بدون أقنعة

الحياة فى مدينة جديدة

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

عندما تنتقل للحياة والعيش فى أى مدينة جديدة سوف تشعر بنوع مختلف تمامًا عن الأحياء القديمة.. اختلاف كلى تعيشه من أول لحظة، أبرز ما فيه هو الهدوء التام.. لا ضجيج.. لا أصوات للباعة الجائلين.. لا صوت لبائع أسطوانات البوتاجاز الذى يدق بمفتاحه الحديدى فيحدث صخبًا شديدًا كما فى أحياء القاهرة الشعبية وتقريبًا كل مدن مصر التى تحولت إلى سوق شعبى بامتياز.. تستطيع أن تذهب إلى النوم فى أى ساعة تختارها وعندما يأتى المساء تنعم بهدوء كامل يتسلل إليك فى سريرك.


كثير منا ربما يحتاج إلى شهور طويلة حتى يتآلف ويعتاد على هذه الحياة الجديدة عليه وربما يشعر بالحنين إلى ما تعود عليه فى مسكنه القديم خاصة من كانوا يسكنون الأحياء الشعبية القديمة، حيث لا تهدأ الأصوات والضجيج.. هنا لن تسمع سوى صوت الأذان الذى يأتيك من المسجد القريب أو لن تسمعه إذا كنت تسكن على الأطراف.


بالنسبة لى فإن هذه الحياة تستهوينى وتتسق مع طبيعتى لذا عندما تطأ قدماى أماكن مثل العتبة ورمسيس والأزهر والحسين أشعر بالتوتر والتحفز حتى أغادرها ولذا أشعر بأن روحى سلبت منى عندما أضطر للتواجد فى مثل هذه المناطق التى لا تهدأ طوال اليوم وعلى مدى ساعات الليل والنهار وحيث لا تستطيع السير فيها من كثرة الزحام والأصوات الصادرة من الميكروفونات والتى تتشاجر وتتقاطع مع بعضها البعض وأصوات الباعة الذين ينادون على بضاعتهم.. فى أحيان كثيرة أذهب إلى العتبة مترجلا حينا والأكثر مستقلا مترو الأنفاق وقليلا جدا بسيارتى ومن الوهلة الأولى فى محطة المترو تصطدم بمن يأتى حاملا أجولة أو كراتين وغيرها وتضطر للسير فى طابور طويل بطىء حتى تخرج من بوابات المترو فتقول الحمد لله ثم تخطو إلى الشوارع لتعاقب نفسك وتقسم ألا تأتى إلى هنا مرة أخرى.


عندما شب حريق كبير فى سوق العتبة عجزت سيارات المطافئ عن الدخول بسبب ضيق الشوارع والحوارى وتلاصق المحال وعربات الباعة الخشبية وحدثت خسائر من الصعب تعويضها.. مثل هذه الأسواق تتواجد فى جميع المحافظات للأسف الشديد وتتسبب فى مشاكل كثيرة لذا تلجأ الحكومة إلى إنشاء أسواق حضارية تتميز شوارعها بالاتساع وحرية الحركة وعدم تلاصق الباعة مما يمنع المشاجرات بين الباعة ويستطيع الأشخاص العثور على أماكن لسياراتهم عندما يأتون للسوق.


مثلى يعتبر الذهاب إلى السبتية مثلا أنه فى «حالة حرب « ومشوار مجبر عليه أخاك لا بطل.. قبل مدة ذهبت أبحث عن قطع غيار قيل لى لن تجدها إلا هناك وأخذت الشارع ذهابا وإيابا وهالنى منظر السيارات التى تتسابق على سد الطريق والميكروباصات التى تتناطح على أسبقية المرور وعربات الكارو التى ما تزال تعيش بيننا رغم قرارات الحكومة بإحالتها على المعاش.. منتهى الفوضى والعشوائية والبلطجة، فالشارع يكاد أن يكون مغلقا بسبب سلوكيات الناس.. الحمد لله لم أعثر على ضالتى ولن أذهب هناك مرة أخرى ولن أكون مجبرًا مهما حدث.


أعتقد أن الدولة مهما فعلت لتحسين صورة القاهرة القديمة فلن تفلح وعندما اتخذت قرار التخلص من بعض المناطق العشوائية فإنها فعلت صوابا، فهذا مفيد فى توسعة الشوارع ومواجهة حالة اختناق الشوارع.. وعندما اتخذ الرئيس عبد الفتاح السيسى قراره التاريخى بإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لتصبح متنفسا جديدا لمصر فإنه كان على حق، فقد أصبحنا نفخر بوجود مثلها على أرض مصرية.. جمال وروعة وخضرة وطرق واسعة ونظام وحدائق تتفوق بها مصر على مدن كثيرة فى الخليج. كنا نتمنى مثلها وتحقق حلمنا.. الحمد لله.