«دُخّان من شبقٍ» قصة قصيرة للكاتبة آيار عبد الكريم

الكاتبة آيار عبد الكريم
الكاتبة آيار عبد الكريم

يجلس على المقهى كعادته اليوميّة. ينفث دخان الشيشة الذي يستمتع بإخراجه مع زفيره؛ و كأنه يطرد بقايا روحه الموجوعة. وحيداً يمارس هذه العادة، ومع متابعته تدخين الشيشة، يُحدّق في وجوه المارة؛ منهم من ينفث سيجارته ومنهم من يسير وحيداً ، يُخرج زفيره دون دخانٍ، يفرغ فيه يومه الممتلئ بمتاعب ومسؤوليات جمّةٍ.

حوله مجموعةٌ من الرجال يتحدثون بأريحيّة شديدةٍ، ورغم حديثهم المتواصل؛ إلا أنه لا يُعير انتباهاً لهم ولا لأحاديثهم التي تُشبه أحاديث النساء في السوق أو في حمام الثلاثاء.. كوب الشاي هو ونيسه الوحيد الذي يُضفي على جلسته بهذه المقهى حميميّةً و أُلفةً لم يعهدها من قبل مع شخصٍ.

وبينما هو مندمج مع شيشته، وجد امرأةً مُفعمة بالأنوثة تسير أمامه؛ عيناها العسليتان جعلته ينظر إليها بشغفٍ وشبقٍ في آنٍ واحدٍ. ذكرته بزوجته عندما كانت صغيرةً، أخذ يُحدق في تفاصيل جسدها البضّ وهو يترنّح وكأنه يعزف سيمفونية مدهشة غير مألوفة إليه، يستمتع بالنظر إليه وهو ينفث دخان الشيشة.

لعبتْ أنوثتها بأوتار قلبه ورغبته المكبوتة منذ باعٍ طويلٍ. منذ أن أصبحت زوجته قعيدة الفراش، لم يستشعرْ تلك الأحاسيس.

رمقته تلك المرأة بنظرةٍ ماكرةٍ؛ فهي تعلم جيداً من نظرة الشبق التي تنطلق من عينيه رغبته كرجل، وعندما جاءه صبي القهوة ليسأله إن كان يريد شيئاً آخراً، لم يشعُر بوجوده بجواره و لا نبرة صوته الصاخب وهي ترن في أذنيه رنة مُدويّة كصوت طائرات حربية أو غارات قديمة.

كل ما كان بمُخيّلته في تلك اللحظة؛ التدقيق في هذا الجسد المُترنّح المفعم بالأنوثة الصارخة و تتبّع خطوات المرأة أيضاً.

عاد كما كان عريساً شاباً جميل الهيئة؛ يزفّه الأهل و الأخلّاء بالورود و الزغاريد .. بجانبه هذه المرأة الجميلة التي استولت على جوارحه وكيانه كرجلٍ . جلس بجانبها على الكوشة المُزيّنة الجميلة و استعاد جزءًا من ذكرياته مع زوجته القعيدة البائسة، يرقصان معاً على المسرح ، ويشرُد بذهنه في معالم ليلةٍ جميلةٍ، يتناسى بها حياته الأليمة الحالية... ينتظر أن ينسى حاله بين معالم ذلك الجسد.

وعندما حان وقت الذهاب إلى عُش الزوجيّة.

لم يُوقّفه إلا ذلك الصوت القادم من خلفه:

أيوة جاااااااااي، جااااااااي، القهوة هنا عند عم ربيع.

يا أخي، حد يخض حد كده.

"يخرب مطنك ياجدع ،دتك حِزْن، فوقتني من أحلاها نومة. يا ساااتر...."

كان حلماً جميلاً وكأنه نام خلسةً واستيقظ من جديدٍ على نفث دخان شيشته المعتاد.