سينما المقاومة ترصد الواقع الظالم والإعلام المزيف| «الجونة» يختتم دورة «نافذة على فلسطين»

لقطة من فيلم « باى باى طبريا»
لقطة من فيلم « باى باى طبريا»

غداً، يختتم مهرجان الجونة السينمائي الدولي دورته السادسة، والتى أقيمت خلال الفترة من ١٤ إلى ٢١ ديسمبر ٢٠٢٣، كدورة استثنائية لإلقاء الضوء على القضية الفلسطينية، والحرب اللاإنسانية على غزة، من خلال برنامج خاص ضم أفلاماً مختارة بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطيني، تمت إضافته لبرنامج المهرجان الذي كان سيقام في أكتوبر الماضي وتم تأجيله.

كما أكدت إدارة المهرجان، أقيمت الدورة دون أي مظاهر احتفالية احتراماً لما يحدث، والذي ألقى بظلاله على مدينة الجونة، التى بدت حزينة على غير عادتها، بعيداً عن السائحين الأجانب الذين جاءوا إليها لقضاء إجازتهم والاستمتاع بجوها الشتوى الدافئ، سيطر الحزن والوجوم على المشهد هنا بين ضيوف المهرجان المصريين والعرب، الكل يتابع الأخبار عن غزة، والحوار تحول عن الأفلام إلى الواقع المر فى القطاع المحاصر يقاوم الاحتلال والقصف جواً وبحراً وبراً، لكن لأن السينما مقاومة أيضاً، وفرصة لجمهور الجونة وكثير منه أجانب مقيمون أو ضيوف أو إعلاميون ليعرفوا الحقيقة.. تاريخ القضية الفلسطينية ومأساة شعب محاصر يقاوم الاحتلال منذ ٧٥ عاماً فى ظل صمت عالمى.

بين ندوات المهرجان أقيمت ندوة مهمة بعنوان « السينما فى الأزمات: نظرة على فلسطين»، دار خلالها حوار جدلي، بعد تساؤل طرحه المخرج محمد المغنى، عن مدى قدرة صانع الأفلام فى تغيير الواقع الحالى، فالشعب الفلسطينى يحتاج الآن خبزاً وماء وأماناً قبل احتياجه لأن تروى حكايته أو يتم تدوينها بأى شكل من الأشكال.. وفجر السؤال الذكى حواراً وإجابات رائعة، تؤكد أهمية السينما كسلاح ودرع للشعب الفلسطينى، فى مواجهة آلة الإعلام الغربى التى تزيف التاريخ والواقع.

باب الشمس

فى أول أيام المهرجان، تم عرض ثلاثة أفلام مهمة ضمن برنامج «نافذة على فلسطين»، عرض أولا فيلم «باب الشمس» بجزئيه الرحيل والعودة ليسرى نصر الله ، يروى جزؤه الأول «الرحيل» ما حدث فى نكبة ١٩٤٨، يجيب الأجيال التى لم تعاصر النكبة عن سؤال يتردد، لماذا تركوا أرضهم؟ رغم أن ما يراه الشباب والأطفال الآن من حرب إبادة، وطرد وتهجير للفلسطينيين هو إعادة لما حدث فى نكبة ٤٨، وهو إجابة لأى سؤال هدفه خبيث، إلا أن الفيلم يروى المأساة ويحكى التاريخ بصدق.

باي باي طبريا

فى الفيلم الوثائقى «باى باى طبريا» ترصد مخرجته لينا سويلم وهى ابنة الفنانة الفلسطينية الأصل هيام عباس، أربعة أجيال من نساء أسرتها، الجدة والأم والابنة والحفيدة، وما تبقى للعائلة من جذور فى فلسطين، فيلم يحكى ويوثق بالصور ولقطات سينمائية، وجود وتاريخ شعب قوى يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا، ويوثق بلقطات نادرة تهجير عائلات من طبريا، حكايات النساء تتجاوز الثرثرة لحكايات توثق تراثاً فلسطينياً، تحرص الجدات والأمهات على أن يظل حياً عبر الأجيال، هناك خوف مكتوم لئلا ينقرض وطنهن وتاريخهن ويصبح فى طى النسيان، وهو ما عبرت عنه هيام عباس فى الفيلم وهى تنظر من بعيد لمكان بيت العائلة الذى شهد طفولتها ولم يعد موجوداً «وراء ابتساماتنا، أعرف الخوف الذى ينام بداخلنا» فى مهرجان تورونتو بعد عرض الفيلم قالت مخرجته الشابة لينا سويلم : «لا يكفى فن السينما لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، لكنه يمكن أن يخلق رؤية للغربيين، ليحكموا بصدق ودون تصنيف أو تعميم سابق».

