السفير حمدي صالح يكتب من واشنطن: مؤتمر المناخ بين الدول الصناعية والدول النامية

السفير حمدي صالح
السفير حمدي صالح

نجح مؤتمر المناخ cop 28 في إطلاق صندوق الخسائر والتعويضات الذي سيقدم معونة للدول المتضررة من زيادة الإحتباس الحراري والتلوث البيئي، نتيجة النشاطات الصناعية في الدول المختلفة التي تزيد من درجات التلوث البيئي. ويمثل هذا النجاح في أول أيام المؤتمر بدايةً مبشرة، لكي يمكن أن يتحرك مسار المؤتمر في إتجاه أكثر إيجابية ويواصل على ما تحقق في مؤتمر 27 في شرم الشيخ بمصر العام الماضي.

وحضر المؤتمر في شرم الشيخ العام الماضي حوالى 45 ألف مشارك، أما هذا العام فقد حضر أكثر من 70 ألف مشارك ما بين الوفود الرسمية والناشطين والجمعيات والشركات المهتمة بالبيئة والشخصيات العامة وكبار رجال الأعمال.

وقد ظهر تحول بارز في مواقف الدول المختلفة بشكل إيجابي كان من أبرزها تغير موقف الولايات المتحدة بخصوص صندوق الخسائر وإعلان تعهدها مبلغ رمزي للمشاركة في الصندوق بـ 17 مليون دولار مشروطة بموافقة الكونجرس، كما أن بريطانيا قدمت 400 مليون دولار وقدمت عدة دول أخرى تعهدات محدودة.

لكن المفاجأة الكبري كانت في إعلان الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات ومضيف المؤتمر عن صندوق بمبلغ 30 مليار دولار للمساعدة في تحقيق أهداف مؤتمر المناخ. ومازال التحدي الكبير الذي يواجه العالم هو كيف يتجنب إرتفاع درجة الحرارة بنسبة 1.5% في السنوات القليلة القادمة التي ستؤثر تاثيراً سلبياً للغاية على الدول النامية والمتقدمة جميعاً، وعبر عن هذا كل من سكرتير عام الأمم المتحدة الذي طرق ناقوس الخطر أمام الجميع في إفتتاح المؤتمر، كما عبر عنه رئيس المؤتمر سلطان الجابر. والتساؤل الهام هو ما مقدار التقدم الذي يمكن إحرازه من هذا المؤتمر لكي يبعد العالم عن أخطار الاحتباس الحراري. وتقع المسؤولية الكبرى لتجنب أخطار الإحتباس الحراري على الدول الصناعية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والصين ودول أوروبا الغربية والهند وجنوب إفريقيا.

وتمثل مشاركة الولايات المتحدة بوفد موسع برئاسة نائبة الرئيس كاميلا هاريس والمبعوث الرئاسي للبيئة والمناخ، جون كيري ويضم عدد كبير من المؤسسات الأمريكية العاملة في مجال البيئة والمناخ إشارة إيجابية على اهتمامها بتحقيق أهداف مؤتمر المناخ بشكل عام. وقد حرصت الإدارة الأمريكية على تقديم عرض شامل لسياسات الولايات المتحدة في قضية المناخ والبيئة، حيث قدم ديفيد ترك نائب وزير الطاقة الأمريكي في إجتماع محدود مع عدد من الشخصيات العامة والصحفيين عرضا مطولاً عن السياسات الأمريكية في مجال الحفاظ على البيئة والحد من التأثيرات السلبية على المناخ. أشار فيها إلى المبادرات الأمريكية المطروحة في مؤتمر المناخ 28 – وهي التوسع في إستخدام الطاقة النووية بالتعاون مع عدد من الدول ومن بينها اليابان وبريطانيا وعدد من الدول الغربية – كذلك عبر عن إهتمام الولايات المتحدة بتقديم قدراتها الفنية والتكنولوجية لمساعدة الدول النامية في مجال الحفاظ على البيئة والمناخ، وأشار إلى المبادرة الأمريكية بدعوة الشركات المنتجة للبترول لتقليل الآثار السلبية للمناخ.

كما ركز على فكرة منع التلوث من الإستخدام اليومي للسيارات وغيرها، وأشار إلى أن السيارات المباعة في الولايات المتحدة الآن 10% منها تعتمد على الكهرباء. لكنه أعترف أن هذة الخطوات لا تفي بالطموح المطلوب، وأن خفض الولايات المتحدة للانبعاث الحراري بنسبة 3% لا يفي بالمطلوب. ومن ناحية أخرى تبين أن التعاون الأمريكي مع الصين في مجال المناخ لم يتقدم بصورة كبيرة رغم مؤتمر القمة الذي عُقد بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني، وأن الولايات المتحدة والصين مازالا على خلاف بخصوص استخدامات الفحم. لكن التحولات أيضاً في سياسات الدول الصناعية الكبري تقدم مؤشرات إيجابية، ومنها موقف بريطانيا الداعم لمؤتمر 28 وكلمة الملك تشارلز أمام المؤتمر التي عبر فيها عن القلق العميق من تدهور المناخ العالمي بسبب الإحتباس الحراري ورغبة بريطانيا في التحرك جماعياً مع الدول الأخري لتحقيق أهداف المؤتمر.

كذلك فإن اليابان عبرت عن إهتماماً كبيراً وكذلك مشاركة الصين بشكل موسع كانت تمثل نقطة إيجابية في هذة المؤتمر. ويبقي التساؤل الهام هل يستطيع المؤتمر أن يقدم خطة تحرك فعالة لإنقاذ المناخ من التدهور السريع نتيجة الإحتباس الحراري وزيادة التلوث البيئي وهو ما سوف تجيب عنه التطورات في الأسابيع المقبلة. كاتب المقال : سفير مصر الاسبق في واشنطن والمساعد الاسبق لوزير الخارجية.