تمييز عنصرى فاجر يعرقل حل الدولتين

«قانون الدولة اليهودية».. صاروخ في قلب التعايش السلمي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتبت: منى سراج 

تبنت العديد من الدول والمنظمات الدولية ما نادى به الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستعادة الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعه وأرضه المحتلة، حيث أكد أن حل الدولتين للقضية الفلسطينية هو الطريق نحو سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط، ودعوته فى نفس الوقت إلى ضرورة التحرك نحو «الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدخالها الأمم المتحدة»، على أساس حدود عام 1967 مع القدس الشرقية كعاصمة، وقد خضع ذلك الطرح للعديد من المناقشات، غير أن هناك جانبا مهما فى ذلك الملف لم تتم مناقشته، ويهدد أى بارقة أمل للتوصل إلى التسوية الشاملة، وهو قانون الدولة اليهودية الذى أقره الكنيست، فى يوليو 2018، وذلك بعد جدل واسع النطاق، لتناوله قضايا حساسة تتعلق بالهوية والتوجهات الوطنية، ومدنية الدولة العبرية، وكذلك بخصوص تأثيره على العرب واليهود الدروز واليهود السفارديم.

◄ ضاعت اللغة العربية وتدهورت مدارسها.. وانخفضت فرص العمل

◄ آثار سلبية مُتعددة لانهيار العلمانية على الهوية الثقافية والحقوق المدنية 

أحكام ذلك القانون القانون العنصرى أكدت أن إسرائيل هى دولة قومية يهودية، وركزت على حق التقدير الذاتى للشعب اليهودى فى الدولة، مما أثار تساؤلات حول التوازن بين الهوية اليهودية وبين المدنية للدولة، وتم تحديد العبرية كلغة رسمية وتمييز النشيد الوطنى والعلم الإسرائيلى كرموز رسمية، مما أدى إلى صراعات فى قلب المجتمع القانونى والسياسي لإسرائيل منذ طرح القانون وحتى الآن، وتكفى الإشارة إلى ما شهدته المجتمعات الإسرائيلية قبل وأثناء وبعد مناقشة القانون فى الكنيست، من نقاشات حادة واسعة حيث تظاهرت الحركات الاجتماعية والسياسية بمواقف متباينة، فضلا عن التظاهرات المطالبة بإسقاط ذلك القانون، فيما دعمت جماعات أخرى محتواه وشددت على ضرورة تعزيز الهوية اليهودية للدولة.

◄ اقرأ أيضًا | مستقبل وطن: قمة السيسي والملك الأردن تعكس اهتمام الجانبين بالقضية الفلسطينية

◄ تعاليم اليهودية
تشير التوجيهات الدينية فى القانون إلى دور الدين وتعزيز تعاليم اليهودية، مما أثار تساؤلات حول العلاقة بين الأبعاد الدينية والطابع المدنى للدولة، كما شدد القانون على التعاون مع الجاليات اليهودية فى العالم، مما أضاف بُعدًا دوليًا إلى النقاش، إن هذه الديناميات تجسد التحولات السياسية والاجتماعية فى فلسطين، حيث يتزايد التوتر حول التحديات التى تواجه الاحتلال فى سعيه لتعزيز هويته وتحديد طابعه الوطنى من خلال تمرير وتحصين هذا القانون، وذلك بالرغم من تأثيراته الواضحة على كل مكونات دولة الاحتلال بمن فيهم العرب.

