيه ... الأمر الان يستدعى رجال أمثال «العقدة» قادرون بالفعل على إحداث الفارق بالتأكيد ...  تقرير البنك الدولى حول الهجرة والتنمية يشير الى تراجع التدفقات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الثانى على التوالى بنسبة 5.3% نتيجة الانخفاض الحاد فى تدفقات تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى مصر ... من المتوقع وفق التقرير أن تتراجع التحويلات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرة أخرى  إلى 61 مليار دولار 2023 نتيجة التراجع الحاد فى التدفقات إلى مصر مع احتمال - وفق التقرير- أن تكون الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمى والسوق الموازية مسئولة عن عدم تسجيل جزء كبير من التحويلات «رسميا» ...   احتلت مصر المرتبة الأخيرة بين أكثر 5 دول تلقت أكبر قدر من التحويلات الخارجية من عامليها بالخارج العام السابق 2023 ... جاءت الهند فى المقدمة بإجمالى تحويلات من العاملين الهنود بالخارج 125 مليار دولار ... المكسيك المرتبة الثانية  67 مليار دولار ... الصين الثالثة 50 مليار دولار ...  الفلبين الرابعة 40 مليار دولار  ... مصر الترتيب الخامس والاخير 24 مليار دولار ... أكد تقرير البنك الدولى حول الهجرة والتنمية أن تلك التحويلات تمثل نسبةً كبيرة من إجمالى الناتج المحلى للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ما يبرز أهمية تلك التحويلات لتمويل عجز الحساب الجارى والموازنة العامة ... نأتى الى السؤال الآخر حول بدائل تراجع تحويلات العاملين المصريين بالخارج ... الاجابة بالتأكيد تكمن فى تفاصيل لا يسكنها الشيطان كما يربط البعض بينهما ... لكنها تبدو فى ضرورة «تعظيم» مواردنا الأخرى من النقد الاجنبى لدولة تعتمد كلية على استيراد اغلب احتياجاتها «الحياتية» من الخارج ... الأمر يتطلب تعظيم الصادرات ... موارد السياحة ... دخل قناة السويس ... جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية «المباشرة»  ... قبل ذلك او بالتوازى معه «التصنيع» حتى نكتفى ذاتياً ... «نصدر» للخارج ... الأمر لا يتطلب سوى بعض العمل «الجاد» على تلك الملفات وما أبسطها ولدينا من التجارب العالمية نجاحات لدول مثل سنغافورة ... كوريا الجنوبية ... اليابان وغيرها ... تقرير مجلس الوزراء بعنوان «أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري» يؤكد مواصلة الحكومة العمل على تبنى سياسة مرنة لسعر الصرف من أجل تعزيز مرونة الاقتصاد المصرى فى مواجهه الصدمات بالتوازى مع التحسن فى حصيلة النقد الأجنبى  ... تلك السياسة تعمل على تغطية الفجوة بين سعرى الصرف الرسمى وغير الرسمى خلال فترة زمنية محددة ... من المتوقع وفق التقرير حسب تقديرات صندوق النقد الدولى تسجيل سعر صرف للجنيه مقابل الدولار عن مستوى  36.8 جنيهًا فى المتوسط  الفترة 2024 / 2028 فى ظل توقع احتواء عجز ميزان المعاملات الجارية عند مستوى 2.6% من الناتج المحلى الإجمالى مع الحد من مستويات انكشاف البنوك المصرية على الاقتراض من الخارج وفق تطبيق أدوات السياسة الاحترازية الجزئية والكلية ومواءمة آجال استحقاق الأصول والخصوم بالعملة الأجنبية لتحقيق الاستقرار المالي.