إنها مصر

غزة والأسئلة الصعبة؟

كرم جبر
كرم جبر

فى أوج انتصار الرئيس السادات فى حرب أكتوبر المجيدة، قال جملته الشهيرة "مقدرش أحارب أمريكا"، وكان فى أشد الحرص على الاطمئنان على أبنائه من الجنود والضباط، والحفاظ على حياتهم، وأن دماءهم أغلى من دماء المعتدى الذى كان يحتل سيناء.
ووقف السادات مرفوع الهامة والقامة ساعياً إلى "سلام الشرفاء"، وجسوراً فى طرح "مبادرات الصدمات"، فما يستطيع تحقيقه بالسلام أفضل من الحرب، فى عصر لم يكن فيه "توازن الانحياز" مختلاً لصالح إسرائيل مثلما هو الآن.
ويطرح الرئيس عبد الفتاح السيسى صيغة متوافقة للسلام لإسرائيل والفلسطينيين معاً، فى ظل ظروف بالغة التشابك والتعقيد، وحكومة إسرائيلية شديدة الارتباك والتوتر، وتتخذ من الدماء سبيلاً للبقاء.
العالم كله الآن يوافق على الرؤية المصرية بحل الدولتين وتحقيق الأمن لكل دول وشعوب المنطقة، ووضع حد للحروب المستمرة وعدم توسيع نطاق الحرب الدائرة، ومهما طال أمد الحرب فسوف يأتى يوم لنهايتها.. ولكن إلى متى؟
الأسئلة الصعبة كثيرة وتصل إلى حد الصدمة، والسكوت عنها ليس فى صالح القضية الفلسطينية، بعد أن أعلنت إسرائيل عن خطتها بتدمير غزة وإفراغها من السكان.
وآخر تصريح صادر عن المكتب الإعلامى فى غزة أمس يؤكد سقوط 700 قتيل خلال 24 ساعة وقبل الهدنة 15 ألفاً، وفى المواجهات السابقة 27 ألفاً.. ومعظم هؤلاء من النساء والأطفال، والأيام القادمة الأسوأ.
والسؤال: طيب وبعدين؟
هل تستطيع حماس أن تنتصر على إسرائيل ووراءها أمريكا والغرب، والرأى العام العالمى يتفرج، والأمم المتحدة تعجز على إصدار أية قرارات والمجتمع الدولى تائه؟
إلى متى تستمر حرب الإبادة والإسرائيليون مصرون على تدمير غزة بالكامل، واغتيال قادة حماس فوق الأرض وتحت الأرض، ولا يعنيهم أن يسقط مئات القتلى كل يوم؟
هل تستطيع المساعدات الإنسانية أن تصون حياة أهل غزة، فى الشتاء القارس، وانتشار الأوبئة والأمراض، والخيام الرثة التى لا تصلح لشيء، فهل يموت الفلسطينيون برداً وجوعاً؟
ماذا يمكن أن يحدث بعد تدمير شمال غزة وجنوبها، ودفع السكان قسراً إلى البحر والجنوب، ومتى تتوقف الآلة الحربية المتوحشة عن حرب الإبادة؟
أحاول أن أكون موضوعياً وأقول إن العبء الأكبر يقع على عاتق مصر، وتبذل قصارى جهدها لحلحلة التشابكات المعقدة، والوصول بالمنطقة إلى بر الأمان، تحت وطأة الأصوات المجنونة القادمة من تل أبيب لمزيد من القتل والتدمير.
وعلى من يعينه الأمر أن يمد يده للمساعدة حسب إمكانياته وظروفه، وأن يكون الهدف الاستراتيجى الذى تسعى إليه كافة الأطراف هو: وقف المجزرة وتحقيق حلم الدولتين، حفاظاً على كل قطرة دماء طاهرة من أهالى فلسطين.
من حقهم أن يعيشوا فى سلام بعد 75 سنة من القتل والاعتقال والتهجير، والأحاديث مستمرة عن السلام الذى لا يأتي، والبيانات الحماسية التى لا تنفع، فالأحزان لا تخفف وطأتها الشعارات.