في بريطانيا.. الوكالة الوطنية للجريمة تحذر من خطورة تشفير رسائل فيس بوك

تشفير رسائل فيس بوك
تشفير رسائل فيس بوك

 تتوالى صراعات العالم الافتراضي ما بين الترويج لمزايا حديثة والتحذير من مخاطر حقيقية، ما تروج له منصات التواصل الاجتماعي "ميتا" مؤخرًا بإطلاق ميزة كبرى لحفظ الخصوصية بين طرفى المحادثات تلقائيا هو نفسه ما تشير اليه وكالات ومؤسسات مكافحة الجريمة على مستوى العالم بإعتباره إنتهاك لخطط حماية الأطفال؛ حيث تشير الى ان مزايا الخصوصية ما هى الا طريق آمن للمجرمين والمحتالين والمعتدين على الأطفال؛ لتجد المؤسسات الامنية نفسها امام تحدي مضاعف لإصطياد مجرمي وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف انحاء العالم.

خبر سار.. روجت اليه مؤسسة "ميتا" لمنصات التواصل الاجتماعي لتعلن ان مستخدمي تطبيق المحادثة الشهير "فيس بوك ماسنجر" سيتمتعون بمزايا أمنية جديدة عبر خاصية التشفير التام التلقائي لمستخدمي التطبيق ممن  يتجاوز اعدادهم مليار مستخدم نشط شهرياً يتبادلون مليارات الرسائل والصور والملصقات، ووعدت "ميتا" ان الامر سيستغرق القليل من الوقت حتى يتم تحديث جميع حسابات ماسنجر بالتشفير التام الذي يعمل تلقائيا مما يسمح بقراءة الرسائل من قبل المرسل والمتلقي فقط، وإدعت مؤسسة ميتا إن تلك الخاصية ستساعد في حماية المستخدمين من عمليات القرصنة والمحتالين والمجرمين، وهو الامر الذي تتبعه منصة واتساب التابعة لميتا حيث تقوم بتشفير الرسائل بين طرفى المحادثة بالفعل.

ليس آمنًا

سرعان ما ترجمت المؤسسات الامنية هذا الخبر لتكشف عن كواليسه وجوانبه الخفية؛ حيث حذرت الوكالة الوطنية للجريمة في المملكة المتحدة من مدى خطورة خطط تشفير رسائل الماسنجر لتؤكد؛ ان تلك الخطوة ستساعد المجرمين، وخاصة المعتدين على الأطفال للإفلات من العدالة، إمتدت تحذيرات الوكالة الوطنية للجريمة لتتوجه الى الآباء مؤكدة انه يجب عليهم التفكير طويلا قبل السماح لأطفالهم باستخدام الفيسبوك لأنه لم يعد آمنًا بعد قرار "ميتا" بتشفير جميع محادثات منصاتها وهو ما يعد ناقوس خطر نحو جرائم إساءة معاملة الاطفال عمدا، لجأت الوكالة الى تأكيد مخاوفها بالارقام لتؤكد؛ انها إعتقلت حوالي 800 مجرم تم الاشتباه بهم في حوادث الاعتداءات على الاطفال كما يتم حماية ما يصل الى 1200 طفل شهريا وحصيلة هؤلاء المجرمين تأتي عبر المعلومات الصادرة من منصات ميتا نفسها التي كانت تتطلع على الرسائل وتبلغ عن المحتوى الخطير منها، تتمثل المخاوف الحقيقية لدى الوكالة في تخفيض ​​عدد الاعتقالات بسبب قرار ميتا الأخير؛ حيث لا يمكن قراءة الرسائل إلا بواسطة المرسل والمتلقي فقط وبالتالي لن تتمكن الشركة بعد الآن من اكتشاف المعتدين على الأطفال الذين يعملون على منصاتها وهو ما يٌفقد الشرطة حوالي 92% من البلاغات ذات الصلة التي تحصل عليها من فيسبوك وفقًا للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة.

