منصورة عز الدين تكتب : فليصبح حكاية!

صورة موضوعية
صورة موضوعية

فى روايته «دورا بروديه»، يشير باتريك موديانو إلى الكاتب الألمانى فريدو لامب الذى صدرت روايته «على مشارف الليل»، فى أكتوبر1933، بعد أقل من عام على وصول هتلر للسلطة، ثم سُحبت من المكتبات، وأُتلفت وأصبح مؤلفها «مشتبهًا به». لم يكن حتى يهوديًا، فما هى الأسباب التى جعلته مشتبهًا به؟ كانت بكل بساطة الطلاوة والشجن فى كتابه. لقد كان طموحه الوحيد -وفقًا لما باح به فى رسالة- تحويل بعض الساعات إلى أوقات مؤثرة فى المساء، بين الساعة الثامنة ومنتصف الليل، على جانبى الميناء، وتذكر حى برام حيث أمضى فترة شبابه، «وتتابع بعض المشاهد القصيرة كما لو كانت فى فيلم تتشابك فيه سير الحياة. لقد كانت كل الأحداث سهلة وإنسيابية، ومرتبطة بصورة واهية للغاية، وتصويرية ووجدانية وتدور فى أجواء رحبة.» 

كانت جريمته على الأرجح أنه عاش فى العصر الخطأ وفى المكان الخطأ، وأنه طمح إلى الشاعرية والجماليات فى زمن البروباجندا والعنف. الزمن نفسه الذى راح ضحيته فلاسفة ومفكرون وكتاب وشعراء، وأُحرِقت فيه آلاف الكتب واللوحات التشكيلية، ووُصِمَت بالانحطاط لأنها خارج لحظة التجييش والحشد.

اقرأ أيضاً| محمد طاهر برعى يكتب .. ف آخر الحلم

حدث هذا فى ظل الرايخ الثالث، ويتكرر حاليًا على نحو مختلف ظاهريًا لكنه مشابه فى جوهره، فى ظل العدوان الإسرائيلى على غزة، حيث نشهد استهداف إسرائيل للكتاب والشعراء والفنانين وتصفيتها لهم. لدينا الآن قائمة تضم العديد من الكتاب الشهداء، من بينهم: هبة أبو ندى وعمر أبو شاويش وإيناس السقا وعبد الكريم هشهش وجهاد المصرى ويوسف دواس ونور الدين حجاج وسليم النفار وعبد الله العقاد ورفعت العرعير، والأخير حظى مقتله باهتمام كبير، خاصةً مع انتشار آخر قصائده التى بدأها بقوله:

«إن كان لا بدّ أن أموت

فعليك أن تعيش أنت

لتروى قصتى...»

وختمها ب:

«إن كان لا بدّ أن أموت

فليأتِ موتى بالأمل

فليصبح حكاية».

وما بين رواية القصة وتحولها إلى حكاية، تحضر الكتابة بوصفها شهادة على ما جرى ووسيلة لتخليد سير شهداء غزة من مختلف الأطياف وإدانة قاتليهم وحفظ الذاكرة الفلسطينية. والكتابة باعتبارها شهادة هى نقيض البروباجندا والتدليس وإشاحة الوجه بعيدًا، وهى أضعف الإيمان.