«أبو صديري» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

 محمد محي الدين أبوبيه
محمد محي الدين أبوبيه

عيناه الخضروان وشعره الأصفر وطوله الفارع كانوا جواز مروره إلى قلب ابنة الصحفي اللوذعي صاحب القلم الشامخ الذي لا يُشق له غبار،( فعموده الصحفي) اليومي تهتز له أركان الوزارات إذا لمّح إلى تقصير أو انتقد أداء أحد أعضائها من الوزراء، لذا الكل يضعونه في مرتبة أولي الأمر.

وسط هذه الهالة التي تحيطه لم يكن من الصعب أن تبتعد المسافات بينه وبين ابنته بل هناك بون شاسع بينهما، في ذلك الوقت بدأ نسيج الفارس يزداد تماسكه حول الابنة إلى أن حان قطف الثمرة التي نضجت.

فقد تقابلا على خشبة مسرح الجامعة، وأثناء البروفات استطاع أن يجذبها بوسامته رغم بساطة مظهره، اسم أبيها كان هو الخيط الأول لنسيج العلاقة، وبسببه أحاطها ولم تستطع الفكاك بل هي أحكمت أواصر العلاقة بينهما وبدأت بالمصارحة بحبه، لذا صار أمر ارتباطهما مجرد وقت.

لم يقتنع الكاتب الكبير به عند أول لقاء، لكن إصرارها عليه وكونه رجل يحترم الآراء الأخرى وقد منحها حرية الاختيار بكل شؤون حياتها؛ رضخ ووافق على زواجهما، بل قرر أن يسانده ويعطيه فرصة عمره بأن يجعله معه في الصحيفة كصحفي تحت التدريب.

 لم يضع الوقت بل انقض على الفرصة وعض عليها بنواجذه، فأثناء وجوده بمكتب (حماه) وقع نظره على أوراق مبعثرة أمسكها وقرأ كل ما فيها، ولمعت في رأسه فكرة فطفق يكتب ما رأه وقرأه وأخرج هاتفه النقال والتقط صورا من تلك الأوراق، باليوم الثاني ذهب إلى رئيسه المباشر وألقى بين يديه تحقيقا سيقلب الدنيا، نظر إليه رئيسه في الجريدة وبإعجاب قال: (برافو عليك..هو دا الشغل)

كانت صفحة التحقيقات تتزين بمقاله، عن مافيا الأدوية المغشوشة، ووجود مصانع تحت (بير السلم) تهدد صحة المواطن، مما جعل جميع القنوات الفضائية تتلقفه وتستضيفه ببرامجها وصار بين ليلة وضحاها اسمه يتردد وبقوة وكيف أنه كشف فسادا قائما دونما رادع.

تمت مواجهة عنيفة بين الطرفين، انسحب منها بأقل الخسائر وهي خروجه من حياة الكاتب الكبير بلا رجعة، رغم ذلك آثر (حماه )السكوت وعدم  البوح بأمر التحقيق لأحد حتى لا يقال بأنه يغار من نجاح زوج ابنته ويريد سرقة مجهوده رغم أن العكس هو الذي حدث وخوفا على مشاعر ابنته عندما تعرف الخديعة التي حدثت، كذلك قد سبق السيف العَزل فابنته حامل.

الأيام تتوالى ونجمه يصعد، فقد استغل مصاهرته للكاتب الكبير رغم الجفاء بينهما واقترب من صانعي القرارات، ولوسامته استطاع احتلال سدة الشاشة التليفزيونية ببرنامج أسبوعي، وقد جعل لنفسه خطا واحدا مساره مع الأغلبية وضد كل ماهو معارض.

جعل من رسمه عنوان، اكتفى بالصديري فوق القميص والكرافت فاشتهر بلقب ( أبو صديري)

وعندما أتت ثورة يناير اعتلى موجتها ولبس رداء المعارض الكامل، مثل الربان الماهر جعل دفتها في صالحه، وما هي إلا أشهر وقد أصبح رئيسا للتحرير بالجريدة كأول شاب في سنه يتولى المنصب بجريدة عامة.

وجاء أول عدد بعدما استتب له المُقام وقد اختفى منه العمود الذي يكتب فيه (حماه) من عشرات السنوات وظهر مكانه مقال آخر يحمل توقيعه.