تحالفات عسكرية أوروبية ومخاوف من حرب باردة

مروحية تحلق فوق سفينة الشحن جلاكسى ليدر
مروحية تحلق فوق سفينة الشحن جلاكسى ليدر

كتبت : مروى حسن حسين

فى الوقت الذى شكلت فيه الولايات المتحدة تحالفاً جديداً لتأمين الملاحة فى البحر الأحمر لمواجهة الهجمات التى تنفّذها جماعات الحوثي» فى منطقة مضيق باب المندب الاستراتيجى والحيوي، تتصاعد حدة المخاوف من تلك التحالفات العسكرية فى البحر الأحمر الذى يعد شرياناً حيوياً لحركة التجارة العالمية، وسلاسل الإمدادات الدولية، وممراً استراتيجياً يستقطب اهتماماً وتنافساً دولياً متصاعداً، فى ظل وجود الكثير من القوى البحرية والقواعد العسكرية بمنطقة القرن الأفريقي.

كان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، قد أعلن خلال زيارته البحرين تشكيل تحالف دولى يضم 10 دول للتصدى لهجمات الحوثيين المتكررة على سفن مرتبطة بإسرائيل فى البحر الأحمر. ويزعم أوستن أن التحالف الأمنى سيعمل بهدف ضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين. ويضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا.

اقرأ أيضاً| واشنطن بوست: حماس تصطاد جنود الاحتلال ب «كمائن مميتة»

واستهدف الحوثيون منذ بدء الحرب على غزة عدة سفن تجارية بمدخل البحر الأحمر بصواريخ ومسيرات تطلقها من السواحل اليمنية قالوا إنها متجهة إلى إسرائيل، رداً على ما وصفوه بالمجازر الإسرائيلية فى قطاع غزة.

وقالت الجماعة اليمنية إن هذا التحالف لن يردعها عن دعم غزة حتى وقف الحرب وإدخال المساعدات لسكانها المحاصرين.

يثير تسارع وتيرة التحركات العسكرية فى البحر الأحمر مخاوف من توسع رقعة المواجهة فى المنطقة التى يوجد بها الكثير من القوى البحرية الدولية، إضافةً إلى وجود 11 قاعدة عسكرية فى منطقة القرن الأفريقى القريبة من مدخل البحر الأحمر، لدول متنافسة إقليمياً ودولياً، من بينها «الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وتركيا»، كما تسعى روسيا للوجود فى المنطقة عبر التعاون مع إريتريا.

يرى البعض أن إعلان الولايات المتحدة تشكيل التحالف الجديد وتكوينه الراهن يعكس رغبة أمريكية فى توفير غطاء دولى لعملياتها فى هذه المنطقة الحيوية، وإعفاء دول المنطقة من القيام بأى مسئوليات لتعضيد موقف السياسة الأمريكية، خصوصاً ما يرتبط منها بحماية أمن إسرائيل. فى المقابل قد يفتح ذلك التحالف المجال أمام تحالفات أخرى قد يكون منها «تحالف إيرانى - يمنى - تركي»، وقد يستقطب كذلك دعماً صينياً - روسياً، مما يهدد بإعادة أجواء «الحرب الباردة» إلى المنطقة، وقد يؤدى إذا ما تفاقمت حدة المواجهات إلى اندلاع حرب دولية، وفرض شروط جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية فى تلك المنطقة، التى تعدّها واشنطن ذات أولوية استراتيجية.

يرى المحللون أن الهدف المعلن لتكوين التحالف الأمريكى لمواجهة العمليات التى تنفذها جماعة الحوثي، لا يمثل الهدف الحقيقى لتلك التحركات المكثفة للوجود فى هذه المنطقة الحيوية، فهناك إدراك عالمى بأن الحروب القادمة فى العالم هى حروب بحرية، وبالتالى الوجود فى منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب ذات الأهمية الاستراتيجية يعد «أولوية قصوى» لمعظم القوى الكبرى فى العالم. فالمنطقة توجد بها قدرات بحرية كبيرة وأطر للتعاون تشارك فيها دول رئيسية بالمنطقة مثل مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، وغيرها من الدول ذات المصلحة فى تأمين حركة الملاحة بها، سواء لتأمين صادرات النفط أو بصفتها المدخل الجنوبى لقناة السويس، فإطلاق المجال لتعدد التحالفات فى المنطقة  قد يحمل هدفاً أكبر من مجرد التصدى لعمليات تستهدف سفنا تجارية متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.

