بكين تستضيف اجتماعات الفصائل الفلسطينية 

العدوان الإسرائيلى على غزة يُعزز نفوذ الصين فى المنطقة

الرئيس الصينى شى جين بينغ أثناء استقباله الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى بكين
الرئيس الصينى شى جين بينغ أثناء استقباله الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى بكين

رسالة بكين : عامر تمام

بتحركات بطيئة وفعالة، توسع الصين من نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال إجادتها لاستغلال الفرص المتاحة، اللعب على تناقضات السياسة الأمريكية، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يحسن قادة الحزب الشيوعى استغلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لوضع موطئ قدم فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى؛ لخلق توازن مفقود فى ظل انحياز دائم للوسيط الأمريكى لحليفته إسرائيل. تدرك الصين أهمية الشرق الأوسط، بل وخطورته أيضاً، لذا؛ ترددوا طويلا فى الانغماس فى شئونه وصراعاته، وانتهجوا طيلة سنوات مضت سياسة تقوم على الحياد، والسير على حبل مشدود لتحقيق مصالحهم الاقتصادية.


وتعتمد فى سياستها بالمنطقة «الدبلوماسية والاقتصادية» من خلال المشاريع والشراكات التى تقيمها فى إطار مبادرة الحزام والطريق ما منحها نفوذًا اقتصاديًا تحول مع الوقت إلى نفوذ سياسي. وشكل نجاح الوساطة الصينية فى التوصل لاتفاق بين السعودية وإيران عادت بمقتضاه العلاقات بين البلدين، خطوة كبيرة نحو توسع نفوذها السياسى فى الشرق الأوسط.
لكن مع الحرب الإسرائيلية على غزة كانت الصين أكثر انحيازًا للحقوق الفلسطينية، فمنذ اليوم الأول للحرب، حسمت موقفها، ورغم إدانتها لقتل المدنيين لم تعتبر حركة حماس ولا المقاومة الفلسطينية منظمات إرهابية، وشددت على لسان وزارة خارجيتها على موقفها الثابت الداعى إلى تسوية القضية الفلسطينية عبر إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. بعد نحو أسبوعين، علق الرئيس الصينى شى جين بينغ للمرة الأولى على الحرب خلال لقائه مع رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى على هامش اجتماعات منتدى الحزام والطريق، ودعا إلى وقف دائم لإطلاق النار وضرورة منع الصراع من الخروج عن السيطرة. مرة أخرى، أكد الرئيس شى مجددًا فى كلمته خلال القمة غير العادية لقادة دول بريكس على أن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق لحل الصراع طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين.


وبمتابعة تحركات بكين خلال الأسابيع الأولى من الحرب، تلاحظ أنها تريد أن تحافظ وجود دائم كطرف وازن فى الأزمة، حيث أجرى وزير الخارجية وانغ يى محادثتين هاتفيتين مع نظرائه فى إسرائيل والسلطة الفلسطينية. المكالمة الأولى كانت مع رياض المالكى وزير الخارجية الفلسطينى وقتها، كانت تعبر عن دفء العلاقات بين البلدين، أعرب خلالها المالكى عن شكره للصين على وقوفها الدائم إلى جانب الفلسطينيين.فى المقابل، لقن وانغ نظيره الإسرائيلى محاضرة بشأن حق جميع الدول فى الدفاع عن نفسها، لكن مع مراعاة القانون الدولى وحماية المدنيين، وأكد على أنه لا يمكن تحقيق الأمن المستدام إلا من خلال الالتزام بالأمن المشترك.


هذه المواقف من جانب بكين رغم أنها لا تتعدى المواقف السياسية والتصريحات الرسمية لاقت قبولا رسميا وشعبيا فى الدول العربية، على أمل أن تحقق توازنًا مفقودًا فى ظل الدعم الأمريكى غير المحدود لإسرائيل فى الحرب، وإرسالها لحاملتى طائرات وقطع بحرية لحماية إسرائيل وردع حزب الله اللبنانى وإيران من التدخل فى الصراع. نظريًا، هناك توافق بين الصين وأمريكا حول ضرورة منع توسع الصراع فى الشرق الأوسط، لكن التنافس واختلاف الرؤى حول سبل تحقيق ذلك، حال دون التنسيق بين الطرفين لتحقيق هذا الهدف.
الولايات المتحدة، ترفض التنسيق مع الصين حتى لا يكون لها دور يسمح لها بالمزيد من النفوذ، هى تريد من بكين أن تنفذ رؤيتها فى المنطقة، وظهر ذلك جليًا حينما دعا وزير الخارجية الأمريكى الصين فى أكثر من مناسبة إلى استخدام نفوذها لمنع إيران من توسيع الصراع، ووقف هجمات الحوثيين اليمنية على السفن الإسرائيلية فى البحر الأحمر.
الصين أيضًا ترفض اتساع الصراع، لكن رؤيتها لتحقيق ذلك تتمثل فى وقف إسرائيل لعدوانها على المدنيين الفلسطينيين، وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال دعم أكثر من مشروع فى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار، لكن الولايات المتحدة عطلتها باستخدام الفيتو لتمنح الفرصة لحليفتها إسرائيل للخروج من مأزقها عبر المزيد من القتل للفلسطينيين. 
فشل مجلس الأمن فى العديد من المناسبات فى إصدار قرار يتعلق بالحرب بسبب استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة أو الصين وروسيا. استخدمت الصين الفيتو ضد مشروع قرار ترعاه الولايات المتحدة لعدم تضمنه نص يدعو إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار، فى حين استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرارات لعدم إدانة هجمات السابع أكتوبر التى شنتها حماس وعدم ذكر حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس.


وما يؤكد أن الصين عازمة على المزيد من الحضور فى القضية الفلسطينية، استضافتها للمرة الأولى مسئولين من فتح وحماس لتحقيق المصالحة بين الجانبين.قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وين بين «ندعم تقوية سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية وندعم كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة وزيادة التضامن عبر الحوار والتشاور». وأبلغنا أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح الفريق جبريل الرجوب خلال اتصال هاتفى بأن وساطة الصين مرحب بها من كافة الأطراف الفلسطينية وأنه متفائل بقدرتها على المساهمة فى الوصول إلى اتفاق يمحو ما وصفه بعار الانقسام عن الفلسطينيين.


دعم الصين الكبير للفلسطينيين يعيد للأذهان دورها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، حيث بدأت العلاقات الثنائية بين الجانبين عام 1965، فى ذلك العام، افتتحت منظمة التحرير الفلسطينية مكتبًا تمثيليًا فى الصين، والذى تم تحويله إلى مستوى السفارة فى عام 1974. الزعيم الصينى ماو تسى تونغ مؤسس الجمهورية الصينية وصف إسرائيل بأنها إحدى قواعد الإمبريالية فى المنطقة، وبينما كانت الصين تعانى من المجاعة فى الفترة بين عامى 1960 و1970 قدمت بكين الصين مساعدات لمنظمة التحرير الفلسطينية بلغت 5 ملايين دولار، بما فى ذلك الدعم العسكرى.على مدار سنوات يبحث العرب لاسيما الفلسطينيون عن قوى عالمية تخلق توازنًا مع أمريكا فى الصراع مع إسرائيل، نجاح الصين فى تحقيق ذلك سيكون بمثابة أفول نفوذ أمريكا بالمنطقة.