جرائم دون سبب l ننشر وقائع بدأت بالإهانة وانتهت بجريمة

الطالب زياد حمادة محمد
الطالب زياد حمادة محمد

محمود‭ ‬صالح

  قد يقول قائل بأنه القدر، وقد يقول آخر بأنه النصيب، وقد يقول ثالث بأن السبب وراء ذلك هو وقوفهم في وجه البلطجية، وعلى الرغم من أن الثلاثة أقاويل هي في الأصل قول واحد، لكن ثمة ما يوحي بأن في جرائم «القتل في لحظة» إنذارًا يدق ناقوس الخطر، ينبئ بانفلات الأخلاق للدرجة التي يلغي فيها الشخص عقله ويُقدم على جريمته ثم يندم بعدها في وقت لا ينفع فيه الندم.

أن تكون شخصًا مسالمًا وليس لديك عداوات لهو أمر مستحب، أن تكون مكافحًا وتسعى يوميًا على مستقبلك ومستقبل أبنائك فهو ايضا الطريق المستقيم، والحقيقة أن المرء السوي لا يتمنى إلا أن يعيش حياة هادئة، بعيدة كل البعد عن الضجيج والمشكلات، وقريبة كل القرب من السكينة والطمأنينة.

لكن لأن أصابع اليد ليست متساوية، فالناس أيضا كذلك، طباعهم تُظهر تفاوتًا غريبًا في الصفات، فهذا في أقصى اليمين وذلك قابع في أقصى الشمال، وهذا ما يظهر في الكثير من الأمثلة الموجودة في محيطنا.

الأمر الكارثي هنا، أن القابع في أقصى الشمال أو اليمين لا يؤثر على نفسه وحسب، بل أن أذاه يصل بشكل أو بآخر إلى ذلك الذي يعيش في استقرار وهدوء لا يشغله الا رزق أسرته فقط، بمعنى أن الشخص السيئ والمؤذي لا يسيئ لنفسه أو يؤذي نفسه فقط، بل تصل إساءته ويصل أذاه إلى ذلك الشخص المسالم الذي يعيش في كنفه لا يشغله إلا لقمة عيشه، وقد يصل الأمر في طرفة عين إلى جريمة، وقد تصل تلك الجريمة في أحيان كثيرة إلى القتل.

قد تظن أن الأمر به مبالغة، وأنه أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب، لكن هذا ـ للأسف ـ  واقعًا نعيشه، وظهر مؤخرًا في الكثير من الحوادث التي ارتكبت في الفترة الأخيرة.

تشويه

أولى تلك الجرائم ما حدث في محافظة السويس؛ عندما تعدى 4 شباب على طالب دون أي سبب، ودون أن يكون هناك سابق معرفة بينهم وبينه، بل أن الجملة التي قالها أحد الشباب وقت ارتكابه الحادث، «إحنا نازلين نرازي في أي حد، وانت جيت في طريقنا»، جملة دالة على أن الواقعة حدثت دون أى ترتيب مسبق، صدفة ولكنها صدفة من النوع الذي يُكره.

ما حدث أن الطالب، الذي يدعى زياد حمادة محمد، كان في طريقه إلى الدرس، وأثناء ما كان في شارع التحرير، تعمد شاب يقف وسط مجموعة من الشباب أن يخبطه في كتفه، وعندما وقف له زياد مستفهما وغاضبًا مما حدث، قال له الشاب بأنه فعل ذلك قاصدًا، وأنه ومن معه يقفون هنا ليتعرضوا لأي أحد، ومن حظ زياد أنه مر بهم وقتها.

هذا الرد المستفز، لم يتقبله زياد، وبمجرد ما أن استنكر ما قاموا به، وقبل حتى أن يقول لهم بأن هذا تصرف خاطئ، اعتدى الشباب الأربعة على زياد اعتداءً وحشيًا، عن طريق أدوات حادة كانت معهم، أسفر هذا التعدي عن إصابة زياد بجروح قطعية وتهتك بعضلات الوجه، ووصل الأمر إلى أن جرى لعلاجه مما أصيب به إلى 85 غرزة.

تخيل الشاب الذي خرج في طريقه إلى الدرس لطلب العلم، عاد إلى أهله ووجهه ممزق، والدم يسيل منه، هذا الموقف، الذي حدث دون أى سبب، سيكون نقطة فاصلة بين حياة شاب كان قبله غير ما بعده.

بعد أن حرر زياد محضرًا بالواقعة في قسم شرطة السويس، والذي حمل رقم 6039 جنح السويس، ألقي القبض على المتهمين واعترفوا بالواقعة، واعترفوا بأنه لم يكن هناك بينهم وزياد سابق معرفة، وأن قدره هو الذي أوقعه في طريقهم وقتها، وناله منهم ما ناله.

لم يكن في ظن الشباب أن تصرفهم هذا قد يؤدي بهم إلى السجن، لكنها وصلت بعد أن ارتكبوا جريمة، وصلت إلى تشويه وجه شاب وتعريض حياته للخطر وإرهابه والاعتداء عليه، فقط لأنهم «نازلين يرازوا».

الموت قدر

لا أخفيك سرًا، هذا النوع من الجرائم يصل في أحيان كثيرة إلى القتل، وهو ما حدث في واقعة حلوان، والتي راح ضحيتها شاب في بداية عمره، قتل على يد بلطجي تاركًا خلفه أسرة كان يتكفل برعايتها.