ويرى الخبير الاستراتيجى الأردني، محسن الشوبكي، أن تشكيل تحالف جديد بدعوى تأمين الملاحة فى البحر الأحمر، رغم وجود الكثير من التشكيلات العاملة فى المنطقة «يثير الكثير من الإشكاليات»، لافتاً إلى أن التحالف الجديد «سيكون عنوانه حماية أمن إسرائيل»، وهو ما سيضع أى دول عربية تشارك فيه تحت ضغط الرأى العام، خصوصاً فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة.

وكان موقع «سيمافور» الأمريكى قد أفاد، بأن البنتاجون يدرس توجيه ضربة مباشرة إلى الحوثيين فى اليمن، رداً على الهجمات المتصاعدة على السفن فى البحر الأحمر. وتشير صحيفة الإيكونوميست البريطانية إلى أن «صناعة الشحن العالمية تتحول إلى وضع الطوارئ» من جراء الهجمات الحوثية، التى ستكون لها تداعيات خطيرة، أهمها التأثير على الاقتصاد العالمى وعلى دول إقليمية، ومخاطر التصعيد العسكرى فى الشرق الأوسط. والسؤال الآن هل يستطيع الحوثيون إغلاق البحر الأحمر؟

تشير مجلة تايم الأمريكية فى تقرير لها إلى أن «جماعة الحوثى يستعرضون قدراتهم ويسعون إلى تعزيز مكانتهم الإقليمية مثل إيران، وهم يريدون الضغط على إسرائيل لإنهاء هجومها على غزة، ومن المرجح أن يواصلوا هجماتهم حتى يتحقق هذا الهدف». يؤكد الخبراء أن الحوثيين لا يملكون سفنا حربية بحرية رسمية، أو بوارج أو غواصات يمكنهم من خلالها فرض طوق وحصار كامل، لكنهم سيواصلون الاعتماد على الهجمات بالمسيّرات والصواريخ والزوارق السريعة، وربما زرع الألغام البحرية، فى الوقت الذى تنفّذ فيه السفن الحربية الأمريكية والفرنسية وغيرها من سفن التحالف، دوريات فى المنطقة، بما يبقى الممر المائى مفتوحا حتى الآن.

وقد يكون من الصعب ردع الحوثيين بالقوة العسكرية على عكس حزب الله، الذى يواجه حربا مباشرة مع إسرائيل، فالحوثيون لا يتعرضون لتهديد فورى يذكر -حسب التقرير- وهذا ما يجعل هذا الوضع تحديا جديا لكل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. فى حين يفتقر التحالف الذى شكلته الولايات المتحدة إلى دعم معلن من الدول العربية السبع المطلة على البحر الأحمر، وهو ما يضعف دوره ويشكك فى أهدافه. ومع أن نزع فتيل التوتر فى البحر الأحمر يبدو يسيرا وفق مطالب الحوثيين فى ارتباطها بالحرب الإسرائيلية على غزة، وقد يحصل بالعمل الدولى الجاد على وقف العدوان، يقود البحث فى حلول عسكرية محضة نحو مزيد من التصعيد، وهو ما من شأنه أن يعيق حركة التجارة الدولية ويعمّق الأزمة الاقتصادية العالمية، ويؤدى إلى مزيد من عسكرة شريان بحرى عالمى مهم، وازدحام المدمرات والغواصات والبوارج، ويقوى احتمال نشوب نزاع أشد وأخطر فى المنطقة.