الأستاذ

فى المساء كان فيلم «الأستاذ» وهو العمل الروائى الطويل الأول لمخرجته فرح نابلسى، وهى مخرجة فلسطينية بريطانية نال فيلمها القصير «الهدية» شهرة واسعة، ويرصد ظروف الحياة اللاإنسانية فى ظل الاحتلال، لعب بطولته الرائع صالح بكرى، وهو بطل «الأستاذ» الذى تستعرض فيه أيضاً معاناة الفلسطينيين فى ظل الاحتلال بشكل أوسع، لكنه ليس أعمق.

تدور أحداث الفيلم حول أستاذ لغة إنجليزية فى قرية فلسطينية، نعرف أنه فقد ابنه الوحيد فى سجون الاحتلال بعد مشاركته فى مظاهرة سلمية، يحاول أن يجد عوضاً فى تلاميذه، خاصة آدم المتفوق، يهدم الاحتلال منزل أسرة آدم ، ويقتل أحد المستوطنين أخاه الأكبر، فيفقد آدم كل شىء، البيت والأخ والرغبة فى الحياة، يمنعه الأستاذ مرات من الانتقام لأخيه، إلا أنه ينفذ ما أراد فى النهاية، لكن الأستاذ يعترف بأنه القاتل، ويسجن بدلاً من آدم، ليكمل آدم حياته ومستقبله وما بدأه الأستاذ.

اهتمت المخرجة بالحالة العاطفية التأملية فى الفيلم على حساب البناء الدرامى والسرد الذى بدا مرتبكاً مهتزاً، ساذجاً فى بعض الأحيان، مسارات عديدة وخطوط متوازية ومتشابكة لأحداث قصة حقيقية لخطف جندى، ابن دبلوماسى أمريكى، تم استبداله بأكثر من ألف أسير فلسطينى، لم تستغلها المخرجة بشكل مكثف ومركز يخدم الدراما، وإنما عمدت إلى حشر أحداث وشخصيات أسهمت فى ارتباك الفيلم وبطء إيقاعه، ورغم ذلك إلا أن المخرجة نجحت فى رصد حالة الغضب المكبوت وانعدام الأمل فى الحياة لدى جيل الشباب فى ظل القمع والعنف والظلم فى وطن محتل.

حظى فيلم «الأستاذ» باهتمام كبير فى المهرجانات الدولية التى شارك بها قبل الجونة، استناداً لقيمة وأهمية الفيلم القصير للمخرجة فرح نابلسى «الهدية» الذى حصل على جوائز عديدة منها البافتا لأفضل فيلم قصير، وترشح للأوسكار عام ٢٠١٩، والأهم من ذلك أنه حظى بمشاهدة جمهور ضخم من جنسيات مختلفة، وعدد كبير من الساسة وصناع القرار فى أمريكا، وأصاب الفيلم أهدافاً دبلوماسية قوية حين شاهده رئيس المخابرات الأمريكية السابق چون برنان، وكتب عنه مقالاً طويلاً بنيويورك تايمز بعنوان «لماذا يجب على بايدن مشاهدة هذا الفيلم الفلسطينى؟» موجهاً رسالة مباشرة للرئيس الأمريكى يطالبه بمشاهدة الفيلم ليدرك حجم المأساة على جيل نشأ فى ظلم وعنصرية وعنف، ويطالبه بوقف الاستيطان والاستفزاز والممارسات الأمنية القمعية كما يصورها الفيلم.