مجرم الانترنت

اشارت الوكالة الى اخطر النماذج الاجرامية ممن توصلت اليه الشرطة بعد مراقبة رسائله ومعرفة محتواها؛ وهو المجرم ديفيد ويلسون، المقيم في المملكة المتحدة، وتلقى حكما بالسجن لمدة 25 عامًا في عام 2021، استخدم ويلسون فيسبوك للاتصال بآلاف الأطفال، واستمالة مئات الضحايا باستخدام ملفات شخصية مزيفة على الإنترنت حيث تظاهر بأنه فتاة مراهقة، إرتكب ويلسون 96 جريمة اعتداء غير اخلاقي، ضحاياه لا يقلون عن 51 طفلا تتراوح اعمارهم ما بين 4 و 14 عامًا، كشفت التقارير استهدافه أكثر من 500 طفل على مدى 4 سنوات، وكان من الممكن أن يظل مختفيا ليفلت من العقاب إذا قامت مؤسسات التكنولوجيا في ذلك الوقت بتشديد إجراءات تشفير الرسائل بين الطرفين والتي تنتهي بحظر الوصول تماما لمحتوى رسائله ليتضاعف عدد ضحاياه دون ان يشعر أحد، استخدم ويلسون رسائل ماسنجر على فيسبوك لإتمام جرائمه، وقام بمساومة الأطفال بصور ومقاطع فيديو لإبتزازهم وهو الأمر الذي سبب لهم صدمات نفسية حادة مما دفع عدد من الاطفال إلى الانتحار، وكشفت محتويات رسائله مدى تجاوزاته كما أظهرت توسل العديد من الأطفال له حتى يتراجع عن تصرفاته الا انه لم يستجب على الاطلاق، وجاء في بيان الوكالة الاخير: "لو تم تطبيق خطط التشفير بشكل كامل في ذلك الوقت، سينجح ويلسون وغيره في الإفلات من العقاب، المجرمون مثل ويلسون سينجحون بسهولة في اصطياد ضحاياهم من الإنترنت دون اكتشافهم، والسبب تشفير الرسائل وعدم إظهار المحتوى الذي يدينهم".

تشفير للمجرمين

 يؤكد محقق الوكالة روب جونز والمدير العام للعمليات: "نتخوف من مجرد التفكير بأن خدمة التشفير كانت من الممكن أن تمنع القبض على ويلسون والإفلات بجرائمه، بل واستمرار الجرائم بحق الأطفال، تلك المنصة اتخذت قرارا تجاريا بتفضيل الخصوصية دون رؤية ما يحدث خلال توفير خدمة التشفير وناشدناهم بعدم الاقدام على هذا القرار، المنصة ليست آمنة كما كانت بالنسبة للأطفال لأنه لا أحد يعرف ما يحدث، يتنكر الأطفال كبالغين لأنه لا يوجد التحقق الفعال من العمر، ويتنكر المتحرشون كأطفال لإقامة علاقات واستمالة الضحايا"، ويؤكد نفس الامر جرايم بيجار، المدير العام للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة قائلا: لسنا مقتنعين بأن الإجراءات التي تخطط شركة ميتا لتطبيقها ستوفر أي أمان مثلما كان يحدث في السابق.

تلفت الوكالة الوطنية الانظار امام قضية اخرى وهى ان أزمة إخفاء المجرمين تتزامن مع ازمة أخرى وهى مرحلة عقوبة المجرمين بعد تقديمهم للعدالة؛ حيث يشير مسئولوا الوكالة ان المجرمين يفلتون بالفعل من العقوبات اثناء مثولهم للمحاكمات حيث يفلت ثمانية مشتبه بهم من كل عشرة من تهم التحرش والاعتداء على الاطفال والمزيد من الحماية سيسبب خللا كبيرا في حماية الاطفال، وهو الامر الذي يدفعنا الى فرض عقوبات أشد على أي شخص يقوم بدور المشرف أو المسؤول عن مواقع إساءة معاملة الأطفال. 