وبرغم أن إسرائيل تزعم أن غرض إقرار قانون الدولة اليهودية هو تحديد الهوية الوطنية، وضمان حقوق الأقليات وتعزيز التواصل والتعايش السلمى وكذا تعزيز الأمان القومى، إلا أنه بات قانونا يثير الأزمات والمشاكل، ومتعديا على حقوق الأقليات ومجحفا للمساواة بين جميع المواطنين، فلم يكن الصراع الداخلى حول القانون قبل وأثناء مناقشته فى الكنيست هو الصراع الأوحد، بل امتد تأثيره حتى على مكونات دولة الاحتلال، بمن فيهم العرب واليهود الدروز، وحتى يهود السفارديم، وبالتركيز على العرب سنجد أن القانون لم يعترف بالهوية العربية، وتحدث لهم مشاكل متعددة، سواء فيما يخص المشاركة الكاملة فى الحياة العامة، سواء فى السياسة أو الثقافة أو الرياضة، أو فى الحقوق المدنية، وكشفت التقارير عدم حصول العرب على نفس الخدمات والفرص المتاحة لغيرهم، إضافة إلى اختراق الأمن والأمان الذى يعيشه العرب والفلسطينيون حتى الآن، الذى يؤكد فشل القانون فى الحفاظ على المساواة والعدالة لجميع المواطنين، وعلى سبيل المثال فمدارس اللغة العربية، تتلقى تمويلًا أقل بكثير مقارنةً بالمدارس العبرية، مما يؤثر على جودة التعليم، إضافة إلى تحديات التأهيل اللغوى، الذى واجهه الطلاب العرب فى التأقلم مع اللغة العبرية كلغة تعليمية رئيسية، مما أثر بشكل مباشر على  استيعابهم للمواد الدراسية والتواصل مع المعلمين والزملاء، وليس هذا فقط بل امتد الضرر والتأثير على فرص العمل، وأضف لذلك تأثيره السلبى على الدروز، فقد ظهر التمييز الدينى، خاصة أن لديهم خصوصياتهم الدينية، أما يهود السفارديم، فقد تبين تفضيل العناصر الإشكنازية فى الهوية والثقافة اليهودية فى القانون، بجانب التحديات فى المشاركة التى تجعلهم يواجهون صعوبات فى المشاركة بشكل كامل فى مجتمعهم اليهودى، ودعّم من ذلك أن السفارديم يواجهون تحديات الفقر العنيفة والتمييز الاجتماعى، بسبب وجود فجوة اقتصادية بينهم وبين اليهود من خلفيات أخرى.

◄ طرح الاعتراضات
ومن جانبه يرى الدكتور نبيل حلمى، أستاذ القانون الدولى والعميد السابق لكلية الحقوق جامعة الزقازيق، أن إسرائيل تخالف قواعد القانون الدولى بتمييزها بين المواطنين بناءً على الديانة، والتأثير السلبى لذلك على مفاوضات السلام، ويشير إلى أن قوانين الدولة اليهودية قد يتم الطعن فيها داخل إسرائيل، ويشير فى نفس الوقت إلى صعوبة تمرير هذا الطعن وضعف الآليات المتاحة لذلك، موضحا أن المحكمة الدستورية فى إسرائيل هى المختصة الوحيدة بالطعن فى دستورية القانون، كما يشدد على أن النفوذ الإسرائيلي الأمريكي يحد من إمكانية الطعن بالقانون من خارج إسرائيل، مما يجعل الفلسطينيين فى حالة عجز عن طرح الاعتراضات خارج حدودها، حيث يرى أن الدعم الأمريكى لإسرائيل يجعل هناك صعوبة كبيرة فى تدخل المجتمع الدولى فى الانتهاكات الإنسانية والحقوقية التى تترتب على ذلك القانون، خاصة فى مجلس الأمن الذى تحتكره الدول دائمة العضوية وتملك وقف أى قرار وعرقلة أى تحرك من خلال حق الفيتو .

ويستطرد: لم يتوقف الدعم الأمريكى لإسرائيل عند هذا الحد فقط، بل إنه وصل إلى الدفاع عنها حتى فى جرائم الحرب، والدليل أن قرار تصفية الاستعمار غير الملزم، يعطى الحق لأى جهة تتأثر بمخالفته، وخاصةً فيما يتعلق بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان، التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لتقديم دعوى بهذا الصدد والتوجه أيضًا إلى المحامى العام لتقييم هذه الدعوى، ويلفت إلى أن الفلسطينيين لم يستفيدوا من هذا القرار، وأبرموا اتفاقًا مع المحكمة الجنائية الدولية يتعلق بحماية الأراضى الفلسطينية أو القدرة على تقديم دعاوى فى حال حدوث أى جرائم مشمولة فى لائحتها بسبب أمريكا، وما كشفه ظهور معضلة قانونية كبيرة نتيجة وجود اتفاق موازٍ مع المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يسمح هذا الاتفاق لمجلس الأمن فى أى وقت بإيقاف أى دعوى مقدمة أمام المحكمة الجنائية الدولية فى هذا السياق، مما يقلل من قوة المحاولات الفلسطينية فى رفع الدعاوى وضعف أى محاولة قد يقومون بها فى ذلك الملف.