القصة بدايتها كانت غريبة بعض الشيء، أو ربما إن أردنا التعبير بإنصاف، مخيفة، كل ما هنالك أن مصطفى، ابن الـ25 عامًا، والذي يعيش في منطقة كفر العلو، التابعة لنطاق مدينة حلوان، كان في طريقه من عمله إلى البيت، حينذاك وجد مجموعة من الشباب يقفون على ناصية الطريق، وتحديدًا بالقرب من منزله، وبينهم شاب يدعى علاء، معروف عنه أنه كثير المشاكل بسبب وبدون سبب.

القصة أن المجني عليه يعرف هذا الشخص وبالتالي كان يتجنبه، لأن الأخير كان معروفًا بسوء سلوكه، في حين أن مصطفى شاب جد، يعمل ويعول أسرة، ولا يريد إلا توفيق الله وإعانته لكسب لقمة العيش بالحلال.

لكن شاءت الظروف أن يقع مصطفى في طريقه، وأثناء ما كان عائدا إلى بيته وجد علاء واقفًا كالمعتاد على ناصية الطريق، يمارس هوايته المفضلة في مشاكسة الناس، علاوة على أنه يبيع سمومه أمام منزل مصطفى، الأمر الذي جعل مصطفى يقدم على التحدث معه ليُعرب له عن رفضه أن يقف هكذا بجوار منزله ويتعرض للناس.

لكن علاء، لم يقبل الكلام، وأخذ ما قيل له على أن فيه تقليل لنفسه الأمارة بالسوء، أو بالأحرى، للسيطرة التي يفرضها على أهالي المنطقة والحي، لذلك ما كاد مصطفى أن ينهي كلامه حتى تعرض له علاء محاولا الاعتداء عليه وإزاحته من امامه.

في البداية تدخل البعض وحاولوا فض المشاجرة التي بدأت، لكن علاء لم يترك الأمر يمر مرور الكرام، ولم يكتف إلا بعد أن ينهي المشاجرة بـ 3 طعنات وجهها بسلاحه في صدر مصطفى، فأرداه قتيلا في الحال، وهكذا خرج مصطفى قتيلا لا لشيء، ودون أي يفعل أي شيء، فقط خرج من بيته للعمل، وعاد إلى البيت ميتًا، وكان الموت من نصيبه فقط لأنه وقع في طريق شخص ليس فوق مستوى الشبهات.

العامرية

هذه ليست الواقعة الوحيدة، ففي محافظة الإسكندرية، وتحديدًا في نطاق منطقة العامرية، حدثت جريمة قتل مروعة، قام بها مجموعة من المسجلين خطر، معروفين في المنطقة بإثارتهم المشكلات، وأنهم يعتدون على المارة ذهابًا وإيابًا، وأن شغلهم الشاغل التعرض للناس.

كان القدر ينتظر عماد، وأوقعه في طريقهم، وما هي إلا لحظة حتى سقط عماد ضحية لاعتدائهم. 

تفاصيل تلك الجريمة البشعة بدأت عندما كان عماد، سائق التوك توك، يباشر عمله في شوارع المنطقة، وقتها أوقفه هؤلاء الشباب وطلبوا منه مالاً مقابل مروره من هذا الشارع، كنوع من فرض الإتاوة.

كان الطلب وقحا، وبالتالي قوبل بالرفض، رفض عماد أن يدفع مالا لهم، وللأسف كان مقابل رفضه هو حياته، لأن وقتها تدافع عليه هؤلاء البلطجية، البالغ عددهم 14 شخصًا، وأوسعوه ضربًا وطعنًا، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

عماد كان يباشر عمله، وفي بيته أسرة تنتظر عودته، خرج صباحًا طلبًا للرزق، وعاد مساءً جثة هامدة، فقد لأن الظروف أوقعته في وجه هؤلاء. 

مهووسون

السؤال الذي نبحث له عن إجابة هو؛ لماذا يرتكب بعض الأشخاص الجرائم لا لشيء سوى لإيذاء الناس؟!، وحتى نفهم طبيعة هذه الجرائم والدوافع النفسية وراء ارتكابها؛ يوضح لنا الدكتور جمال فرويز، أستاذ علم النفس، أن الدافع الأول وراء ارتكاب هذا النوع من الجرائم هو استعراض القوة، والتي يحاول مرتكب الواقعة أن يبينها قدر ما استطاع رغم انها قوة هشة.

يشرح تلك الجزئية قائلا: «لو أخذنا من تلك الوقائع التي تم سردها مثالا، ستجد أن المجرم فيها شخص طبيعي تمامًا، لكنه يستعرض قوته على الناس، ويمارس عليهم العنف ويرهبهم، وبالتالي إن لم يستجب أحد لطلباته، يعني ذلك في قرارة نفسه أنه تقليل من قوته، وأن نظرة الناس له ستختلف بعد ذلك، وينقلب الخوف منه إلى التجرؤ عليه، وحينها سيعرفوا مقدار هشاشته وضعفه».

وأضاف: «لذلك ستجد من يقع حظه في يد المجرم الذي يحاول أن يمارس عليه كافة أنواع العنف والترهيب، هو لا يقصد قتله، ولم يكن في نيته القتل، كل ما في الأمر أن القدر أوقع الضحية أمام شخص يريد أن يمارس إجرامه على الناس ويريدهم أن يخافوا منه، وبالتالي هذه الأنواع من الحوادث تنتهي بأفظع الطرق، لذا نجد القانون في هذه الجزئية أقوى منهم ولهم بالمرصاد».

 

إقرأ أيضاً : كشف غموض جريمتى قتل بأسيوط والبحر الأحمر

;