 ترصد التقارير الامريكية استمرار معركة طويلة الأمد حول التشفير بين شركات التكنولوجيا وجهات إنفاذ القانون، حيث دعت وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم شركة "ميتا" إلى إلغاء خطط التشفير الشامل وخاصة لرسائل فيس بوك وانستجرام، ويحث مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره شركة ميتا على وقف خطط التشفير، مشيرين إلى مخاطر إساءة معاملة الأطفال ويعارض المسؤولون الحكوميون منذ فترة طويلة تلك الخطط مشيرين إلى خطر قيام الإرهابيين، وتجار البشر، والمعتدين على الأطفال، وغيرهم من المجرمين باستخدام رسائل مشفرة للتهرب من إنفاذ القانون.

تحقيق سري

منذ ايام قليلة اقامت ولاية نيو مكسيكو الامريكية دعوى قضائية ضد شركة فيسبوك، لتتهمها بفشلها في حماية الأطفال من الوحوش البشرية على الانترنت، اكد راؤول توريز المدعي العام لولاية نيو مكسيكو في دعواه؛ ان منصات ميتا فشلت في حماية المستخدمين القاصرين من التعرض لمواد غير اخلاقية كما سمحت للبالغين بتهديدهم واستغلالهم، وقام توريز برفع الدعوى بعد إقامة تحقيق سري عبر الانترنت واشار في بيانه: "تحقيقنا في منصات التواصل الاجتماعي التابعة لشركة ميتا يوضح أنها ليست مساحات آمنة للأطفال ولكنها مواقع رئيسية للمحتالين لتجارة المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال واستدراج القاصرين للمزيد من السيطرة والاستغلال"، وتتهم الدعوى شركة ميتا بالاضرار بالأطفال والمراهقين من خلال التصميم الإدماني لمنصاتها، مما يؤدي إلى تدهور الصحة العقلية للمستخدمين.

جرى التحقيق السري عبر قيام  المحققين في نيو مكسيكو بإنشاء حسابات وهمية لأطفال يبلغون من العمر 14 عامًا أو أقل، وقال مكتب توريز إنهم تلقوا صورًا مبتذلة حيث سمحت ميتا لعشرات البالغين بالعثور على الأطفال والاتصال بهم وتشجيعهم على تقديم صور خارجة صريحة، بالاضافة الى اقتراحات للانضمام إلى مجموعات فيسبوك غير خاضعة للإشراف والرقابة لتسهيل تبادل الصور والخبرات السيئة كما سمحت ميتا لمستخدميها بالعثور على كمية هائلة من المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال ومشاركتها وبيعها، ويعلم زوكربيرج وغيره من المديرين التنفيذيين في ميتا الضرر الخطير الذي يمكن أن تسببه سياساتهم للمستخدمين، ومع ذلك فشلوا في إجراء تغييرات كافية على منصاتهم من شأنها أن تمنع استغلال الأطفال مع إعطاء الأولوية للمشاركات وعائدات الإعلانات بدلا من سلامة القاصرين، وهو ما اعترف به الموظفون السابقون في ميتا.

تعطيل الحسابات

يرد المتحدث باسم مؤسسة ميتا قائلا: "يساعد التشفير في الحفاظ على خصوصية المستخدمين ولا نعتقد انهم يريدون منا أن نقرأ رسائلهم، وقمنا بتطوير إجراءات قوية لمنع إساءة الاستخدام واكتشافه مثل منع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 19 عامًا من مراسلة المراهقين الذين لا يتابعونهم واستخدام التكنولوجيا لتحديد السلوك الضار واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده، وفي الوقت الذي نطرح فيه التشفير الشامل، نتوقع الاستمرار في تقديم المزيد من التقارير إلى جهات إنفاذ القانون ضمن إجرءات الحفاظ على سلامة الأشخاص، وفي شهر واحد فقط قمنا بتعطيل أكثر من نصف مليون حساب لانتهاك سياسات سلامة الأطفال".. ويأتي الرد على تلك البيانات على ارض الواقع من قبل المؤسسات الامنية في كافة انحاء العالم بكونها إجراءات غير كافية لحماية الاطفال والمراهقين. 

 

إقرأ أيضاً : «ميتا» تعلن التشفير التام لجميع المحادثات والمكالمات

 

;