وفيما يتعلق بتأثير قانون يهودية الدولة على مفاوضات السلام، يرى أنه لا يلعب دورًا مباشرًا فى المفاوضات بين الدول، حيث يركز القانون على العلاقات الدولية بدلاً من الشعوب. ويؤكد على أهمية تغيير هذا التمييز العنصرى بين الدولتين لتحقيق التسوية، وضرورة النظر فى القضايا القانونية خلال فترة الهدنة، موضحا أن الوقت مناسب لإقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل، ويلفت فى نفس الوقت إلى أن التحول السياسى يمكن أن يساهم فى حل النزاع وتحقيق السلام. 

◄ يهودية الدولة
ويركز الدكتور منير محمود، الخبير فى الشئون الإسرائيلية على أهمية تقييم القانون الإسرائيلى فى إطار القانون الدولى، الذى يركز على حقوق الإنسان والمساواة، ويرى أن قانون يهودية الدولة، يعكس جوهر سياسات الكيان الصهيونى، الذى نشأ فى سياق مرتبط بوثيقة استقلاله فى 15 مايو 1948، ويحذر من التحديات المستمرة التى تواجه تحقيق المساواة وحقوق الإنسان فى ظل قانون يهودية الدولة، مشددا على أن هذا القانون يعتمد على الانتقاء العرقى والدينى، ويعرب عن قلقه إزاء فشل تحقيق السلام أو التسوية الاجتماعية بين إسرائيل وجيرانها نتيجة تلك الممارسات، ويقول: أنا متشائم جدا تجاه واقع حقوق الإنسان فى القوانين الدولية، مشيرًا إلى عدم قانونية بعض قرارات الأمم المتحدة فى ظل التغييرات الديموغرافية والنسبة بين السكان والأرض، ويعزز تحليله لأثر تلك القرارات على الحقوق والمواطنة، ويؤكد على أنها تتجاوز مبادئ المساواة بكل ما فيها من عوامل التمييز العرقى.

ويؤكد الدكتور منير تفوق إسرائيل القانونى بسبب الدعم الدولى  المنحاز، مشيرا إلى أن مبدأ دولة فلسطينية منزوعة السلاح يجب أن يشمل أيضًا إسرائيل، ويشدد على أن إسرائيل استفادت بفاعلية من هويتها الثقافية والدينية للتأثير فى توجيه وسلوك المجتمع الدولى، وتجاهلت بترسانتها الإعلامية الهوية الثقافية والدينية للفلسطينيين داخل نصوص القانون، بل وصل الأمر لإجحاف حقهم فى ممارسة لغتهم الأصلية داخل بنوده.

◄ عنصري بامتياز
ومن جانبه يعتبر الدكتور عبد العليم محمد، الخبير فى الشئون الإسرائيلية، أن قانون «يهودية الدولة» من بين أخطر القوانين التى أصدرتها إسرائيل، ويصفه بأنه قانون عنصرى بامتياز، حيث يمنح الجنسية لليهود فقط ويتجاهل الأقليات والفئات الأخرى من غير اليهود الذين يعيشون فى فلسطين، خاصة الشعب الفلسطينى داخل وخارج الخط الأخضر، ويؤكد أن هذا القانون يأتى فى إطار تحقيق حلم الصهيونية فى جعل إسرائيل ملكًا للشعب اليهودى من النهر إلى البحر.

ويشير الدكتور عبد العليم إلى أن ذلك القانون سيكون له تأثير كبير على مفاوضات السلام، حيث رفضت القيادة الفلسطينية الاعتراف بيهودية الدولة، التى ترى أن ذلك ذلك تفريط فى حقوق الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل، موضحا أن القانون نفسه، لا يتفق مع المبادئ القانونية الدولية، حيث تؤكد هذه المبادئ على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم، ويوضح أن هذا القانون العنصرى كان الدافع وراء العديد من الجرائم ضد الشعب الفلسطينى، مثل خطة الحسم التى تستهدف ترحيل وتهجير الفلسطينيين. يعتبر الدكتور أن الحل الأمثل هو إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تحقيق الأمان والاستقرار لكل الأطراف المعنية، ويوضح أن الدولة الفلسطينية يمكن أن تتعايش مع إسرائيل، ولكن بدون وجود قانون الدولة اليهودية، كما أنه من المهم أيضا أن تكون الدولة فى حدود الضفة الغربية وغزة وفق القرارات الدولية وتكون الأمم المتحدة هى الأساس، ولتفعل إسرائيل  بعدها ما تشاء.